بعد أن وضعت معركة الجدل أوزارها قبل أيام، حول ما وصف بقانون “تكميم الأفواه”، الذي علق أمره إلى أجل غير مسمى، تدق طبول الجدل مرة أخرى في عز الحرب ضد جائحة “كورونا المستجد” – كوفيد 19 -، وهذه المرة على خلفية شريط فيديو قصير تم تداوله على نطاق واسع عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، يظهر فيه الممثل “رفيق بوبكر” في حالة غير طبيعية وهو بصدد التفوه بعبارات نابية مخلة بالحياء، متضمنة لمفردات تلاقت حول مفردات الإساءة للدين الإسلامي والاستخفاف والاستهزاء بالمسجد والمحراب والإمام، عقبها ظهر ذات الممثل في مقطع ثان، عبر من خلاله عن اعتذاره للمغاربة عما صدر عنه من تصرف، معترفا بخطئه، مكتفيا بالقول أنه لم يكن في وعيه (ما كنتش فالوعي ديالي، كنت غي تانضحك) مؤكدا أنه مسلم في عقيدته أبا عن جد (أنا مسلم فالعقيدة ديالي أبا عن جد)، قبل أن يتم إخضاعه في وقت لاحق، لتدبير الحراسة النظرية من قبل الشرطة القضائية لضرورات البحث والتقديم أمام النيابة العامة، وقد تزامن تداول شريط الفيديو، مع “تدوينة” مثيرة للجدل، نسبت لأستاذة لمادة الفلسفة، تضمنت بدورها وجهة نظر “فاقدة للبوصلة”، وصفت بالإهانة والاستخفاف بالمشاعر الدينية للمغاربة والإساءة إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. ما صدر عن الممثل من تصرف، قوبل بموجة من الانتقاد والإدانة، إلى حد وصفه البعض بالشيطان والزنديق و”قليل ترابي”، وطالب البعض الآخر بتوقيفه ومعاقبته، ونفس موجة الإدانة والسخط، طالت الأستاذة التي وصفت بأوصاف متطرفة، من قبيل “الزنديقة” و”العاهرة”، والبعض وصل إلى حد اتهامها بالإلحاد والزندقة والخروج عن الملة، والبعض، هرول لتقديم شكاية إلكترونية في مواجهتها جراء ما صدر عنها من تصريح مثير للجدل، وإذا كنا نتفق أن الفعل الصادر عن الطرفين، قد خرج عن النص وانعدمت فيه شروط المسؤولية وعدم تقدير التداعيات، فإن ردات الأفعال تجاوزت الحدود المقبولة والمشروعة للإدانة والاحتجاج، وسقطت بإدراك أو بدونه، في شباك أفعال وتصرفات مخالفة للقانون ومعاقب عليها بمقتضاه (السب، الشتم، التشهير، التهديد، الاتهام بالإلحاد والعهر…إلخ)، والبعض نصب نفسه قاضيا فوق العادة، ولم يجد عيبا أو حرجا في توزيع صكوك الاتهام، والبعض الآخر، هرول نحو القانون الجنائي، ليستشهد بالمواد التي تجرم الأفعال الماسة بالمقدسات والثوابت الدينية، والبعض الثالث، قادته حماسته المفرطة، إلى استحضار آيات قرآنية “منتقاة” دون غيرها، لقصف وجلد الممثل “رفيق”، وهي ردات أفعال، تعكس ما بات يعتري العالم الافتراضي من مشاهد “العبث” و”التهور” و”الانفلات”، بشكل يوحي أو يعطي الانطباع، أننا أمام عالم “خارج سلطة القانون ” و”ضوابط الأخلاق”، فالكل بات يجيد لعبة “السب” و”التشهير” و”التخوين” ويتقن فنون “الترصد” و”القصف” و”الانتقاد” . بالنسبة للمثل، يتبين من خلال مقطع الفيديو، أنه لم يكن في “حالة طبيعية”، وكان تحت تأثير حالة السكر المفرط، أو تحت تأثير مخدر من المخدرات، وبعد أن استرجع وعيه وإدراكه، خرج في مقطع ثان، قدم من خلاله الاعتذار لما صدر عنه من تصرف، بمبرر أنه أخطأ ولم يكن في وعيه، كما تقدمت أسرته باعتذار بالنيابة عنه، وفي هذه الحالة، فالقضاء وحده دون غيره، من له صلاحية البحث في ظروف وملابسات الواقعة، وتقدير مدى مسؤولية الممثل فيما صدر عنه من عبارات، اعتبارا للحالة “غير الطبيعية” التي كان عليها، وهو الجهة الوحيدة التي لها صلاحية تكييف الأفعال المقترفة وإصدار ما يناسبها من جزاء، وليس لأي شخص مهما كان وضعه الاعتباري، أن يعرضه للسب أو القدف أو الإدانة أو التشهير أو التحقير أو الاتهام، لما لهذه التصرفات من تداعيات نفسية على المعني بالأمر وأسرته وأطفاله الصغار، وفي هذا الصدد، نرى أن المسؤولية، يتحملها من كان معه من الرفاق الذين استغلوا حالته “غير الطبيعية” وبادروا بضحكاتهم المتعالية، إلى جره إلى الإقدام على ما أقدم عليه من تصرف، بل وقاموا بالتصوير والنشر والتشهير، دون أن يقدروا حساسية و تداعيات هذا الفعل غير المسؤول على المجتمع وعلى نفسية الممثل وأسرته، أما بالنسبة للأستاذة، فنرى أن ما صدر عنها كان على وعي وإدراك واقتناع، وقد أساءت – حسب تصورنا – التقدير لاعتبارات ثلاثة، أولهما: أنها أقحمت نفسها في نقاش “افتراضي” حول موضوع “حساس”، ولم تقدر تداعيات ما عبرت عنه من رأي (تغريدة) وضعته في خانة “حرية الرأي والتعبير”، وثانيهما: لم تستحضر عملها الوظيفي كأستاذة/مربية، يجب أن تنأى بنفسها عن أي نقاش أو جدل “غير مسؤول” من شأنه مساءلتها كأستاذة، وهذا ما دفع بالبعض، للمطالبة بمساءلتها ومساءلة ما تدرسه لتلاميذها من مضامين، وثالثها: أنها تجاهلت أو تغافلت، أن الحرية لها ضوابط وحدود مؤطرة قانونا، وأي تجاوز لها هو تجاوز لسلطة القانون. نؤكد في هذا الصدد، أننا لسنا في موقع القاضي لنوزع صك الاتهام على هذا الطرف أو ذاك، أو لنقدر الظروف الذاتية والموضوعية لكل نازلة، ولسنا في موقع “المحامي” لتقديم الدفوعات والترافع والدفاع، لكن في ذات الآن، نؤكد أن الواقعتين وما رافقهما من سب وقدف وتشهير وشيطنة واتهام بالكفر والإلحاد والزندقة، هي رسائل عاكسة، لما بات يعتري المجتمع من مشاهد العبث والتهور وانعدام المسؤولية، وعاكسة أيضا لثقافة مجتمعية تسائل مفاهيم الدين والتدين والديمقراطية والعلمانية وحدود وضوابط الحقوق والحريات العامة والخاصة والنفاق الاجتماعي وازدواجية الخطاب والمواقف، ومدى حضور معادلة الحق والواجب ومدى القدرة على تقبل الرأي والرأي المضاد، ومدى القدرة على مناقشة الأفكار بدون تعصب أو تطرف أو إقصاء ومدى القدرة على التعايش في ظل الاختلاف. ، وبما أن المشترك بين الواقعتين، ارتبط بالإساءة للدين الإسلامي وللرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فمن حقنا الدفاع عن الإسلام وعن المقدسات الدينية، لكن بأفكار ومقاصد الإسلام، وبقيم وشمائل وأخلاقيات المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي تشهد سيرته العطرة، بقيم ونفحات المحبة والرحمة والرأفة والتسامح والإيثار والمسؤولية… إلخ، وبتملك روح وجوهر الإسلام في أفكارنا وممارساتنا وتصرفاتنا وعلاقاتنا الخاصة والعامة، لا بأساليب “التشهير” “والتخوين” و”الخوض في تفاصيل الحياة الخاصة” و”الاتهام بالزندقة والإلحاد والخروج عن الدين” و”الصدام” و”العناد” و”الأنانية المفرطة” و”الهجومات” و”الهجومات المضادة”، وغير ذلك من السلوكات والممارسات اليومية التي نقترفها يوميا في حق بعضنا