ما أن أخذ فيروس “كورونا” في الانتشار، حتى أعلنت عدد من الدول إقرارها لتدابير احترازية للحد من تفشي العدوى في صفوف المواطنين. وأصبح العمل من المنازل أسلوبا معتمدا من قبل عدد من المؤسسات والشركات، بعد أن كان الملايين من الموظفين في ربوع العالم يقضي ثلث وقته في مكاتب العمل. ومضت الحكومة المغربية، على غرار باقي حكومات العالم في اعتمادها العمل عن بعد كإحدى وسائل الحماية من انتشار عدوى فيروس “كورونا”، وفي الوقت ذاته ضمان استمرارية انتعاش الاقتصاد الوطني، وأداء الواجب المهني في ظروف تحمي الطرفين معا. وفي هذا الإطار، أعدت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، مشروع مرسوم يتعلق بالعمل عن بعد بإدارات الدولة، أحالته الأمانة العامة للحكومة على وزارة العدل من أجل إبداء ملاحظاتها حوله، قبل عرضه على المجلس الحكومي للمصادقة عليه. وجاء في المذكرة التقديمية لهذا المشروع، أن “العمل عن بعد أحد العناصر المرتبطة بمفهوم الإدارة الحديثة، حيث يندرج ضمن تطوير وتنويع أساليب العمل، وذلك باعتباره شكلا من أشكال تنظيم هذا العمل، يمكن بواسطته إنجاز المهام خارج مقرات العمل الرسمية التابعة للإدارة، باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال، بما يضمن استمرار المهام وتقديم الخدمات، في مختلف الظروف”. المذكرة التقديمية لمشروع المرسوم، الذي حصلت جريدة “العمق” على نسخة منه تشير إلى أن العمل عن بعد يمكن من تحقيق التوازن بين حاجيات الإدارة، من جهة المتمثلة أساسا في ضرورة استمرارية الخدمات بالنجاعة والفعالية اللازمتين، وبين الظروف الخاصة للموظفين من جهة ثانية، بما يوفره من مرونة في ساعات العمل مع الحفاظ على المعدل اليومي لساعات العمل الرسمية. وعليه، فإن اعتماد إمكانية العمل عن بعد، تساهم في توفير بيئة عمل مناسبة للموظفين، بما من شأنه الرفع من نجاعة الإدارة وتحسين مردودية الموظف، من أجل تقديم خدمات ذات جودة للمرتفقين. المرسوم الذي أتى بناء على الفصل 90 من الدستور، والنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، والميثاق الوطني للاتمركز الإداري، نصت مذكرته التقديمية على أنه جاء “في إطار الجهود المتواصلة للحكومة في مجال إصلاح الإدارة، لا سيما عبر تطوير أساليب العمل بالمرافق العمومية وتشجيع رقمنة المساطر وأدوات الاشتغال بهذه المرافق”. وتنص المادة الثالثة من المرسوم، على أن “كل عمل يؤدى خارج مقرات العمل الرسمية التابعة للإدارة، إما بشكل دائم أو مؤقت، كلي أو جزئي، بتكليف من الإدارة، يكون فيه الاتصال بين الموظف والإدارة عير استخدام الأنظمة المعلوماتية وأدوات الاتصال الحديثة، يعتبر عملا عن بعد”، ويتم في مقر سكنى الموظف المعني، أو عند الاقتضاء، في مقرات أخرى تحددها الإدارة غير مقرات العمل الرسمية التابعة لها. وزاد المرسوم، بأن العمل عن بعد، لا يخول، أينما تم إنجازه، الحق في الحصول على أي تعويض عن الإقامة أو التنقل، أو أي تعويض آخر خارج المقتضيات والشروط الجاري بها العمل. وفي المادة الرابعة، يوضح المرسوم، بكون العمل عن بعد، يكون “إما بشكل جزئي، حيث يمكن للإدارة تقسيم وقت