ما جدوى الثقافة وما دور المثقفين حين يتم استحضار البعد الثقافي ويغيب النضال على الواجهة الثقافية؟ وهل للمثقفين إمكانية النضال الثقافي؟ وما موقعهم في مسيرة الحركة الديمقراطية بالمغرب؟ وما هي المجالات التي يشتغل فيها المثقفون والغايات التي يحرصون على تحقيقها؟ يمكن لجمله الأسئلة هذه أن تتناسل إلى ما لانهاية ولكن لا ينبغي أن نشكك في تشابهها، لان الإجابة عن كل سؤال سؤال هو في آخر المطاف تقديم إجابات على قضايا وأمور استعصى الإجماع والاتفاق على وفي شأنها، والتدقيق في تعريف المفاهيم والمصطلحات رغم كثرة تداولها وتوظيفها لغايات معينة خصوصا أمام كثرة التعاريف واختلاف المشارب الأيديولوجية وتشعب ميادين اشتغال مختلف الفاعلين في الحقل الاجتماعي والثقافي المغربي. لعل كثرة تداول كل من مفهومي المثقف والثقافة لدليل واضح على مدى أهميتهما في حلبة الصراع المجتمعي السوسيو ثقافي والسياسي ومدى تأثيرها في حركية ومسلسل الدمقرطة في المجتمع، لكن تداول يشوبه غموض وإبهام كبير وغياب التحديد الدقيق هذا رغم كثرة توظيفها في مختلف الندوات والدراسات والأبحاث بل وحتى في اغلب الكتابات والمجهودات الهادفة في عملية تعريف المفهوم، وأكثر من ذلك نجد هذين المفهومين من بين المفاهيم التي يتداولها عموم الناس في حياتهم اليومية بشكل مستمر وبفهم غامض وتوظيف مجاني. وبذلك يبقى التعريف السائد لمفهوم الثقافة كما قدمه بيير بورديو:”أنه تعريف الثقافة السائدة للثقافة”، ونفس الشيء يمكن تطبيقه في تعريفنا لمفهوم المثقف فنقول: “بأن التعريف السائد لمفهوم المثقف هو تعريف المثقف السائد للمثقف”. واضح أن أول ما يتبادر للذهن بمجرد الحديث عن الثقافة كمفهوم هو كل ما يتعلق بالشعبي والهامشي والمقصي واللامتداول واللارسمي في الأشكال والممارسات والسلوكيات والعقليات والمؤسسات السائدة وبذلك يكون هذا الشعبي هو ما يسمى مختلفا وثانويا من طرف الثقافة السائدة. والى حد يومنا هذا نجد نصيب الثقافة الأمازيغية ودورها المهيمن في كل ما يسمى بالثقافة الشعبية المغربية ينظر إليها كونها ذلك المختلف والثانوي من جهة، ومن جهة أخرى فهذا الأخير لم يرقى بعد إلى درجة يمكن الحديث عنه سياسيا بالدرجة الأولى لأنه يقتصر فقط وينتظر تقديم المساعدة والإنعاش وإعادة أحيائه، وهو اعتراف بوجود قوى ثقافيه تدعو إلى قتله وتشييع جنازته في ثنايا الفضول القومي المعمي واللاعلمي وأبعاده من المشروع المجتمعي السائد بمختلف مكوناته الثقافية والسياسية. واستحضارنا للفكر الثقافي وليس للثقافة رغم ارتباطهما لأن تطور مفهوم الثقافة ساهم بشكل واضح في تطور الفكر الثقافي ، وبالتالي بروز نخبة تسمى بالمثقفين شكل ظهورهم ثورة حقيقية على إمبريالية نخبة احتكرت إلى حد بعيد السلطة المعرفية فكريا ثقافيا وسياسيا في شخص “العالم الفقيه” والتنازل عليها لصالح “العالم المصلح” الملح على ضرورة التثقيف ، وهو انتقال من المرحلة الكلاسيكية التي أتاحت للثقافة أن تنشأ وتزدهر إلى المرحلة المعاصرة التي شكل فيها ظهور سلطة المثقف ظاهرة تاريخية معقدة أمام تعقيد تداخل مجموعة من العوامل اقتصادية وسياسية كانت أو روحية وفكرية ، وهي مرحلة لم يعد معها النظر إلى المثقف بمستواه التعليمي والشواهد الأكاديمية التي حصل عليها أو التشكيك في دوره الاجتماعي ومكانته الاقتصادية أو مقارنته للإنسان الغير القارئ ذو المعرفة المحدودة ، بل أصبحت المبادئ والمواقف التي يناضل ويدافع من أجلها هي التي تمنحه التميز عن غيره المثقف . مما لاشك فيه أن الحديث عن العلاقة بين المثقف والثقافة الشعبية ليست هي حديث الشعب عن نفسه” ثقافته” ما دام شعب شفهي يحتاج الى من يتحدث عنه ونيابة عنه وبلسانه ،إلى من يدون كل ما يلفظه من الإشارات وتفكيك رموزه ، بل المقصود هنا هو حديث المثقف عن الشعب والمثقف ليس من حملة الشواهد العليا أو ممثل الثقافة السائدة ، إنه الباحث المفكر الملاحظ والمدافع بكل علمية وموضوعية عن ثقافة شعبه في شخص الحركات الاجتماعية والتقدمية بمختلف أصولها وأهدافها والتي يقف إلى جانبها إن استطاع التحرر من رجعية التقدمية كمفهوم :لأنه من التقدمين من هم تقدمين في كل شيء ورجعيين بمواقفهم تجاه بعض القضايا التي تشكل فيها المرأة والأمازيغية أهم القضايا المطروحة في الساحة الفكرية من اجل تكسير الطابو المحرم وترسيخ مبدأ التقدمية الذي بقي لفترة طويلة ولا زال مرفوعا كشعارات و فقط تجاه جوهر القضيتين . فالحركة النسائية ينظر إليها حتى من طرف بعض المثقفين نظره سلبيه ولا يرى في نضالاتها إلا نضال المرأة بمنطق المقايسة مع الرجل ، وهذا واضح ويتجلى في طبيعة المجتمع الباترياركي: تقزم الطرح النسائي وتسيد سلطة الرجل حتى في المجالات التي تتفوق وتسود فيها المرأة هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فالحركة الأمازيغية يذكر نضالها وبشكل دائم رجعية التقدمية بالظهير المشؤوم ، وأمام نتائج مبدأ التعريب الذي كون سيكولوجيا تقدمين ومنهم أمازيغيين يصعب عليهم تجاوز الفكر العروبي القومي الذي ترسخ في أعماق لاشعورهم ويصعب عليهم الإقرار والإفصاح عن حقيقة الطرح الأمازيغي. ما الذي يستطيع المثقف أن يفعله للمساهمة في دينامية الحركة المجتمعية التي هي ضرورية؟ ودائما مع بيير بورديو الذي شبه السوسيولوجي بالمثقف، وهو يؤكد على كونه مثقفا ولكن ليس كباقي المثقفين، لأن السوسيولوجي هو ذلك الإنسان الذي يعرف معظم الوقت الاستماع وفك رموز ما يقال له وتدوينها وإيصالها وتوصيلها إلى الأخرين. فالمثقف من صنف السوسيولوجي هو الذي يقف في تحليله للواقع بمختلف تمظهراته ومكوناته إلى جانب الحركات الاجتماعية كما يصرح بذلك الآن تورين Alain Touraine الذي اقترح علم الاجتماع المعارضة sociology of opposition ضدا على علم الاجتماع القرار sociology of Decision ،وبذلك فعالم الاجتماع المعارض كمثقف تقدمي لا ينبغي أن يظل سجين الرؤية النخبوية للثقافة، الرؤية التي تختزل الثقافة الشعبية بما فيها الثقافة الأمازيغية في جانبها النظري والمعرفي والذي يؤدي إلى تبرير سيادة ثقافة الفئات السائدة و تبرير سيادة المثقف السائد. وقوف عالم الاجتماع بجانب الحركات الاجتماعية يؤكد مرة أخرى موقف جون بول سارتر الذي يجعل من المثقف ذاك الشخص الذي يتدخل ويدس أنفه في ما لا يعنيه ، انه الشخص الباحث الذي يقف إلى جانب كل ما هو ضد الثقافة السائدة ليثير قضايا ذات أهمية في النسيج السوسيو ثقافي لمجتمع ما من المجتمعات وتدخله في إثارة قضايا مجتمعية هو أولا وقبل كل شيء وعي وإدراك للتعارض القائم فيه وفي المجتمع بين البحث عن الحقيقة العلمية وكل ما يترتب عن ذلك من ضوابط ومعايير وبين الأيديولوجيا السائدة مع منظومتها من القيم التقليدية وهذا الوعي