غني عن البيان أن تاريخ الأمراض و الفيروسات و الأوبئة الفتاكة، أقدم من تاريخ الحروب التي اصطنعها الإنسان، لأغراض شخصية، قبل اهتدائه مؤخرا للحروب البيولوجية، و محاولة توظيفها في الصراعات من أجل التحكم في الشعوب و الدول. و دون خوض في أسباب ظهور مرض العام الجديد2020 المسمى CORONA، الذي غزا العالم في رمش العين، ينبغي أن نعترف أولا بأنه مرض لا يشبه الأمراض الأخرى، فهو أعدل الماكرين، و تثوي فيه خصائص و سمات خلاقة لم نلمحها في الأمراض الفتاكة التي غزت العالم قبله، إن نظرنا إلى المرض نظرة إبداعية تتوسل بمفاهيم أنصار شعرية القبح. ذلك أن المبدع في نظرته للأوبئة و الأمراض عامة، و مرض كورونا خاصة، يتبنى نظرة أنصار القبح الجمالي، أمثال بودلير في أزهار الشر، و فيكتور هيجو في أحدب نوتردام، و جيروم ستولينز صاحب كتاب “النقد الفني”، و جون غريغور، حيث عدل هؤلاء في نظرتهم للموجودات، عن النظرية النقدية التقليدانية التي تقوم على مبدأ عدم التناقض، و مبدأ الفصل بين النقيضين، حين انتصروا لجماليات القبيح، و نصوا على أن كل موجود قبيح المنظر و الأثر، يحمل قيمة جمالية مضمرة، خفية على الناقد استكناهها. و تأسيسا على ما سبق، فإن الشاعر – و المبدع عامة- ستكون نظرته لكورونا نظرة مغايرة لوسائل الإعلام و جمهورها من العوام. فالمبدع المتأثر بفلسفة أنصار جماليات القبح، قبل تعداد مساوئ كورونا الفتاك، لا محالة سيبحث عن القيم الجمالية الثاوية فيه. و تأتي في طليعة هذه القيم المتكوثرة جماليا التي يخفيها مرض كورونا، قيمة العدل، حيث ألفيناه عادلا،حيث الانتشار الجغرافي و ديموقراطيا من حيث التمثيلية المجالية. و تلي قيمة العدل الكوروني، قيمة المساواة، حيث لم نجد مرض كورونا ذكوري المعاملة، فقد ساوى في حلوله الجسدي بين النساء و الرجال، و لا يخفى أن قيمة العدل و المساواة قيمتان متكوثرتان جماليا، و هما أس أي نهضة مجتمعية حقيقية، كأن كورونا أراد بانتشاره الفتاك أن يذكر العالم بضرورة الانتصار للعدالة و المساواة في الحقوق، مادام البشر يشتركون في المصير نفسه، هذا فضلا عن إعادته الاعتبار للحوار الجسدي، ذلك أن أول فَقْدٍ يستشعره المصاب به ، هو فَقْدُ عناق الحبيب و محاورته جسديا. و بما أن الشيء بالشيء يذكر، نلتمس من المسؤولين الذين ذاع شرهم في المناطق التي يديرونها، أن يكونوا على الأقل ككورونا حاملين لبعض القيم الأخلاقية البانية، من قبيل العدل و المساواة و الحوار، بالرغم من شرهم، وقبحهم الذي هو رديف للشر الكوروني . و ختاما لا يسعنا إلا أن نقول: إن كورونا أعدل الماكرين، جاء ليذكرنا بقيمة العدل و المساواة و الحوار، كي يعيش جميعا بسلام و اطمئنان، بغض النظر عن جنسنا أو عرقنا، أو لغتنا، أو ديننا، أو تمذهبنا، أو نظرتنا لذواتنا أو الآخرين. *شاعر و ناقد مغربي جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة