أمام حصيلة الوفيات والضحايا الذين حصدهم الوباء بالمشرق والمغرب والشمال والجنوب، ونظرا لانتشاره في سائر أقطار الكرة الأرضية حيث يعمر الإنسان لتوفر شروط الحياة. هذه الأخيرة أي الحياة لم تعد سهلة ومضمونة التحقق خلال هذه اللحظة من تاريخ الإنسان فوق الأرض، إذ في غفلة من الجميع حلت الموت بديلة للحياة وصارت الحصيلة ثقيلة تقارب مئة ألف (100000) من الوفيات أما المصابين فمن المحتمل أن يصاب الملايين من الناس، والحصيلة في الحالتين تتصاعد بشكل مستمر. إن كورونا مستجد وبائي لم يأتي صدفة، وإنما من صنع المختبرات البيولوجية ومراكز توليد الفيروسات، وقد سبق لمفكرين وعلماء أن نبهو إلى أن استمرار الرأسمالية بنهجها ومبادئها سيؤدي لا محالة لظهور الأوبئة الفتاكة وسيجلب الدمار للإنسانية، لأنه في الحقيقة كلما تطور العلم الموجه من طرف الشركات العملاقة ومالكي أضخم رؤوس الأموال في العالم إلا وحلت الجرائم والكوارث بغير إكتراث لمصير الكون والإنسان. من الواضح أن الفيروس صنعه اللصوص وعلمهم المتعفن والأعرج، وسواء كان إنتشار الوباء بغاية التغلب في حرب بيولوجية والخروج من الأزمة التي ضربت إقتصاد الدول الرأسمالية والتبعية لها هذا العام 2020، أو جاء نتيجة انفلات وخطأ أرتكبه الطاقم البشري الموظف من داخل مختبرات صناعة ومكافحة الفيروسات فالنتيجة وخيمة على حاضر الأنظمة والشعوب ومستقبلها و خاصة على ضحايا فيروس كورونا وعائلاتهم، وعليه من الواجب تحميل المسؤولية الجرمية لصانعي الحروب وجالبي الموت والمطالبة بالتوقف الفوري لتلك المختبرات والأبحاث والإنتاجات وقد حان الوقت لتوقيع عريضة شعبية أممية ترغم الإمبرياليين على التوقف عن الجرائم البيولوجية والبيئية. صحيح أن على الجميع دولا وشعوبا أن يتجندوا لمواجهة الوباء وتوفير الشروط والحماية اللازمة للنجاة والإستمرار على قيد الحياة، لكن من المستحيل مواجة وباء بمثابة عدو دون معرفته ومعرفة طرق علاجه والأكثر من هذا هو إن أراد الإنسان حقا النجاة وجب إستئصال الفيروس من أصله لأنه ومهما أبدع الإنسان وألتزم بشروط الحجر الصحي وغيرها من طرق الوقاية والعلاج فإن الوباء سيضل موجودا لأن أساسه الذي ولده وأخرجه للوجود ونشره في صفوف الناس لم يعدم بعد ولم يستأصل بعد ولا زال مستمرا في إنتاج فيروسات أكثر خطورة من كورونا. أدرك أن مهمة إستئصال صانعي كورونا والأوبئة صعبة لكن العلاج مكلف كذلك وغير مضمون ولعل ما يفسر ذلك هو عدد الوفيات بالألاف في الدول التي تمتلك أنظمة صحية متطورة والحصيلة في ارتفاع. وتجدر الإشارة هنا إلى أن كورونا مستجد وبائي صار حدث تاريخي، ومن حكم التاريخ أن يقول كلمته من عصر لعصر ويجسد حضوره وعدالته ويجازي الإنسان على ما قدمه لنفسه وللطبيعة، وقد أوضح بعض المفكرين في كتاباتهم أن النظام الإقتصادي الحالي يعرف أزمات طفيفة بعد كل عشر سنوات وأزمات عميقة بعد كل مائة سنة وانظرو إلى التاريخ لتتأكدو من صدق ما قيل .وقد حل كورونا كذلك ليعطي للحياة والإنسان نفسا أخر وشكلا أخر للحياة. وباء عالمي جاء كمستجد في الطب وصحة الناس وبعدها إمتد للإقتصاد والسياسة والثقافة والدين والإديولوجية، مستجد إلى حدود الأن استطاع كشف البناء الهش للنظام الإقتصادي الرأسمالي والعولمة، ها هي دول الإتحاد الأوروبي تنكفئ على نفسها وتفقد السيطرة على الوباء وتعترف علنا أن ليس بمقدورها حماية شعوبها. الإتحاد الأوروبي ينهار شيئا فشيئا والولايات المتحدةالأمريكية تحاول إنقاذ نظامها من الغرق، في مقابل إستقرار وبتقدم نسبي للصين روسيا ومن لف لفهما وذلك يرجع أساسا للثقافة المبنية على الوعي الجمعي والموروث المشترك، وكذلك إهتمام الصين والبلدان التي كانت قاد عاشت التجربة والتربية الإشتراكية بالتعليم والصحة والتربية العقلية والنفسية وتميزت في البناء التنظيمي للدولة والمؤسسات… لقد أضحت الفكرة الأن تتجلى بوضوح أمام الجميع، الحياة ليست في ملك الافراد بل في ملك الجميع ،والجميع من حقه الحياة كما من مسؤوليته الحفاظ على إستمرارية النسل البشري. حياة الأخر يضمنها ما أقدمه أنا له، وحياتي مبنية على ما يقدمه الآخر لي، بهذا الشكل صارت المعادلة الجديدة للحياة وأحتل فيها الإنسان المحور والقيمة الأكبر، لقد تبخر جزء كبير من قيمة النقد ولم تعد النقود كما كانت بالأمس القريب هي كل شيئ بل صارت فقط تساهم في حفظ الحياة والنجاة. من خلال التأثير العميق لهذا الوباء العالمي على الإنسان والدول والنظم فقد أكتسب مشروعيته كحدث تاريخي، ومن ضرورة الحدث التاريخي أن يهدم بنيان قديم ويشيد بنيان جديد، في الحقيقة هي لحظة تاريخية ينبغي إستغلالها بجدية من أجل التقدم في تحقيقة العدالة الإنسانية والمجالية والإجتماعية، هي لحظة لإنتزاع العديد من الحقوق و يبدو التقدم في هذا الأمر واقعا لا يمكن نكرانه حيث عرفت العلاقة بين الدول وشعوبها نوع من التقارب هو لحظي طبعا فرضه انقلاب في المتناقضات، فالمصلحة العامة والخاصة لمن هم تحت تقتضي أن يتجند الجميع كل من موقعه لمواجهة الوباء ولمواجهة كذلك الموروث التقليدي المبني على الإضطهاد والإستغلال. وفي هذا الشأن من المحتمل أن تسقط بعض الحكومات ببعض الدول لعدم قدرتها على تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقها، ليس بجديد على التاريخ أن يولد من أحشائه جديد في ظل غياب المولد، وليس بجديد على التاريخ كذلك أن ينهار المفلسون والعاجزون. لست متخصصا في علم البيولوجيا ولا في الطب والفيروسات، لكنني متعلم باحث وهذا ما يتيح لي الفرصة لأدرك حجم الخطر الذي يتربص بالإنسان على إمتداد الأوطان وتداعياته والتنبيه بذلك. فيروس بحجم صغير ليس بمقدور عين الإنسان ملاحظته لكن سمه قاتل في شروط محددة وقدرته على الإنتشار سريعة إن تواطأ معه الإنسان في ذلك باستهتاره. من السهل عليه أن يصل لكل شبر في رقعة الأرض التي يستوطنها الإنسان ليحاصره في الحياة ويخنقه بالموت. وباء حل ليحد من حرية الإنسان في الإجتماع والعمل والتنقل إلى غيرها ..من السلوكيات اليومية التي اعتاد على ممارستها كل فرد مهما كان جنسه أو لونه في أي قارة كان. فيروس يجاري الزمن في سرعته ليتسرب إلى أجساد الناس وفي غضون أسبوعين يستطيع التسرب إلى الرئتين ليجعل تنفس هواء الحياة واستنشاقه أمر صعب يتطلب عناية صحية خاصة تفتقدها بعض البلدان، ولم يعد توفرها ممكنا حتى في البلدان ذات الأنظمة الصحية المتطورة لإرتفاع عدد المصابين والوصول للإنفجار الوبائي. فالقضية الآن صارت قضية الإنسان بأفضلية دائما لصالح مالكي وسائل الإنتاج، ولفهمها فهما سليما والخروج من الأزمة الكونية وخاصة بالمغرب بأقل عدد من الموتى يجب وضعها في سياق الزمن حيث تقع العملية معكوسة. إذ الفيروس ينشط ويتكاثر ويتكاثف في حركة الناس النشيطة وتواصلهم المباشر السريع، ولكي يتم منع الوباء من الإنتشار ومحاصرته من اللازم والوجوب ضروريا معاكسته بأن يقلص الإنسان من تحركاته ومن تواصله وملامسته للأخر مهما كان موقعه في العلاقات الإجتماعية والعائلية والأسرية. ليس معنى هذا تهديم الروابط وكسرها وأن حركة التاريخ ستتوقف، بل ستسمر بشكل أرقى يتيح للدماغ والعقل النشاط الدائم لكن ببطء في حركة الإنسان وفي تفاعله بالإنسان الأخر والطبيعة معا حتى يحاصر ويحصن ذاته من الوباء أولا وحماية الأخرين. الخيار الوحيد مهما أرتقى الطب والأطباء في وظيفتهم المشكورين عليها هو مواجهة وباء كورونا بالحجر الصحي بالمنازل والتحرك لضروريات الحياة بمعناها وشروطها اللحظية بالموازاة لما تسهر دول الأمم بالقارات الخمس على تطبيقه وتنفيذه من تدابير صحية علاجية وقانونية وأمنية وإقتصادية وإجتماعية ونفسية وإعلامية ودينية. التكامل خلال هذه اللحظة لم يكن لا بإرادة الدول والسلط والطبقات ولا بيدي المستعضفين الفقراء الذين جابهو الموت على مر العصور بمناعتهم التي لا تقهر، بل هو تكامل لحظي أفرزته شروط انقلاب في المتناقضات بفعل الوباء الذي استهدف الذوات البشرية باختلاف أوطانها ومواقعها الطبقية وانتماءاتها وعقائدها. وباء موضوعيا جسدته حكمة التاريخ لتفتح طريق أخر للإنسان كونيا، و دعوة لمراجعة شكل النظام الإقتصادي والفكري والسياسي والثقافي وما ارتبط بهم من قيم وأخلاق وعادات… وما يقع الأن هو خلخلة بنيان الدول ليسقط المهترأ منها وتجدد من نفسها بإشراك أوسع الطبقات والفئات في الوعاء التنظيمي المستقبلي حتى تصير الدولة إجتماعية واقعا وليس إفتراضا وخداعا، وفي نفس الوقت زحزحة النظم الإجتماعية البالية التي أصبحت متجاوزة بفضل الوعي الجمعي المتمحور حول الإنسان وأفضلية قيمته على المال والإنتاج. خاتمة الكلام أنه كي تنال الإنسانية السلام، يتطلب النصر في الحرب التي تدور خلال هذا الزمن وهي حروب متداخلة بموصفات وأساليب وقوى مختلفة، منها حرب على من هم في صفة إنسان تجار الموت بتبيان وجههم البشع الخالي من أية قيم إنسانية، وحرب على الطبيعة والوباء وذلك بالأخذ بالنصائح الطبيه الواجب إتباعها لتقوية المناعة المضادة للفيروس والتمكن من محاصرته وطرده من الجسد والفكر. ولعل ما أحدثه الفيروس بإيران وإيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدةالأمريكية من مأسي خير إيضاح لحجم خطورة السم القاتل. الخلاص من كورونا في مواكبة التجديد على مستوى شكل الدول ونظمها ومؤسساتها والقطع مع عهد الطبقية والإقصاء الإجتماعي بالإنفتاح على بدائل أثبتت فعاليتها ومشروعيتها ومصداقيتها. * باحث في التاريخ والحضارة