عمل الموظف إلى حصص متساوية أو مختلفة بين ما سينجزه بمقر العمل الرسمي التابع للإدارة ومكان العمل عن بعد”، ويمكن أن يتم إما بساعات في اليوم أو أياما في الأسبوع أو في الشهر، أو بشكل كلي يهم الوظائف أو المهام التي يمكن تأديتها بشكل كلي من خارج مقر العمل الرسمي التابع للإدارة. وينص المرسوم نفسه، أنه وفقا لمقتضى قرار للسلطة الحكومية المعنية المكلفة بالوظيفة العمومية، ستحدد الوظائف والأنشطة المؤهلة للقيام بها عن طريق العمل عن بعد، مع لائحة الأماكن الموضوعة رهن إشارة الإدارة للقيام بالعمل عن بعد إذا كان سيتم خارج مقر سكنى الموظف المعني بالأمر، والقواعد الواجب احترامها فيما يتعلق بأمن أنظمة المعلومات وحماية البيانات، والقواعد الواجب احترامها فيما يتعلق بوقت العمل عن بعد واحتساب مدته، وشروط وكيفية احتساب توقيت ومدة العمل. ويشير المرسوم، أنه “يمكن ان يتم تحديد مدة تجريبية أقصاها ثلاثة أشهر، لتقييم مدى قدرة الموظف المعني على العمل عن بعد، وتقدير انعكاسات العمل عن بعد على سير المرفق المعني”، مع إمكانية مراجعة هذه الحصة والمدة كلما دعت الضرورة إلى ذلك. وبناء على المادة الثامنة، من مشروع المرسوم فإنه يمكن للإدارة الترخيص للموظف لمدة أقصاها سنة، وفق كيفيات وشروط متفق عليها، بمزاولة العمل عن بعد، “بناء على طلب مكتوب منه، يحدد فيه مبررات ودواعي الطلب لمزاولة العمل عن بعد، وفي هذه الحالة تقوم الإدارة بتقييم مدى توافق الطلب مع طبيعة المهام والواجبات والأنشطة الممارسة من طرف الموظف المعني ومع مصلحة الإدارة، وكذا مطابقة التجهيزات المتوفرة لديه للمواصفات التقنية المحددة من طرفها في حالات تنظيم العمل عن بعد”، ويمكن تجديد الترخيص لمدة لا تتجاوز سنة بناء على طلب مكتوب يوجهه الموظف إلى الإدارة 60 يوما قبل انقضاء مدة الترخيص السابق. وبحسب المصدر ذاته، يمكن إنهاء العمل، في أي وقت، بقرار لرئيس الإدارة، بمبادرة منه أو بطلب من الموظف، مع إشعار يحدد في شهرين، تخفض إلى شهر واحد خلال الفترة التجريبية، غير أنه يمكن، في حالة إنهاء ترخيص العمل عن بعد بمبادرة من الإدارة، تخفيض أجل الإشعار إذا اقتضت ضرورة المصلحة. وتنص المادة 11 من المرسوم، على أنه “تتحمل الإدارة التكاليف المتعلقة بشكل مباشر بمزاولة العمل عن بعد، لاسيما تكلفة الأجهزة والبرمجيات والاشتراكات والاتصالات وأدوات العمل ذات الصلة، كما تتحمل تكاليف الصيانة والدعم التقني، ما لم يثبت خطأ أو سوء استعمال من قبل الموظف العامل عن بعد”. وتشير المادة الموالية، على أنه “في حالة حدوث عطل في إحدى التجهيزات التي يستخدمها الموظف العامل عن بعد، أو في حالة وجود قوة قاهرة تمنعه من أداء عمله، وجب عليه إخبار الإدارة على الفور”. وبحسب مشروع المرسوم، ستُحدث تحت إشراف السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية، لجنة وطنية للتتبع وتقييم العمل عن بعد بإدارات الدولة تتكون من ممثلي السلطة الحكومية المكلفة بالمالية والأمانة للحكومة وممثلي الوكالة الوطنية للتنمية الرقمية، فضلا على إعداد البرامج التكوينية ذات الصلة، وإعداد تقرير سنوي يُرفع إلى رئاسة الحكومة.