تفجرت أزمة داخل التحالف الحكومي، بعد تسريب نسخة من مشروع القانون المتعلق بتنظيم شبكات التواصل الاجتماعي والبث المفتوح، ثم بعدها تسريب مذكرة لوزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، مصطفى الرميد، الموجهة لرئيس الحكومة، بعد تدارس هذا القانون والمصادقة عليه في اجتماع المجلس الحكومي المنعقد يوم 19 مارس الماضي. وأوضح وزير العدل، محمد بنعبد القادر، حسب ما اورده موقع تيلي ماروك، أن مجلس الحكومة صادق على المشروع يوم 19 مارس، لكنه لم يحل إلى حد الآن على البرلمان، على أساس أن تنعقد لجنة تقنية لتدقيق بعض مضامينه قبل إحالته على لجنة وزارية تضم القطاعات المعنية، وهذه المسطرة معمول بها فيما يخص المشاريع التي لا تحظى بإجماع داخل الحكومة ويتم تبنيها بتحفظ، مؤكدا عدم وجود نسخة نهائية للمشروع تمكن مناقشتها، وعندما يتم ذلك، فإن الصيغة النهائية لمشروع الحكومة هي التي سيحيلها رئيس الحكومة على البرلمان. وكشف مصدر من وزارة العدل، حسب ذات الموقع، وجود خلفيات سياسية وراء تسريب نسخة غير نهائية، مبتورة وخارج السياق، مشيرا إلى استحالة فهم نص قانوني خارج كليته، خصوصا أن المادة الأولى من المشروع الذي تدارسه مجلس الحكومة، تؤكد على أن حرية التواصل الرقمي عبر الشبكات الاجتماعية مضمونة، وأوضح أنه منذ صدور قانون مكافحة الإرهاب بالمغرب سنة 2003 هناك تطورات حصلت في المنظومة القانونية العالمية لمكافحة الإرهاب، منها ما يتعلق بمكافحة غسل الأموال، ومنها ما يخص الجريمة الإلكترونية في شبكات التواصل الاجتماعي. وأشار وزير العدل، في مذكرته التقديمية لهذا المشروع أمام المجلس الحكومي، إلى أن السياق أصبح يفرض الملاءمة لتحصين بلدنا من استغلال شبكات التواصل الاجتماعي للتحريض على الإرهاب، والمشروع يتضمن مقتضيات زجرية لمن يحرض عبر هذه الوسائط على صناعة السموم والمواد المتفجرة، وكذلك على ارتكاب أفعال إجرامية، والتحريض على الكراهية والتمييز بين الأشخاص. واستغرب ذات المصدر لتزامن تسريب نسخة غير نهائية من المشروع مع تسريب مذكرة لوزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد، وجهها لرئيس الحكومة، تتضمن العديد من الملاحظات على مواد القانون، وهي تقريبا نفس المواد التي تم تسريبها بشكل مبتور، طالب من خلالها بتقليص العقوبات المنصوص عليها في المشروع، بخصوص الجرائم المتعلقة بالنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها تجريم نشر الأخبار الزائفة، كما طالب بتقليص العقوبة المتضمنة في المشروع بالنسبة لتجريم إعاقة ممارسة الأنشطة الاقتصادي. الرميد خرج مساء أمس الثلاثاء على صفحته الفايسبوكية، ليعترف بصحة الوثيقة المسربة حول مشروع القانون، وهو ما يعني أنه كان مشاركاً في جميع تفاصيل القضية إلى أن تفجرت و انتقل النقاش إلى مواقع التواصل الإجتماعي. الرميد قال إن "البلاغ الصادر عن المجلس الحكومي، عقب الاجتماع الذي تمت فيه مناقشة مشروع القانون 20.22، يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، بتاريخ 19 مارس 2020، تضن ما يفيد أن المجلس صادق على المشروع، على أن تتم مراجعته على ضوء ملاحظات السادة الوزراء من قبل لجنة تقنية وبعدها لجنة وزارية". وأضاف أن "هذا يعني أن الصيغة النهائية للمشروع هي التي ستتم إحالتها على البرلمان، وهي التي يمكن مناقشتها وقبولها أو رفضها، أما ما يتم تداوله حاليا من مضامين، فقد