قبل شهرين، قلت أن المعركة ضد فيروس كورونا ستكون طويلة ومضنية، لأن الوباء شرس وخصائصه غير مضبوطة مائة بالمائة، و لذلك أصلا يسمى فيروس كوفيد 19 بأنه “مستجد”، بما يعني أنه يجدد خصائصه كل حين. وقلت أننا لا يجب أن نتوقع خروجا سهلا و سريعا من دوامة أزمة حقيقية متعددة التجليات و الآثار بين ما هو اقتصادي و اجتماعي ونفسي. واعتبرت حينها أن روح التعبئة الوطنية، و الانضباط للقانون، والتعاون على الخير و التضامن مع الفقراء و الفئات الهشة، واعتماد أعلى درجات اليقظة المواطنة، و عدم الاستهانة أو التهاون في فرض الحكامة الجدية خلال التنزيل الميداني لكل الخطوات التي تتخذها السلطات العمومية المختصة ببلادنا، هي وحدها القيم القادرة على أن تجعل الأمة المغربية تصمد و تنتصر. و نحن نقترب من تاريخ نهاية المرحلة الثانية من حالة الطوارئ الصحية، لا زالت الإحصائيات اليومية التي توثق لحالات العدوى الجديدة بفيروس كورونا لم تتراجع، على عكس التحسن الذي كان واضحا في أيام سابقة. وبحسب ما يتداوله الناس على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، يبدو أن سبب ذلك راجع، بشكل من الأشكال، إلى ما نعيشه من حالة الإسترخاء في احترام الحجر الصحي ومقتضيات حالة الطوارئ الصحية. والأخطر هو أن هنالك تصاعد ملحوظ لمد تهويني، يروج له عدد من المواطنين الذين يحلو لهم الاستهتار والتصرف بشكل فيه كثير من السلوكيات العبثية، وفيه تحدي للقانون، ومجازفة غير مقبولة بأرواح الأبرياء من الناس الذين ينتظرون أن نحقق، قبل 20 ماي، كامل نتائج محاصرة العدوى حتى يسهل علينا الانتقال إلى مرحلة أخرى، خصوصا بعد الصبر على التضحيات التي يسببها الحجر الصحي. ولا شك أن ذلك الإحساس ترسخ خلال هذا الأسبوع، من خلال ما تداوله مواطنونا من فيديوهات تظهر تصرفات مشينة، سواء ما ظهر من بعض المرضى بكورونا في مستشفيات وهم يعبثون بتجهيزات عمومية طبية، أو شباب يلعبون دوري كرة القدم الرمضاني في باحة حي غير مهيكل بإحدى المدن، أو الازدحام غير المبرر بالأسواق، أو عبثية وتخلف ما أسماه أصحابه تحدي “الدوش في الزنقة” الذي أعاد إلى الذاكرة مصيبة استحمام شباب في الأتوبيس قبل أشهر بإحدى المدن، وغير ذلك من السلوكات المؤسفة الأخرى التي تورطت فيها أطراف ظهرت و هي تؤدي مهمتها بانفعال ليس ضروريا، و لا يمكن أن نقبل به أو أن نعتبره ضمن ما التزمت به الغالبية العظمى من قيم صادقة، و شعارات تعبئة وطنية حقيقية، و إنجازات ملموسة لاسترداد الثقة في هذه المرحلة. و رغم ذلك، أحتفظ بيقيني أننا قادرون على تحقيق الأهداف المرجوة من هذه المعركة. علينا فقط أن لا ننفعل مع ما لا يسرنا، و أن لا نجزع من تطور الحالة الوبائية بشكل مفاجئ، و أن لا نخش شيئا أكثر من اللازم، و أن ننشر التفاؤل و الأمل، و أن يحترم كل منا القانون و إجراءات الوقاية و التزام الحجر الصحي. علينا أن نستحضر أن المعارك الكبرى صولات و جولات، كر و فر، إقبال وإدبار، وكل يوم تستجد أمور في الساحة يجب التعاطي معها بهدوء. أؤكد على هذه الكلمة، بل أقول بهدوء كبير، لأنه لا فائدة في الارتباك، ولا معنى أن نرتبك أمام مشاكل تسببها الجائحة الوبائية، كيف ما كانت تلك المشاكل وكيف ما كان حجمها. ففي نهاية المطاف، مسؤوليتنا هي أن نأخذ بكل الأسباب وأن نجتهد تمام الاجتهاد، بكل صدق وجدية ومسؤولية وشفافية و روح وطنية، والكمال على الله والتوفيق من عنده. لذلك، أرى أن التركيز ضروري جدا في هذه الأيام، و في ما سيأتي منها، لأن التفكير و التخطيط بصفاء الذهن يكون غالبا أفضل، حتى نستطيع اتخاذ قراراتنا بشكل صائب و ننتبه إلى ما يستحق منا ذلك في مستجدات الواقع. و لعل أهم شيء في هذه الفترة هو أن نعي جيدا أنه لا يمكننا تحقيق الانتصار إلا إذا أردناه فعلا و سعينا إليه. أم أننا لا نريد الانتصار؟؟ أو أن هنالك من لا يريدون الانتصار في هذه المعركة ؟؟؟ أكيد لا … لا و ألف لا !!! لذلك يجب أن نثق في قدرتنا على أن ننتصر رغم الصعوبات، وأن نتحرك ميدانيا و نحن متأكدون بأنه فوز ممكن و في متناول اليد، باتباع أسباب لتحقيقه، من بينها ما يلي : – أن نحافظ على تركيزنا الجماعي. – أن نتحرك بموضوعية و بمهنية و باحترافية. – أن نطور تواصلنا بشكل يحافظ على التعبئة الشعبية ويبقي الإيقاع والحماس مرتفعا. – أن نشرح للناس الصعوبات و التحديات بشكل جيد و بصدق و نثق في ذكاء الناس و تجاوبهم الإيجابي. – أن نتواصل بشأن أي خطأ قد يحصل هنا أو هناك، و نبين للناس كيف يتم تصحيحه، حتى نمنع طغيان الأخبار التي تحطم المعنويات و تزعزع القناعات. – أن نستوعب أن “النقط السوداء” شيء ممكن أن يحدث أو يتواجد في واقعنا، و لكن علينا أن نتعاطى مع تلك “النقط السوداء” بصرامة و بروح المسؤولية، و نعالجها كي تتوقف الاختلالات بسرعة. في وقت الشدة و الأزمات، نحتاج إلى عزائم قوية و همة عالية، و إرادات واثقة من قدرتنا على التدبير الجيد لمختلف أطوار المعركة حتى ننتصر. وأظن أننا نستطيع فعل ذلك. لا ننسى أننا في ديناميكية تدبير أزمة، بكل ضغوطاتها وإكراهاتها، وأن لنا، كمجتمع و كأداء عمومي، نقط ضعفنا ونقائصنا التي كانت معروفة لدينا قبل ظهور الأزمة، ولنا أيضا نقط قوتنا و إيجابياتنا. فهل منا من يعتقد أن نقط ضعفنا اختفت من الوجود و انتفى أثرها لما ظهر فيروس كورونا؟ طبعا لا…! لذلك من الأشياء العادية التي يجب أن لا تبلبلنا هي أن يقع خطأ هنا أو هناك. ذلك من طبيعة الأمور في ديناميكية مجتمعية متحركة. علينا فقط أن لا نهول، و لا أن نهون أو نستكين إلى الخطأ عندما يقع. الناس لا تعاتب على حدوث الأخطاء و التقصير، إنما العتب يكون عندما لا ننتبه إلى حدوث الخطأ أو الخلل التدبيري أو السلوكي حيثما ظهر، و نتساهل مع من يرتكبه و يقع فيه، و لا نبادر بسرعة وبصرامة إلى التصحيح ومسائلة المسؤولين عنه. رأيي أن هذه هي الشروط الأساسية التي علينا العودة للتركيز عليها من أجل ضمان استمرار السير في اتجاه انتصار الأمة المغربية على الوباء الفيروسي، بقيادة قائد البلاد الذي سيشهد التاريخ أنه أعطى القدوة، واستبق الخطر الداهم، و وضع استراتيجية تدبير الأزمة، و أمر باتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لتوفير أسباب تحقيق النصر. فهل سنكون جميعا، كمواطنين و كمصالح حكومية، في مستوى اللحظة، بجرأة ومسؤولية، و تجرد من أي اعتبار آخر سوى ما فيه مصالح الوطن و المواطنين؟ أم أننا سنترك انتصارا ممكنا، يضيع من بين أيدينا؟