من المفارقات العجيبة للتحول الذي طرأ على نمط حياة أفراد الجالية المغربية المقيمة في المانيا بصفة خاصة و باقي أفراد جاليتنا في مختلف بقاع العالم بصفة عامة بسبب جائحة كورونا، هو أن آثار هذه الجائحة له وقع معنوي أكثر منه ماديي. وهذا الشعور يحتد بجدية مع حلول شهر رمضان المبارك. ومرد ذلك هو أن طقوس هذا الشهر الفضيل كانت تمر في أجواء روحانية بهيجة يسود فيها التلاقي والتراحم بين مختلف شرائح افراد الجالية، مما كان ينسيها ا الاحساس بالغربة ويخفف عنها وطأة الحنين والاشتياق الى أرض الوطن. فقبل حلول الجائحة كان شهر رمضان حافلا بالعديد من الأنشطة ذات البعد الاجتماعي والثقافي والتي كانت تمر في اجواء مفعمة بروح التأخي والتآزر والعبادات. فعلاوة عن مناسك التعبد كانت تنظم ندوات ولقاءات متعددة المرامي والمقاصد والتي كانت تنصب كلها في اذكاء الروح الوطنية وتوطيد قيم التآزر والتضامن التي يتحلى بها المغاربة داخل وخارج الوطن. وأهم خصلة يتميز بها مغاربة ألمانيا ، على غرار باقي اخوانهم في المهجر، هي روح التكافل، سندهم في ذلك ما يتمتعون به من سخاء وكرم الضيافة التي هي احدى سمات كل أفراد الشعب المغربي. فبفضل هذا الجود دأب أفراد جاليتنا منذ القدم والى الآن على نهج سلوك محمود يتجلى في مؤازرة بعضهم البعض و التضامن والتعاون فيما بينهم بعيدا عن منطق الحسابات والمحاسبات. فهم يتصرفون فيما بينهم كأفراد أسرة واحدة، الى درجة أن كل واحد منهم يساهم بالقدر المستطاع دون قيد أو شرط.، وهذا هو سر الكم الهائل من الأنشطة التي يقومون بها سواء داخل بلد الاقامة أو خارجه. واذا كانت الظروف الاستثنائية الناتجة عن جائحة كورونا قد حالت دون احياء أفراد جاليتنا في المانيا للأجواء الرمضانية المعتادة خلال هذه السنة، فانهم قاموا عوض ذلك بأعمال جليلة تتمثل في مدهم يد المساعدة لإخوانهم المغاربة العالقين في الخارج والاعتناء بهم في هذه الفترة الحرجة أسوة بما قامت به سفارة المملكة المغربية في برلين والقنصليتان العامتان في كل من دوسلدورف وفرانكفورت. وبهذه المناسبة، لا يسع لمغاربة المانيا الا أن يشيدوا ويثنوا على المبادرات القيمة التي قامت بها الدبلوماسية المغربية بألمانيا حيث بذلت هذه البعثات مجهودات جبارة تتجلى في تسخير كل امكانياتها المادية والمعنوية لتوفير كل ما يحتاجه المغاربة العالقين بالديار الألمانية، وذلك منذ بداية أزمة فيروس كورونا. و تجدر الإشارة في نفس السياق الى ان القنصلية العامة للمملكة المغربية بدوسلدورف سخرت كل الطاقات المتاحة وهيأت كل الإمكانيات المتوفرة المادية والمعنوية لخدمة اخواننا العالقين، وذلك بتنسيق متقن مع كل من المجلس الفيدرالي المغربي والمجلس المركزي والرابطة و المساجد و الجمعيات المغربية التي انخرطت في هذه الملحمة الرئدة. علاوة على ما سبق، قامت هيئات المجتمع المدني الآنفة الذكر، مسنودة بالبعثات الدبلوماسية المعتمدة بألمانيا بمد يد المساعدة المادية والمعنوية لمجموعة من الطلبة الذين يتواجدون في وضعية حرجة. كما يقومون في نفس المضمار بتنظيم عملية الإفطار خلال هذا الشهر المبارك لهؤلاء الطلبة مع مراعات القوانين السارية المفعول لحمايتهم من الإصابة بهذا الوباء (وفق قانون معهد روبرت كوخ الألماني) هذا فضلا عن توفير الدعم المادي والمواد الغذائية والسكن ومواكبتهم عن قرب لتخفيف من محنتهم في هذه الظروف الصعبة. بالإضافة الى الاهتمامات الآنفة الذكر، تهتم الهيئات المذكورة بموضوع أئمة و فقهاء المساجد الذي لا يقل أهمية في هذه المرحلة الصعبة عن سابقيه. لأن وضعية هؤلاء جد حرجة وهم بالتالي هم في أمس الحاجة لمن يقف بجانبهم ويأخذ بيدهم. وعلة ذلك هو هزالة اجرتهم الشهرية التي لا تفي المصاريف الضروريات والحالة هذه، يوجد الأئمة بعد اغلاق المساجد في وضعية مادية صعبة حيث ارتفاع واجبات فتورات الماء والكهرباء والتأمين و السكن و مصاريف القوت اليومي. واعتبارا لما ذكر يتجند أفراد الجالية المغربية المقيمة بألمانيا لحل هذه المعضلة بتقديم الدعم لهؤلاء وفقا لما يمليه عليهم ضميرهم وواجبهم الإنساني. وفي خضم تفشي الجائحة وما صاحبها من إجراءات ذات عواقب وخيمة على الجالية المغربية كإغلاق الحدود الجوية والبحرية والبرية، برز مشكل لم يكن في الحسبان، ألا وهو دفن جثامين أفرد جاليتنا الذين وافتهم المنية في الديار الألمانية. و ما يحز في نفس أفراد الجالية هو وفاة عدد لا يستهان به من المغاربة في المهجر والذين لم تتحقق امنياتهم للدفن في وطنهم. وقد ناشد عدد كبير من الجمعيات والعائلات المغربية السلطات دون جدوى للعمل على نقل جثامين الموتى لتوارى الثرى في تراب أرض الوطن وفق التدابير الوقائية المسموح بها. هذا الشعور بالإحباط الذي انتاب عدة أسر وما ترتب عن ذلك من خيبة أمل في أوساط الجالية المغربية تمخضت عنه فكرة شراء بقعة أرضية لإنشاء مقبرة أبدية إسلامية. واعتبارا للصعوبات التي تكتنف هذا الهدف ان على مستوى الامكانيات المادية أو على مستوى الاجراءات الادارية فان تظافر الجهود من طرف الجميع أصبح أمرا ملحا وتقديم التضحيات في شأن يخص كافة الجاليات الاسلامية لتحقيق هذا المرمى. واعتبارا لحساسية هذا الموضوع يسعى أفراد الجالية المغربية في المانيا، الذين وضعوا هذا الهدف نصب أعينهم، الى التنسيق مع الجاليات الاسلامية الاخرى لتدبير الموضوع الذي سيبادر أفراد جاليتنا في ألمانيا الى طرحه في قريب الآجال مع كل من يعنيهم الأمر وعرضه كمشروع على سلطات البلد الأصلي للجاليات الاسلامية وعلى سلطات بلد الإقامة.