سبق الاعتراض عليه من قبل بعض أعضاء الحكومة، لذلك فانها تبقى غير نهائية ، ويبقى أي نقاش حول مواد بعينها سابق لأوانه". وحسب المذكرة التقديمية للقانون، فقد أدى التطور المتصاعد لتقنيات الاتصال الحديثة إلى انتشارها على نطاق واسع في مختلف المجالات، ما أحدث ثورة رقمية انعكست بشكل ملموس على مختلف مظاهر الحياة المعاصرة، وباتت تطرح العديد من التحديات والرهانات التي تتمثل أساسا في استغلال الوسائل التكنولوجية الحديثة للاتصال والتواصل لتسهيل ارتكاب بعض الأفعال الإجرامية، كنشر الأخبار الزائفة والسب والقذف، وانتهاك الخصوصية وتمرير خطاب الكراهية والتحريض على الإرهاب، والمساس بالسير العادي لمؤسسات الدولة وغيرها من الجرائم الخطيرة ذات الانعكاسات الوخيمة على الأمن والنظام العام. وأوضحت المذكرة أن التحول الرقمي اليوم بالمغرب لم يعد خيارا بل أضحى واقعا معاشا يتعين التأقلم معه ومسايرة ما يطرحه من إشكالات لامتناهية، ولذا بات من الضروري اتخاذ كافة التدابير اللازمة لتطوير تكنولوجيا الاتصال والتواصل وتعميمها على كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية، مع الاهتمام بترشيد استعمالها واستغلالها الاستغلال الأمثل وتعزيز الثقة فيها وتحقيق الأمن لبياناتها، خاصة أمام تزايد مخاطر استعمالها. وأكدت مذكرة القانون أن شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح وباقي الشبكات المماثلة، أصبحت تطرح العديد من التحديات والتهديدات المرتبطة أساسا بالمخاطر الناجمة عن الجريمة المعلوماتية وباقي مظاهر المساس بالأمن الرقمي للمواطنين والمؤسسات، خصوصا في ظل ارتفاع عدد المستفيدين من خدمات الأنترنت، واتساع نطاق المعاملات عن بعد وتطور وسائل وأساليب ارتكاب الجرائم المعلوماتية. وأشارت المذكرة إلى أن المملكة المغربية، وعيا منها بحتمية وأهمية التحول الرقمي وبالمخاطر الناجمة عنه، فقد بادرت منذ مدة ليست باليسيرة إلى اعتماد مجموعة من التدابير القانونية والمؤسساتية التي تروم مكافحة الأنماط المستجدة من الجريمة المعلوماتية دون المساس بحرية التواصل الرقمي عبر الفضاءات الإعلامية الجديدة باعتبارها صورة من صور ممارسة حرية التعبير المكفولة دستوريا. سد فراغ قانوني بادر المشرع المغربي منذ سنة 2003 إلى محاولة سد الفراغ التشريعي المتعلق بالجرائم الإلكترونية من خلال تعزيز مجموعة القانون الجنائي بإطار قانوني يجرم ويعاقب على كافة السلوكات الماسة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، وتم تعزيزه في الآونة الأخيرة بمقتضيات زجرية في إطار قانون القضاء العسكري الجديد همت تفاصيل قانون تنظيم شبكات التواصل الاجتماعي الذي أثار أزمة همت بالأساس الجرائم المعلوماتية المرتكبة ضد النظم المعلوماتية والمواقع الإلكترونية التابعة لوزارة الدفاع الوطني، كما أن القانون رقم 13.88 المتعلق بالصحافة والنشر جرم مجموعة من السلوكيات الإجرامية المرتكبة بواسطة وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الإلكترونية وأية وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة إلكترونية كنشر الأخبار الزائفة والتحريض على ارتكاب بعض الجنايات والجنح وغيرهما، ووضع ضوابط تؤطر مجال عمل الصحافة الإلكترونية للحد من استغلالها في نشر وترويج بعض المحتويات الإلكترونية غير المشروعة. وعلاوة على ذلك، تم تعديل مجموعة القانون الجنائي بموجب