ليس سوى كشف النقاب عن تناقضات المجتمع الجوهرية. لكن وعي التعارض في لاشعور مثقفينا يكمن في عينة ممن يؤمنون بنظرية المرأة وضرورة ولوجها مختلف مجالات الحياة وتجدهم يمارسون أبشع ممارسات التسلط على المرأة وقت ما أتيحت لهم الفرصة سواء داخل المؤسسة الزوجية أو خارجها مثلما نجد من يأمل ويدافع عن الفكر العروبي وهو أمازيغي أو العكس يدافع عن الأمازيغي ويتجاهل أهمية التلاحم والترابط بين المكونات الثقافية بالمجتمع. وعلى هذا الاساس لا ينبغي لأي كان يدعي نفسه مثقفا مفكرا ومفكرا فيه أن يكون كذلك إن لم يفرغ همه وجهده في البحث عن الحقيقة العلمية والعملية عبر تفكيك وتدمير أيديولوجيا سائدة و كشف الستار عن التناقضات الجوهرية الحادة في المجتمع ،وبذلك فمواجهة المشكلات والقضايا المطروحة يجب أن تكون مواجهة بروح موضوعية للحصول على الحقيقة الشاملة التي لا تهمش ولا تقصي ولا تسيد طرفا عن الآخر ولا تعمل بمبدأ المفاضلة وإلا فمآل مجتمع من عينة المثقفين هؤلاء هو مجتمع التسلط والأثنية وإعادة إنتاج المفهوم القديم والكلاسيكي للصراع الثقافي وممارسات السلطة . سارتر: السلطة والثورة المعرفية التاريخية عودتنا إلى سارتر هي عودة منهجية لسببين أولهما كونه من المفكرين والفلاسفة الذين وقفوا الى جانب الحركات التحررية في البلدان الثالثية ، وثانيها كونه المفكر النظري الذي وضع برنامجا لدور المثقف في المجتمع ، برنامج يساعدنا في توضيح دور المثقف المغربي ومن بين نقاط البرنامج الذي وضعه نجد تلك التي يدعو فيها المثقف إلى الحرص الدائم على شمولية المعرفة وحرية الفكر وأن الحقيقة غاية واقعية يلامسها المثقف في معترك الكفاح الفعلي: أي أنها مشروع حياة عملي يظل نسبيا وناقص دائما طالما يستهدف مستقبل الأنسان كانسان في آخر المطاف . ثاني هذه النقاط أن يجعل المثقف نفسه ضد كل سلطة بما فيها السلطة السياسية المتمثلة في الأحزاب الجماهيرية وفي جهاز الطبقات العاملة، حارس للغايات التاريخية التي تنشدها الجماهير وبما ان الغاية تبرر الوسيلة فإن كل الوسائل صالحه حين تكون ناجحة ما عدا تلك التي تشوه وتزور الغاية المنشودة. ثالثا : وهي نقطة يدعو فيها المثقف إلى توظيف الثورة المعرفية القادمة من تاريخ المجتمع لترسيخ وإبداع ثقافة جديدة للشعب ، وهي نقطة تبدو لنا أكثر أهمية لأن مسلسل التحديث والدمقرطة عمل بشكل مباشر أو غير مباشر على توظيف المولود الثقافي المغربي القادم من التاريخ ، ولكن ما يجب الاحتياط منه هو إمكانية توظيف التراث من طرف المثقفين المعاصرين لضرورات دفاعية يتم فيها تغييب الروح النقدية لعملية التاريخ التي لا تخلو من فعل أيديولوجي، بل وينبغي أن تكون العملية صادقة ونقدية لكل التصورات و التقييمات المزيفة لضرورة التأسيس الفعلي لحداثة فكرية وثقافية جديدة قديم مادام تراثنا يشكل ميراثا قويا لولوج عالم الفكر المعاصر لتعميق وترسيخ الثقافة وقيم الحرية والحوار والعقلانية والتعدد وحقوق الإنسان … وما التغيير الذي حصل في مواقف مجموعة من الهيئات والتنظيمات بالتأكيد من جهة على دور المرأة في العملية التنموية ومن جهة ثانيه على أهمية الأمازيغية كموروث شعبي تاريخا إلا بداية لعملية ترسيخ ثقافة جديدة وهي في العمق قديمة منسية مبعدة وأقصيت أمام سيادة استراتيجيات ارتجالية ، وأتت الضرورة الحضارية لإحيائها وإنعاشها من جديد