البعض، تجعلنا أبعد ما يكون عن “إسلام” اختزلناه في “الصلاة” و”اللحية” و”الحجاب” و”الخمار” و”السكر”…، بينما هو “سلوك” و”أفعال” و”آداب” و”محبة” و”رحمة” و”تعايش” و”أخلاق حميدة” تتقلص مساحاتها بمستويات ودرجات مختلفة في بلاد الإسلام، ومن يدا فع عن الإسلام أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم بتعليقات “افتراضية” حاملة لمشاعر الضغينة وانعدام المسؤولية والإقصاء، فالإسلام، أكبر من أن تزحرحه “تغريدة” خارج النص، وأكبر من يؤثر فيه “تصريح” في لحظة عبث، خرج فيها العقل عن سلطة الوعي والإدراك، وسيظل على الدوام شامخا، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وقبل الختم، نؤكد أن ما نعيشه من ظرفية خاصة واستثنائية، يقتضي منا استخلاص الدروس والعبر، بالجنوح نحو ما يجمعنا من قيم دينية ومشتركة، ونقطع بشكل لا رجعة فيه، مع ما بات يسيطر علينا من ممارسات العبث والتهور وانعدام المسؤولية والعناد والصدام والأنانية المفرطة، وأن نؤسس بشكل جماعي لثقافة الحوار والتواصل وإبداء الرأي والقبول بالاختلاف واحترام ما يوحدنا من ثوابت ومقدسات دينية ووطنية، والإقلاع عن واقع ازدواجية الخطاب والمواقف والنفاق الاجتماعي والسياسي، بشكل يسمح بإطلاق العنان للأفكار والمبادرات الخلاقة التي من شأنها الإسهام في معركة النهوض والنماء، و نرى أنه من المخجل، أن نسخر كل الطاقات والقدرات، لممارسة السب والشتم والإدانة والتشهير في حق شخص لم يكن “في حالة طبيعية”، ولم يشفع له اعتذاره ولا اعتذار أسرته، لتلقي القصف “الأرضي” و”الجوي” من قبل “كائنات افتراضية” لا تجيد إلا لعبة “العبث” في عالم افتراضي، لا مناص من إخضاعه لسلطة القانون، في الوقت الذي يفترض فيه، أن نتناقش ونتجادل حول ما يواجهنا من مشكلات آنية ومستقبلية مرتبطة بجائحة كورونا وما بعدها، ونختم القول، بتوجيه رسالة خاصة إلى الممثل “رفيق بوبكر” – الذي تفاعلنا إيجابا مع قرار المحكمة الابتدائية الزجرية بعين السبع، التي ارتأت الإفراج عنه بكفالة مالية، ومتابعته في حالة سراح، من أجل الإساءة إلى الدين الإسلامي وخرق إجراءات الحجر الصحي -، وندعوه أن يكون “رفيقا” بنفسه أولا، وبأسرته الصغيرة ثانيا، وبكل المحبين والمتعاطفين معه ثالثا، وبكل من نوه وتفاعل مع دوره في فيلم “القسم رقم8 رابعا، وأن يحرص على مستقبله الفني الذي يعد مصدر قوته اليومي، بالإقلاع عن عاداته السيئة والابتعاد عن رفاق السوء، والحرص على تربية أبنائه ليكون لهم القدوة والنموذج، ونتمنى أن تكون الواقعة، فرصة لمراجعة الأوراق قبل فوات الأوان، لأن السقوط “المتكرر” يؤدي إلى النهاية والدمار، وليس كل مرة تسلم الجرة، ونثير انتباهه وانتباه جميع الفنانين، أن العمر أو الزمن الفني هو قصير جدا، ويتقلص هذا الزمن كلما تقدم الفنان في السن، والذكي، هو من يشتغل في صمت بعيدا عن الصخب والإثارة والجدل، ويكرس كل طاقته، لتطوير قدراته وأدائه، من أجل تأمين مستقبله ومستقبل أسرته، في مهنة لا تؤمن إلا بالعمل والاشتغال …وهي فرصة، لنشير إلى أن “حرية الرأي والتعبير” مكفولة بموجب التشريعات الوطنية والدولية، لكنها حرية منظمة ومؤطرة بالقانون، وإلا صارت قوة دافعة لممارسة “الفوضى” والانفلات” و”العبث” و”التفاهة” و”الانحطاط” …