القانون رقم 13.103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، لاسيما مقتضيات المادة الخامسة منه التي تممت مقتضيات الفصلين 1.447 و2.447 اللذين يعاقبان على التقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع الأقوال أو المعلومات الخاصة دون موافقة أصحابها وعلى تثبيت أو تسجيل أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص دون موافقته، بالإضافة إلى تجريم الفعل المتمثل في القيام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة بغرض المساس بالحياة الخاصة للأشخاص أوالتشهير بهم، وكل ذلك بغض النظر عن الوسيلة المستعملة في ارتكاب الأفعال الإجرامية المذكورة. وكشفت المذكرة أنه رغم كل ذلك، فإن الترسانة القانونية الحالية تظل غير كافية لردع كافة السلوكات المرتكبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي والشبكات المماثلة، وذلك لوجود فراغ قانوني في ظل وجود بعض الجرائم الخطيرة المرتكبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وخلو مجموعة القانون الجنائي وقانون الصحافة والنشر وباقي القوانين الجنائية الخاصة من عقوبات رادعة كالجرائم المتعلقة بنشر أو ترويج محتوى إلكتروني يتضمن كيفية تصنيع مواد متفجرة أو الجرائم المرتبطة بالمساس بالنظام العام الاقتصادي أو بالسير العادي لمؤسسات الدولة وكذا تمرير خطاب الكراهية وغيرها، فضلا عن خلو القوانين الحالية من أي مقتضيات تؤطر لعمل مزودي خدمات شبكات التواصل وتقر مسؤوليتهم وتلزمهم بحذف أو حظر أو توقيف أو تعطيل الوصول للمحتويات الإلكترونية غير المشروعة. وأضافت المذكرة أن مشروع هذا القانون يأتي تتميما لجهود المملكة المغربية الرامية إلى ملاءمة قوانينه الوطنية مع باقي القوانين المقارنة والآليات الدولية المتوفرة في مجال محاربة الجريمة الإلكترونية، خصوصا بعد مصادقة بلادنا على اتفاقية بودابست المتعلقة بالجريمة المعلوماتية بتاريخ 29 يونيو 2018 ، وتعتبر مصادقة المغرب على هذه الاتفاقية خطوة كبرى نحو تطوير ترسانته القانونية وملاءمة قوانينه الداخلية مع أحدث التشريعات الدولية في مجال الجريمة الإلكترونية، مستفيدا بذلك من آلية متطورة لمكافحة الجرائم المرتكبة بواسطة وسائل التكنولوجيا الحديثة، كما يعبر مشروع هذا القانون أيضا عن الانخراط اللامشروط للمملكة في المجهودات الدولية الرامية إلى مكافحة الجريمة الإلكترونية وعن الإرادة الراسخة لتقوية آليات التعاون الدولي في هذا المجال. وتتمثل أهم مضامين مشروع القانون، في التنصيص على ضمان حرية التواصل الرقمي عبر شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح وباقي الشبكات المماثلة شريطة عدم المساس بالنظام العام في صوره المتعددة، والتنصيص على الالتزامات الواقعة على عاتق مزودي خدمات شبكات التواصل الاجتماعي، ووضع مسطرة فعالة وشفافة للتصدي للمحتويات الإلكترونية غير المشروعة، وإقرار جزاءات إدارية في مواجهة مزودي خدمات شبكات التواصل المخلين بالالتزامات الواقعة على عاتقهم أخذا بعين الاعتبار إمكانية إحداث هؤلاء المزودين مستقبلا لفروع تابعة لهم داخل تراب المملكة المغربية، وكذلك الإحاطة بمختلف صور الجرائم المرتكبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لاسيما تلك التي تمس بالنظام العام وبالشرف والاعتبار الشخصي للأفراد وكذلك بعض الأنواع من الجرائم التي تستهدف القاصرين وغيرها.