بعد انتشار جائحة كورنا فرضت العديد من الدول على مجتمعاتها مبدأ التباعد الاجتماعي كإجراء احترازي لمنع تفشي الوباء، وهذا التباعد يقوم على أساس بقاء الأفراد في الحجر الصحي في منازلهم وفي مسافة لا يجب أن تقل عن متر واحد عند الخروج للضرورة القصوى حسب ما جاء في بيانات منظمة الصحة العالمية. ومبدا التباعد الاجتماعي اتخذه المغرب بالموازاة مع دخول فيروس كورونا إلى المغرب، وبالموازاة مع اعلان الحكومة عن حالة الطوارئ في الرابع وعشري من مارس المنصرم، حيث تم اغلاق المؤسسات التعليمية العامة والخاصة واغلاق المحاكم وتعليق الجلسات بشكل جزئي، بالإضافة الى اغلاق مكاتب المهن الحرة. ومرفق التوثيق العدلي كغيره من المهن الحرة استجاب لنداء حالة الطوارئ الوطنية عبر الهيئة الوطنية العدول التي اعلنت في بلاغ لها عن ضرورة اغلاق المكاتب العدلية في هذه الظرفية تكريسا لمبدأ التباعد الاجتماعي وتماشيا مع حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها لتفادي نشر فيروس كورنا في الاوساط الاجتماعية، لأن الكل يعلم أن هذه المكاتب يقصدها المتعاقدين من كل المناطق أحيانا بكثرة الشيء الذي يمكن أن يشكل خطر على صحة المرتفقين والمجتمع . لكن لا يخفى على الجميع تداعيات هذا الاغلاق الذي شمل العديد من المكاتب المهنية والمؤسسات التعليمية، لكن ولتقليل من اثآر ذلك اتخذت الدولة حزمة من الاجراءات في القطاعات الحيوية التي لا تقبل التأخير. فعندما تم تعليق الدراسة بالمدارس والجامعات سارعت وازرة التربية الوطنية والتعليم العالي الى الاعتماد على تقنية التعليم عن بعد التي تقوم على اساس بث الدروس والمحاضرات عبر الوسائل التكنولوجية، وأنشأت لهذا الغرض مجموعات خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي تضم اساتذة وتلاميذ انخرطوا جميعا في تطبيق ورش الدراسة عن بعد بالشكل الذي يوافق مبدأ التباعد الاجتماعي الذي تفرضه حالة الطوارئ الصحية. أيضا بعض مزاولي المهن الحرة الأخرى الذين اغلقت مكاتبهم كالمحامون أضحوا في ظل الجائحة بإمكانهم التواصل مع موكليهم حول أقضيتهم، ومآل الاجراءات المسطرية، ليس هذا فقط بل اصبحوا الآن بإمكانهم تبادل المذكرات والوثائق مع المحاكم عبر بوابة افتراضية خاصة بهم انشئت لهذا الغرض، نفس الشيء بالنسبة لمهنة النوطير بإمكانهم ايضا ابرام عقود بين الاطراف عبر تقنية التقارب الرقمي دون الحاجة الى حضورهم الى المكتب في الوقت الحالي. لكن مرفق التوثيق العدلي ما يزال بعيد كل البعد عن ورش الرقمنة، ويبقى السؤال عن الأغلال التي تحول دون انخراط مهنة التوثيق العدلي في الرقمنة لمجابهة مثل هذه الظروف الاستثنائية؟ هي كثيرة لكن يبقى التلقي الثنائي، وارتباط العدول بقاضي التوثيق ومهنة النساخة من العوائق الممسكة بالمهنة من أرجلها، وطالب العدول بكل تنظيماتهم الوطنية والجهوية بضرورة فك هذه الاغلال عن المهنة, وتلقوا وعودا من الوزير محمد اوجار لما كان وزيرا للعدل، وقبله مصطفى الرميد، لأن العدول وراء طلبهم هذا على وعي تام بأن التطورات الحاصلة الآن والتي ستحصل مستقبلا في المجتمعات تفرض التعاقد والتعامل مع المتعاقدين عبر تقنيات عن بعد. اذن لا مفر من تهيء ارضية الاشتغال للعدل الرقمي خصوصا وأن وزارة العدل قطعت شوطا في هذا الجانب، وأصدرت توصيات بضرورة القطع مع اساليب التقاضي التقليدية، واقيمت ندوات وورشات في هذا الصدد وثم العمل بالرقمنة في بعض المحاكم في خطوة جد مهمة، وخصصت منصات خاصة ببعض المهن، فما المانع أن يشمل هذا مهنة التوثيق العدلي ايضا التي تعد من أعرق المهن وأساسهم. فالكثير من المعاملات والزيجات يمكن للسادة العدول توثيقها في هذه الظرفية من بيوع ووصايا ورهون… ولما لا أيضا حصول العدول على اذونات الزواج رقميا وتوثيقها عن بعد خصوصا وأن الكثير من المكاتب العدلية الآن ذات مواصفات عالية تتوفر فيها تقنيات التواصل التكنولوجية وتتوفر على منصات خاصة بتسجيل العقود الخاضعة للتسجيل عن بعد ولا ينقصها سوى تنزيل ورش الرقمنة.