في إطار اللقاء العلمي الذي دارت أطواره زوال أمس بمؤسسة البشير الخصوصية، والذي عقد بمناسبة الذكرى 30 لوفاة لمعلم البشير، والذكرى 34 من تأسيس مؤسسة البشير، بتنظيم من جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بشراكة مع رياض الثقافة بالبشير حول موضوع: “القيم مدخل أساسي لإصلاح التعليم” دخلت رحاب مؤسسة البشير وعلامات استفهام كثيرة تدور برأسي، أسئلة مستفزة تلامس موضوع القيم، طمعا في إيجاد إجابات تشفي غليل التساؤلات المشاغبة، وبعد الانصات إلى مدخلات السادة الأساتذة ( د. مولاي المامون المريني، د. عبد الجليل هنوش، د. فتح الله مصباح، د. عبد الجليل أميم، د. هشام فتح) وجدت نفسي محاطا بأسئلة أخرى أشد وطأة من بينها: هل يمكن الحديث عن مصالحة مع القيم، ونحن لم نحدد بعد بشكل توافقي ماهيتها؟ وهل الانصياع الطوعي، حسب عبارة الدكتور مولاي المامون المريني قادر على أن يحقق ما تحاربه بعض الجماعات، رغم أقليتها؟ وإلى متى سيظل المعلم يحمل وزر فشل المواثيق، التي لا تراع في غالب الأحيان المبدأ التشاركي في سَنِّهَا، باعتباره بعدا قيميا؟ ألا نحتاج اليوم إلى ثورة قيمية يستوعب من خلالها الجميع بأن القيم لا تدرس فقط في المدارس والمساجد؟، وليست مسؤولية يحاسب عليها أشخاص بعينهم؟ لقد أدركت أن مدخل “القيم” ليس بالهَيِّن، ولعل أوضح دليل على ذلك هو ما يطرحه من تضارب في التصورات والآراء، حيث إن القيم غدت إشكالاً ملحا ومرهقا في الآن ذاته، فكل يرى من زاويته مكمن الداء والدواء، حسب زاوية معالجة وملامسته للموضوع، وأن أكبر إشكال مَطْرُح يُعِيدُ نفسه بكيفية متجددة، هو ذاك الذي يتصل بثنائية ما هو كائن وما ينبغي أن يكون؛ أي أننا في كثير من الأحيان نهدف إلى الغاية نفسها، إلا أن السُّبُلَ التي نسلكها من أجل بلوغ ذلك قد تختلف من شخص إلى آخر. بات الجميع اليوم يعلم بأن موضوع “القيم” هو موضوع له راهنيته وجديته، كيف لا والعالم بأسره قد أدرك بأن إحداث منظومة سليمة للقيم لربما قد يكون الحل الأنسب للخروج من التيه والتخبطات المجتمعية في مختلف الميادين، وهي اضطرابات صار العالم يشهد ارتفاعها يوما بعد يوم تزامنا مع ارتفاع موجة “الانسلاخ القيمي”، هذا الأخير الذي يدفعنا إلى التساؤل: عن الكيفية والسبيل إلى أن نعيد المصالحة مع القيم في الوقت الذي فشلت فيه المؤسسات التعليمية بأن تحققها؟، وبالمقابل أخذت مؤسسات بديلة اليوم، وفي مقدمتها الإعلام، وتحديدا الإعلام المكرس للتفاهة، بزمام تكريس مجموعة من المفاهيم تحت مسمى “القيم”، هذه الأخيرة التي لم نستطع إلى اليوم أن نحدد ماهيتها بشكل دقيق يُمَكِّننَا من تأسيس “حد تعاقدي” وموحد نتفق من خلاله على ماهيتها، وننفي به كل تشويش، وذلك لأن من شأن ضبط المصطلح أحيانا، وإخراجه من دائرة المفهوم أن يسهم في كبح جِمَاحِ “الانفلاتات الفهمية” للقيم؛ فما أعتبره أنا قِيَمًا مثلى، قد يراه الآخر نقيض ذلك، وقد يحدث العكس أيضا، ولعل هذا الأمر من أكبر العوائق التي تتهدد “القيم”؛ أي مسألة “الحد”. ما دمنا لم نؤسس بَعدُ البعد الاصطلاحي “للقيم”، فستظل كل المواثيق التي تناشد ترسيخها، وكل الجهود المبذولة في سبيل ذلك هباءً لا فائدة منه، وقد يفهم البعض أن ما نقصده بالتواضع على تعريف القيم، هو السعي إلى بلوغ تواضع مطلق لتعريفها، وهذا أمر قد يستحيل، خاصة أن المفاهيم تتغير حسب السيرورة التاريخية، وتجدد المتطلبات والحاجيات، لكن هذا اللبس قد يزول بسهولة حينما نعي بأن المقصود هو البحث عن تلك “المشتركات الإنسانية القيمية”، التي تبعد كل الخلفيات والمرجعيات المبيتة لكي ترسخ لقيم تؤمن بإنسانية الإنسان وقيمته قبل كل شيء. وبهذا لربما قد نتجاوز “شكلانية” المواثيق، حسب عبارة الدكتور عبد الجليل هنوش، إلى مجال التنزيل والتطبيق، ونتوصل إلى قيم مشتركة كما جاء في مداخلة الدكتور عبد الجليل أميم، وما عداها من الغايات التي نناشدها على مستوى القيم. جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة