تفرز النزاعات المسلحة عددا من الاشكالات و الآلام، ولعل أبرز ما تنتجه هذه الأخيرة ما يعرف بأزمة المفقودين ، وتشتيت الأسر ، مما يتطلب معه بدل مجهود ضخم لإعادة الروابط العائلية ولم شمل الأسر التي شتتها النزاع، في سياق ذلك أفرزت الأزمة السورية مع خروج المئات يوميا هربا من النزاع الدائر هناك ، أعداد هائلة من المفقودين مجهولي المصير، و النازحين داخليا،إضافة إلى اللاجئين الذين انتشروا في مختلف دول العالم. يطرح موضوع المفقودين ولم الشمل عددا من الاشكالات ،خصوصا من جانب القانون الدولي،ولعل أول إشكال يصادفنا ،هو ذاك المرتبط بالتعريف القانوني للمفقودين، بحيث لا يوجد تعريف قانوني للأشخاص المفقودين في القانون الدولي،و لكن يقصد بالأشخاص المفقودين الاشخاص الذين لا تعلم أسرهم أخبارهم ،أو هم الاشخاص المفقودين نتيجة نزاع مسلح دولي أو غير دولي أو بسبب عنف داخلي أو بسبب أي ظروف أخري تتطلب تدخل طرف محايد و مستقل، وذلك بناء على معلومات موثوق منها ، كما نجد تعريفات واسعة تضيف الى ما سبق المفقودين بسبب الكوارث الطبيعية. لقد أقرت المادة 32 من البرتوكول الإضافي الأول على حق كل أسرة في معرفة مصير أفرادها هو الحافز الأساسي لنشاط كل من الأطراف السامية المتعاقدة و أطراف النزاع و المنظمات الإنسانية الدولية الوارد ذكرها في الاتفاقيات و في هذا الملحق “البرتوكول” ،و أفادت القاعدة 117 من القانون الدولي الإنساني العرفي على أن يتخذ كل طرف في النزاع الإجراءات المستطاعه للإفادة ،عن الأشخاص الذين يبلغ عن فقدهم نتيجة لنزاع مسلح ، و يزود عائلاتهم بأيه معلومات لديه عن مصيرهم. و أكدت القاعدة 105 على وجوب أن تحترم الحياة العائليه ما أمكن. كما نصت اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب لعام 1949 في المادة26 ، على كل طرف من أطراف النزاع أن يسهل أعمال البحث التي يقوم بها أفراد العائلات المشتتة بسبب الحرب من أجل تجديد الإتصال بينهم و إذا أمكن جمع شملهم. و عليه أن يسهل بصورة خاصة عمل الهيئات المكرسة لهذه المهمة. كما أقر البرتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف في مادته 74 على أن تيسر الأطراف السامية المتعاقدة ،و أطراف النزاع قدر الإمكان جمع شمل الأسر التي شتتت نتيجة للنازعات المسلحة، و تشجع بصفة خاصة عمل المنظمات الإنسانية التي تكرس ذاتها لهذه المهمة طبقا لأحكام الاتفاقيات، و هذا الملحق ” البرتوكول” و اتباعا للوائح الأمن الخاصة بكل منها.و أضاف البرتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 على مستوى الفقرة 3 ب من المادة الرابعة على أن تتخذ جميع الخطوات المناسبة لتسيهل جمع شمل الأسر التي شتتت لفترة مؤقتة. كما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بخصوص الأشخاص المفقودين و طالبت فيه الدول باتخاذ التدابير المناسبة في حالات الأطفال المفقودين بالبحث عليهم ولم شملهم مع أسرهم. يتضح إذا أن على الدول اتخاذ التدابير المناسبة لجمع شمل الأسر المشتته ، و أن هذا الالتزام يقع على عاتق الأطراف المتنازعة و كذا على غيرها من المنظمات الانسانية الدولية، إلا أن ما يؤاخذ على نصوص اتفاقيات جنيف الأربع و البرتوكولين الإضافيين أنها لا تلزم على وجه الوجوب و الحسم الأطراف المتنازعة بضرورة ضمان لم شمل الأسر ، و ذلك بالنظر إلى بنية ودلالة الألفاظ المستعملة في ذلك ، من قبيل عبارات” أن يسهل أعمال البحث ” و “اذا أمكن جمع شملهم” أو ” قدر الإمكان جمع شمل الأسر”، و هو ما يجعلنا نخلص إلى القول بعدم وجود أي إلزام قانوني للدول بلم شمل الأسر ، و في مقابل ذلك جعلت الأمر منوطا بالسلطة التقديرية و التأويلية للدول الأطراف . في كثير من الأحيان يعتبر غموض النصوص السابقة ذريعة لعدد من الأطراف في عدد من النزاعات للتنصل من إلتزاماتها بضمان حماية الأسرة،و هو ما يؤثر سلبا على حق لم الشمل. كما يمكننا أن نسجل بخصوص ما سبق عدم الملاءمة بين الإطار القانوني الحالي سواء تعلق الأمر بالقانون الدولي الإنساني أو القانون الدولي لحقوق الإنسان و اللاجئين و وضعية المفقودين اليوم،حيث يبقيان كإطارين قانونيين غير كافيين لضمان حقوق الأشخاص المفقودين و أسرهم في لم شملهم ، و هو الأمر الذي يدعوا إلى ضرورة إطلاق ورش مراجعة الإطار القانوني الحالي ، بحيث لا يقتصر إلتزام الدولة على مجرد البحث عن المفقودين و حق الأسر في معرفة مصير ذويهم ، بل يجب أن تلتزم الدول بلم شمل المفقودين بأسرهم المتواجدين في دول أخرى بسبب اللجوء . كما يجب أن لا يقف دور اللجنة الدوليه للصليب الأحمر على مجرد تقفي أثر الأشخاص المفقودين ، بل يجب أن يتسع دورها بالتعاون مع مفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين لتضمن لم شمل المفقودين بأسرهم المتواجدين في دول اللجوء كذلك. إن حق لم شمل الأسر المشتتة حق أصيل، و ذو أهمية خاصة لفئة اللاجئين تتضمن داخلها عددا من المفقودين ،وعلى هذا الأساس يجب لم شمل هؤلاء ، و عدم انتهاكه بموجب تشريعات و إجراءات مقيدة ، أمام تزايد النزاعات و ارتفاع أعداد المفقودين بات لزاما على دول العالم الالتزام بإتخاذ مواقف إيجابية نحو ضمان تمتع المفقودين بحق لم الشمل و الامتناع عن فرض قيود على هذا الحق ، من قبيل الأمن الداخلي و القومي ،أو درائع أخرى للتحلل من هذا الالتزام الدولي ، كما يجب من جانب آخرعلى الدول الالتزام بالاتفاقيات الدوليه لحقوق الإنسان و أن تراعي المعايير الدولية المطبقه لحماية وحدة الأسرة و ضمان لم شملها، كما يجب على الدول تبني تشريعات وطنية لحماية حقوق المفقودين و أسرهم المتواجدين داخلها سواء لاجئين أو مهاجرين. كما نجدد الاشارة إلى أنه على المستوى الدولي يجب مراجعة نصوص مواد اتفاقيات جنيف التي تتناول حقوق الاشخاص المفقودين، و كذلك اتفاقية سنة 1951 وإضافة نص صريح يلزم باحترام مبدأ وحدة أسرة المفقودين و اللاجئين. -يتبع- * دكتور في القانون العام جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة