يعتبر الفساد إحدى الظواهر السلبية التي عرفتها المجتمعات الإنسانية منذ القدم وكذا الأنظمة السياسية على اختلاف دساتيرها والقوانين والأعراف التي تحتكم إليها في تسير شؤنها العامة (السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية…) وأدى التطور الذي عرفته البشرية إلى ظهور ما يعرف بالمجتمع السياسي الذي ساهم بدوره في ظهور أنماط جديدة من الفساد منها ما يعرف بالفساد الاقتصادي والاجتماعي والإداري والسياسي هذا الأخير الذي يهمنا باعتباره من بين أخطر أنواع الفساد الذي يطال الدول في عصرنا الحديث ويتجلى الفساد السياسي في إساءة استخدام السلطة العامة لأهداف غير مشروعة والدفع بها لتحقيق مكاسب شخصية وجل الأنظمة السياسية معرضة للفساد السياسي الذي تتنوع أشكاله إلا أن أكثر .شيوعا هي المحسوبية والرشوة والابتزاز وممارسة النفوذ والاحتيال. وإذا رجعنا إلى التراث الإسلامي وما يزخر به من إسهامات فيما يخص الحديث عن موضوع الفساد السياسي فإن هناك إسهامات للعديد من المفكرين المسلمين ممن يتكلمون عن فساد الأمراء والمماليك ولا بأس أن نقتصر هنا فقط على إسهامات إبن خلدون في هذا الموضوع اذ يقول «إن انتشار الفساد يدفع بعامة الشعب إلى مهاوي الفقر والعجز عن تأمين مقتضيات «العيش، وهو بداية شرخ يؤدي إلى انهيار الحضارات والأمم. وكان رأي ابن خلدون مبنيا على أن انهيار القيم والحضارات والتنمية يعود إلى استشراء الفساد في جميع المجالات والعجز عن محاربته والتصدي له كذلك يرى أن وجود بعض المسؤولين قد يكونون منبعا للفساد عندما يسخّرون القوانين والقرارات لمصالحهم ويلوون أعناق الأنظمة لتحقق مآربهم. يمثل الفساد السياسي تحديا خطيرا في وجه التنمية وفي هذا الإطار أصبح دور المجتمع المدني حلقة هامة وضرورية لمواجهة الفساد بمختلف أشكاله وبالرجوع لمفهوم الفساد السياسي نجد أنه يعبر عن القوة التعسفية أي بمعنى استعمال القوة لتحقيق أغراض تختلف عن الغرض الذي على أساسه تم منحه هذه القوة أما التنمية فهي ظاهرة متكاملة الأبعاد منها ما هو اقتصادي جغرافي سياسي وما هو مادي هذه الأبعاد مجتمعة الهدف منها الدفع بالمجتمع نحو التقدم والازدهار ويكتسي مفهوم الفساد السياسي أهمية بالغة خاصة في ما يتعلق بالنظم السياسية في العالم الثالث حيث باتت ظاهرة الفساد السياسي إحدى المشكلات التي تقوض العملية التنموية في هده الدول فالفساد يساهم في ضياع هذا الحق ويحرم الأفراد من التمتع بالحريات والعدالة وضمان مستقبل الأجيال القادمة، كما يقصيها عن صياغة السياسات ومختلف الخطط التنموية والمشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بمستقبلهما. ويمكن تلخيص الآثار الناجمة عن الفساد السياسي ب”انخفاض في فعالية المساعدات وتعرض الدول إلى أزمات نقدية، وارتفاع معدلات الفقر وفقدان شرعية الحكومات وخسارة الثقة العامة وتقليل الاستثمار (بما في ذلك الاستثمار الأجنبي المباشر)، واستنزاف الموارد الطبيعية وتدمير الأنظمة البيئية، وتقليل النمو الاقتصادي وتحويل إنفاق الحكومات من الأنشطة الأكثر إنتاجية إلى الأنشطة الأقل إنتاجية ” ويتبين من تقرير منظمة الشفافية الدولية لسنة 2019 إن أكثر من ثلثي دول العالم بما فيها العديد من الاقتصادات المتقدمة، عانت من ظهور ملامح التراجع في جهود مكافحة الفساد واظهر تحليل النتائج، أن الدول التي يؤثر فيها أصحاب المصالح الخاصة على الانتخابات وتمويل الأحزاب السياسية، هي الأقل قدرة على مكافحة الفساد وقالت رئيسة منظمة الشفافية الدولية، ديليا فيريرا روبيو «إن الإحباط من فساد الحكومة وانعدام الثقة في المؤسسات، يدل على الحاجة إلى المزيد من النزاهة السياسية. » وأضافت : «على الحكومات أن تعالج وبسرعة، الدور الفاسد الذي تلعبه الأموال الطائلة المنفقة في تمويل الأحزاب السياسية، والتأثير الغير شرعي التي تُوقعه على أنظمتنا السياسية» مما يبرز التأثير السلبي للفساد السياسي على جل المجلات المتعلقة بتحقيق التنمية المستدامة فهده الاخيرة تستلزم بيئة ديمقراطية وحكما راشدا يتميز بالشفافية والمساءلة ففي النظام الغير ديمقراطي يستشري الفساد وبالتالي لايمكن تحقيق التنمية وضمان حق التمتع بالحريات والسلام والعدل والمؤسسات القوية ، فالفساد يعرقل تحقيق الإستقرار السياسي والأمني ويضعف تطبيق النصوص القانونية كما يساهم في ضياع حقوق الانسان وحق التنمية المستدامة كحق من حقوق الشعوب ، كما يؤثر الفساد على ضعف المشاركة السياسية ويشوه المناخ الديمقراطي مما يؤثر سلبا على كل أشكال التنمية وعجز مؤسسات الدولة وبالتالي ان ضبط الفساد ومعالجة آثاره لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بفاعلية في الدول العالم الثالث خاصة العربية منها هما جزء من عملية واسعة لإرساء قواعد الحكم الرشيد وترسيخ نظم الشفافية والنزاهة والمساءلة. وهذا يتطلب دولاً قوية في تكوينها ومؤسساتها وواثقة من شرعيتها، وقادرة على سن تشريعات عادلة وتنفيذها في إطار حكم القانون، ومن خلال أجهزة قضائية وتشريعية وتنفيذية خاضعة للمساءلة العامة وقابلة للتغيير الديموقراطي السليم. وهذا لا يتحقق إلا من خلال وجود إعلام حر ونزيه، ومنظمات للمجتمع المدني تلعب دوراً أساسياً في كشف الفساد، وتعبئة المجتمع ضد مرتكبيه، وكذلك وجود شعوب واعية بخطورة الفساد على مستقبل أوطانهم. * مدون وكاتب رأي مستقل جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة