إن أول سؤال يثيره الخائض في النقاش السياسي الجاد هو: من له حق التشريع؟، فمبدئيا، السيادة للأمة، تمارسها عبر طريقتين: مباشرة عبر الاستفتاء؛ وإما غير مباشرة بواسطة ممثليها. فهناك سلطة تشريعية منتخبة (البرلمان)، وأخرى تنفيذية ينبثق رئيسها عن مجلس النواب (الحكومة)، لكن وفي إطار التعاون والتوازن، فإن الفصل 78 يعطي الحق لكل من رئيس الحكومة والبرلمان حق التقدم باقتراح القوانين، على أن الأول يحيل (مشاريع قوانين)، والثاني (مقترحات قوانين)، لمكتب مجلس النواب بالأسبقية، بحسب طبيعة النص. ويعد الفارق، أن مشاريع القوانين التي تقدمها الحكومة، تمر وجوبا من المجلس الحكومي، حسب ما أقره الفصل 92 من الدستور، على أن رئيس الحكومة ملزم بإطلاع الملك على خلاصات مداولات المجلس المذكور. وبما أن لكل وزير قطاع هو مولاه، فإن الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، حيث يقومون بأداء المهام المسندة إليهم من قبل رئيس الحكومة، ويطلعون مجلس الحكومة على ذلك حسب الفصل 93 من الدستور. وعلى ذلك، فإن مشروع القانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الإجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، بما أنه مبادرة حكومية، فإن وزير العدل السيد محمد بنعبد القادر (القيادي بحزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، هو صاحب المشروع، حسب منطوق بلاغ المجلس الحكومي. هذا المشروع، بما أن بعض مقتضياته الأولية، قد سربت، فإن من شأن ما تم تداوله في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، أن يثير عدة ملاحظات، على الرغم من أهمية تقنين هذا المجال، لعل أبرزها إضافة هذه الممارسة إلى سابقاتها المؤكدة لتخلخل، أو لربما، انعدام الانسجام بين مكونات الحكومة. نضيف، فبما أن هناك نص قانوني يلزم بالنشر الإستباقي لمشاريع القوانين، فلماذا لم ينشر هذا المشروع؟، بما أن البلاغ فيه عبارة (تدارس وصادق المجلس الحكومي) في 19 مارس. سيقال أنها نسخة أولية، ونتعدى، لكن هناك مصادر أقرت بأن المشروع لم يوزع على الوزراء إلا يوم الإجتماع، وللأمر رمزيته. وبما أن المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة علق قائلا: أن التسريب غير بريء، فإن هذا أتاح فرصة للنقد الجاد والبناء لعدم فتح أي نقاش والتكتم عليه لهذه الدرجة. ثم ماذا يمكن أن نعني بعبارة (النظام العام الإقتصادي) على وجه الدقة؟، بما أن بلاغ مجلس الحكومة يقر بما يلي: (الإحاطة بمختلف صور الجرائم المرتكبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، لا سيما تلك التي تمس بالأمن العام والنظام العام الإقتصادي…) كمستجد ومقتضى جديد جاء به المشروع، وهذا من شأنه تعزيز صحة ما تم (تسريبه). كذلك، فبما أن رئيس الحكومة الحالية لم يتوقف، عبر خطاباته، عن اعتبار حكومته استمرارية للحكومة السابقة، من حيث التوجه؛ فإن البرنامج الحكومي يعتبر المقاربة التشاركية إحدى الركائز الثلاث، وهو لربما، الحلقة المفقودة بهذا القانون الذي يحفه التكتم. ثم تبقى الإشارة، إذا افترضنا أن هناك تسريب، للمادة 16 من القانون التنظيمي المتعلق بأشغال الحكومة واجبة، بما أنها تلزم الوزراء بواجب التحفظ إزاء مداولات المجلس الحكومي. وعلى سبيل الإحاطة، نرى وجوب إثارة ملاحظة هامة، بما أن صاحب المشروع هو الإتحادي محمد بنعبد القادر، بصفته وزيرا للعدل، حيث نشير إلى الحدث: (في 13 مارس حدث لقاء قيادات الاحرار والاتحاد الاشتراكي والبلاغ عقب اللقاء الذي جاء فيه: “فإن الحزبين يعبران عن دعمهما التام لوزير العدل في سعيه إلى تسريع وتيرة إصلاح منظومة العدالة”) وهذا يحمل في طياته افتراض مسمى، وما سبق لا يعني التخلي عن ما ضمنه الدستور من إقرار للمسؤولية التضامنية للحكومة. ومن جهة أخرى، فإن تسريب الوثيقة يحتمل قراءات، إذا ما تجاوزنا خطورة المضمون: من حيث اعتباره جس للنبض، وكذا توجيه الأنظار نحو حرية التعبير، لربما، بعدما اختلق نقاش الحريات الفردية، لتغطية النقاش الحقيقي حول (قانون يقضي بتجريم الإثراء غير المشروع) الذي يبدو أنه لا زال محط نقاش كسرت وتيرته الأحداث. أضف إليه، أن مجرد إثارة تلك القيود، إنما هو تهديد لحق دستوري، وإلزام للمستهلك بقبول تغول (الماركة) بل إخضاعه لها، وإيذان ببروز جناح داخل الحكومة، بالطبع لديه فريق، يغلب كفة الإقتصاد على حساب كفة الحقوق والحريات والديمقراطية، بما أنه جمع السلطة بالمال، ذلك ما يظهر من خلال مؤشرات تحتمل هامش الخطأ: 1- من خلال تصريح وزير العدل محمد بنعبد القادر لميديا24 قائلا: (مجلس الحكومة صادق على المشروع في ال19 من مارس، لكنه لم يحل إلى حد الآن على البرلمان، هذه المسطرة معمول بها فيما يخص المشاريع التي لا تحظى بإجماع داخل الحكومة ويتم تبنيها بتحفظ. لا توجد نسخة نهائية للمشروع، وعندما يتم ذلك ستحال على البرلمان من قبل رئيس الحكومة)؛ 2- ويبدو ذلك منسجما مع نقاش سياسي حامي الوطيس، حلله الصحفي بجريدة أخبار اليوم الأستاذ إسماعيل حمودي في افتتاحية يوم 17 أبريل تحت عنوان (حتى لا تكون الديمقراطية ضحية لكورونا)؛ 3- الإجتماع المشار إليه أعلاه بين حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بما أن صاحب المشروع المسرب قيادي به، والتجمع الوطني للأحرار، باعتبار أبرز أعضائه والمقربين منه مستفيدين من المقتضيات المسربة، بعد تضررهم من حملة المقاطعة. لكن حقا كحرية التعبير ينبغي وجوبا أن يحميه البرلمان، حسب ما ضمنه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقرير له يحمل رقم الإحالة 2019/24، بمناسبة نظره في المقاربة النيابية للنموذج التنموي الجديد للمملكة المغربية، وأحسب أن الكرة في قادم الأيام ستكون بملعبه. بل إنه لمن الغريب القفز، فضلا على الدستور، على ما جاء في خطة العمل بالديمقراطية (2018-2021) من أهداف خاصة، كتكريس الحماية القانونية للحق في التعبير والرأي وضمان الحق في المعلومة، ثم النهوض بثقافة حرية التعبير والإعلام. على إثر كل ذلك يمكن أن نتساءل: لماذا يراد تمرير قانون من هذه الطينة والحجم، في مرحلة استثنائية، يحضر فيها كل فريق بثلاثة أعضاء بمجلس النواب؟، ما أفرز نقاشا دستوريا حول الأمر، ومدى دستورية هذا التفويض، علما أن الدستور يتحدث عن الطبيعة الشخصية للتصويت البرلماني، الذي لا يحتمل إمكانية التفويض، لكن الوضعية الوبائية لا تجيز إمكانية المغامرة. يبقى أن نفترض ما هو مرعب، فلنفترض أن البرلمان عجز عن القيام بدوره، بعد بقاء الأمور على الحال الذي عرفناه، أي: تلك النسخة الأولية المسربة؛ فإن هناك مداخل دستورية لإسقاطه، غير العريضة التي يطرحها الأستاذ عمر الشرقاوي بموقع التواصل فيسبوك، التي لا تتعدى قوتها الفضاء الأزرق: 1- فبما أن جلالة الملك الساهر على ضمان احترام الدستور، فله الحق أن يطالب بضرورة القراءة الجديدة للقانون، وهذا قد يعتبر رقابة على مدى الدستورية؛ 2- وبما أنه قانونا عاديا، فإن هناك مدخل لإحالته على المحكمة الدستورية للبت في مدى مطابقته للدستور، إحالة اختيارية، موكولة إلى جهات سياسية محددة على سبيل الحصر في: الملك أو رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خُمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، وبشرط أن تكون هذه الإحالة قبل إصدار الأمر بتنفيذ القانون، وفي ذلك نذكر كمثال: إحالة رئيس الحكومة للقانون المتعلق بالتنظيم القضائي على المحكمة الدستورية؛ 3- ثم إن ما طرحه الأستاذ عمر من شأنه أن يكون وصاية على البرلمانيين، وحجرا عليهم، بما أنه لم يتم التداول بعد في مشروع القانون، بل إن من أركان النظرية النيابية الاستقلال الجزئي لممثلي الأمة عن الشعب، وإلا فالواجب الحق مستقبلا نقد النظرية، لأنها فعلا أضحت تطرح مشكلة التباعد بين المواطن والنواب؛ 4- ثم إننا نظن أنه لابد أن يكون للسيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان رأيا في الموضوع. وهنا نتذكر تصريح الأستاذ رشيد المدور، بشأن موضوع مشابه: (طالما أن الأمر بتنفيذ القانون – الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي قد صدر ونشر في الجريدة الرسمية، مما يدل على أن أيا من الجهات المخولة لها إحالته على المحكمة الدستورية لم تختر إخضاعه للرقابة الدستورية، وهذا اختيار سياسي.) فلكم نتمنى، أولا، أن يقوم البرلمان بدوره، فيجنبنا أي احتمال، وعلى ذلك فإنه في ظل هذا الغموض، فلا يسعنا إلا القول بأن الكرة ستكون في ملعبه، فهل سيكذب تنبؤ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونونيو غوتيريش، الذي عبر عن تخوفه من التذرع بفيروس كورونا لإضفاء الشرعية على وسائل قمعية، وإلا فإن حرية التعبير ستكون من ضحايا الكورونا.