متداركين بذلك إبعاد نصف المجتمع في المساهمة في التنمية المستدامة وخطورة إهمال وإقصاء مكون لا يستهان به في مجتمع يمثل فيه هذا المنسي والمهمش واللامفكر فيه والمبعد من المشاريع المجتمعية طرف مهما في عملية التقدم والرقي الاقتصادي والسياسي في منظومة المفاهيم الجديدة . وبذلك تعد مساهمة المثقف في النظام على الواجهة الحقوقية من بين الاختيارات الأساسية للتعجيل بمسيرة الحركة الديمقراطية المطلوبة والضرورية لمتطلبات المرحلة الراهنة. اذا كان سارتر يدعو إلى أن يجعل المثقف نفسه ضد كل سلطة بما فيها السلطة السياسية فهل من الممكن السيطرة عليها ما دامت الحركات الاجتماعية في عمومها ترفع شعار اللاسياسية ولكن في حقيقة الأمر هي مناداة للحصول على أكبر قدر من السلطة في المجتمع ورغبة في اقتسامها وتسييد او على الأقل نشر خطابها ، وعليه فان الحديث عن الدمقرطة أو عن المكبوت والمهمش هو حديث سياسي بالدرجة الثانية في انتظار تقديم مشروعها المجتمعي البديل فإذا كانت الحركات هذه واغلبها لا تتوفر على هذا البديل الحقيقي فهي على الأقل تمثل غنى لإمكانية قيام تحالف ديمقراطي حقيقي : تحالفات تراعى فيها أهمية هذه الحركات والعمل على كل الواجهات والمستويات لان السيطرة على السلطة تقتضي إيجاد هيمنة ثقافية فكرية وإيديولوجية . وفي هذا الصدد تكمن محاولة انطونيو غرامشي والتي تقدم الإجابة على كيفية السيطرة على السلطة في المجال السياسي ودور المثقف في هذا الصراع لاقتسام السلطة والحد من هيمنتها وتمركزها في يد أقلية معينة. غرامشي المثقف والبعد الثقافي تعد أهمية فكر غرامشي السبب الرئيسي في إثارة الفضول المعرفي لمجموعة من المفكرين والمثقفين، والى الاهتمام بإنتاجه الفكري الذي هيمن في الساحة الثقافية والفكرية بداية من السبعينات إلى حدود يومنا هذا، وله يعود الفضل في تصنيف عمل المثقف أولا كمنظم للوظيفة الاقتصادية التي يرتبط بها عضويا، ثانيا يعتبر من جملة وظيفة الهيمنة التي تمارسها الطبقة السائدة في المجتمع المدني، وثالثا كمنظم الإكراه التي تمارسه الطبقة السائدة على سائر الطبقات بواسطة نظام الدولة. وبذلك فان المثقفين أو الأنسان المثقف عموما في المجتمع المغربي خصوصا تخلقه الفئة الاجتماعية في سيرورة تطورها والبحث عن هذا المثقف يجب أن يكون بحثا في إطار الوظيفة التي تمارسها هذه الفئة الاجتماعية بحكم المكانة التي تحتلها في نمط التفكير ونمط الإنتاج، وهو بذلك يرتبط أصلا بالفئات الاجتماعية كافة ولكن يحقق وجوده في ارتباط عضوي بالفئة عن طريق تنظيمها السياسي وهو الحزب او ما يسميه غرامشي بمصطلح “المثقف الجماعي” الذي يعمل جديا على اكتساب الفئة التي ينتمي او يدافع عنها نوعا من التجانس الاجتماعي والسياسي …..وذلك بترويج إيديولوجي يعبر عن طموح وتطلعات الفئة التي يمثلها مركزا على الشرط الثقافي كشرط ضروري لتعبئة عموم الجماهير وجعلها قادرة على فرض هيمنتها الايديولوجية من اجل تكسير نخبوية المعرفية وإنتاج معرفة جديدة تغيب فيها الفروق بين الثقافة السائدة والثقافة المسودة. فالتأكيد على أهمية البعد الثقافي كشرط ضروري في كل تغيير جديد منشود ودوره الوظيفي المرتبط بالتغير الاجتماعي بكل أبعاده الثقافية والأخلاقية أصبح من الأمور الضرورية التي تمر عبر مؤسسات المجتمع المدني والذي يمثل بدوره الممر الوحيد للدمقرطة المشروطة بالاهتمام بالبعد لتحقيق ثورة ثقافية ديمقراطية حقة تحد من هيمنة الثقافة السائدة بوسائلها “المسجد الزوايا الكنيسة الحزب المدرسة النقابة” ، والسيطرة التي تعبر عنها الدولة بمؤسساتها وأجهزتها “الجيش الشرطة القضاء القانون ” ، والتفكير في خلق تقنيات تنظيمية جديدة تتماشى وخصوصيات العقلية المغربية وذلك بوقوف المثقف الى جانب الحركة التي تمثل هذه الخصوصية والتي تحمل نبوءة المشروع الحضاري المجتمعي البديل . وبهذا يكون المثقف المغربي حريصا كل الحرص على غايات مجتمعه وان استخلص بعسر سريع، وبإدراك حدسي معقلن الإجابة على الترابط بل التنافر والتجاذب بين الثقافي والديمقراطي كبعدين رئيسيين في كل استراتيجية سياسية واضحة المعالم والأهداف، بل ويصبح النضال على الواجهة الثقافية هدفا في غاية الأهمية وفي نفس الغاية من الحذر والاحتياط رغبة في إعادة الاعتبار او العمل على زرع قيم جديدة ترسخ ثقافة حقوق الإنسان والحريات العامة وثقافة الاختلاف والرأي الحر والمساواة. والنضال الثقافي هو المرشح للقيام بدور تسيد ثقافة جديدة انطلاقا من الترابط المنطقي بين الثقافي والديمقراطي من جهة وبين الثقافي والسياسي من جهة أخرى لانتزاع تسلط السياسة على كل من الثقافة والديمقراطية. تسلط نصب لنفسه مكانة الأب الروحي لكل ما يتعلق بالديمقراطية، وفي ينظر إلى الثقافة نظرة الفتاة القاصرة المحتاجة باستمرار إلى الرعاية والإرشاد والنصيحة. وكانت النتيجة واضحة قبل أوانها تمثل في تشرد الثقافة بقرارات منعها من ولوج المؤسسات الحديثة المعاصرة بدعوى ارتدائها الزي التقليدي كنقيض أو كمنافس بديل للزي العصري اللامعاصر. لكن مرحلة العلوم الاجتماعية المعاصرة أثبتت براءة الثقافة من كل التهم والإهانات وأكثر من ذلك أعادت الاعتبار لمكانة الثقافة وأهميتها ولاهتماماتها الشمولية التي تعدت الاهتمام بالسياسة وأصبحت كما كانت من قبل تحتضنها وتنير لها الطريق والممر المستقيم إلى جانب كل من الأخلاق والدين والعادات والتقاليد الخ …وذلك وفق التعريف الشامل لمفهوم الثقافة كما قدمه تايلور “إنها ذلك الكل المعقد الذي يتضمن المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والتقاليد الأخرى والعادات التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في المجتمع .” وكما اسلفنا الذكر شكل ظهور أهمية المثقف بمقدار اهتماماته ثورة حقيقية على سلطة احتكرت السلطة المعرفية والفكرية والعلمية في تشخيصها لواقع ولخصوصية المجتمع المغربي ، وذلك لكون المثقف هو ذلك الشخص الملتزم والمناضل من أجل التغيير، المهتم بجميع القضايا في عموميتها ، والمدافع عن ترسيخ قيم ثقافية جديدة ، وهو الوحيد الذي بإمكانه القيام بدور البطل فوق خشبة المسرح شرط غياب القيود والشروط لإنقاذ الممثل المهزوم والفاقد للأمل في إصلاح الأوضاع المجتمعية ، وإثارة الاهتمام لدى المشاهد والمتتبع لتغيير إعلان النهاية المأساوية له ولباقي الممثلين وحتى المشاهدين الغيورين والمتتبعين الآخرين من قريب أو بعيد. تشبيهنا هذا مجازي للمشهد السياسي الذي يحتقر فيه دور المثقف والثقافة وكل الغيورين على القضايا وكل المتتبعين للملفات المطروحة والعالقة منها. إن أسوء حال المجتمعات هو أن يكون ما يعرف لدى عامة الناس بالمثقف ممثلا لهذا المشهد. جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة