إن مفهوم الصفقة بشكل عام يضمن توصل طرفين لاتفاق بينهما يضمن كلا منهما حقوقه. ولكن الموضوع مختلف تماما عندما نتحدث عن صفقة القرن الأمريكية فهي صفقة أعدتها الولاياتالمتحدةالأمريكية و”إسرائيل” دون الرجوع أو احترام الطرف الفلسطيني بصفته أحد طرفي هذه الصفقة، فقد حبكت هذه الصفقة لتناسب “إسرائيل” وتطمس حلم الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وتشكيل دولته المستقلة وعودة اللاجئين. فقد أصبحت ملامح الصفقة واضحة وطبقت بالفعل من خلال اعتراف إدارة دونالد ترامب بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي دون أدنى احترام لقرارات الشرعية الدولية والوضع الخاص لهذه المدينة المقدسة ومدى أهميتها وقدسيتها عند الفلسطينيين بشكل خاص وعند المسلمين بشكل عام، كما لا يمكن أن نتجاهل ما قامت به أمريكا من خلال اعترافها بسيادة “إسرائيل” على أرض الجولان السورية وضم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربيةالمحتلة لدولة الاحتلال الإسرائيلي. ولم يكن وضع اللاجئ الفلسطيني بحال أفضل على الإطلاق في هذه الصفقة، لذلك لابد من التطرق لوضعية اللاجئ الفلسطيني في الماضي والحاضر في ظل المتغيرات الجديدة. *-وضع اللاجئ الفلسطيني قبل الصفقة: وجد اللاجئ الفلسطيني نفسه في وضعية خاصة مختلفة عن كل لاجئي العالم، فهو لا يتمتع كأي لاجئ بالعالم بالامتيازات التي تقدمها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة كالعودة الطوعية أو التوطين أو إعادة التوطين، وكذلك ضمان احترام حقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولي. فاللاجئ الفلسطيني تم استثناؤه من إطار عمل هذه المفوضية نظرا لأنه يخضع لوكالة الأممالمتحدة لتشغيل وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). هذا ما نصت عليه المادة الأولى من اتفاقية الأممالمتحدة للاجئين عام 1951م، حيث يخرج من عمل المفوضية السامية للاجئين كل شخص يتلقى أو يخضع لعمل أحد وكالات أو هيئات الأممالمتحدة. وبالتالي تم حرمان ملايين الفلسطينيين من حقهم في العودة لبلادهم التي تسعى المفوضية لتحقيقه مع لاجئي العالم. وبالرغم من صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194 الذي ينص على حق العودة للاجئين الفلسطينيين لديارهم، وكذلك ارتباط الاعتراف الأممي ب”إسرائيل” كعضو بالجمعية العامة للأمم المتحدة مرهونا بتطبيق قرارات الشرعية الدولية، إلا أن إسرائيل تنكرت تماما فيما بعد لحقوق الشعب الفلسطيني الغير قابلة للتصرف كتقرير مصيره وعودته وتعويضه، مما أدى ذلك إلى تفاقم مشكلة اللاجئين الفلسطينيين فهم يعيشون أغلبهم في دول مجاورة جغرافية لحدود فلسطين التاريخية كلبنانوسورياوالأردن على أمل أن يعودوا إلى بيوتهم وأراضيهم ووطنهم. إن مناطق عمليات وكالة الأونروا يكمن في خمسة مناطق وهي: لبنانوسورياوالأردنوالضفة الغربية وقطاع غزة. وبالتالي أي فلسطيني خارج هذه المناطق لا يخضع لحماية هذه الوكالة ويمكنه مطالبة المفوضية السامية بتوفير الحماية له. إن اللاجئين داخل مناطق الأونروا يذوقون أمر أنواع العذاب وينكل بهم، ففي لبنان يحرم اللاجئ الفلسطيني من شراء سكن خاص له أو أن يمارس أغلب المهن والحرف، كما أنه عليه أن يبقى حبيس مخيمه لا يخرج منه، ويجد صعوبات جمة في سفره إلى الخارج فهم يعيشون ولكن بدون احترام أدنى حقوقهم الأساسية للعيش بكرامة. أما في سوريا كان وضع اللاجئ الفلسطيني جيد نوعا ما قبل اندلاع أحداث الحرب في سوريا فقد كان يحق لهم مزاولة المهن والحرف بحرية ومزاولة بعض الأعمال الحكومية، كما أنهم قد حصلوا على وثائق سورية للاجئين الفلسطينيين تمكنهم من السفر والعودة، ولكن بعد الأحداث التي وقعت في سوريا قبل عدة سنوات فلا يوجد منطقة آمنة للاجئين الفلسطينيين داخل سوريا، مما أدى إلى هروبهم عبر البحر المتوسط لدول أوروبا أو تركيا أو لبنان أو الأردن…إلخ، مما خلق ذلك لهم مجددا موجة لجوء جديدة تتبعها موجة ذل وآلام جديدة من قبل دول اللجوء الثاني. أما في الأردن فوضع اللاجئ الفلسطيني هناك أكثرهم أريحية عن غيره من مناطق عمل الأونروا، فأغلب الفلسطينيين قد حصلوا على الجنسية الأردنية ولهم نفس حقوق وواجبات المواطن الأردني، حيث تقلد الفلسطينيون في الأردن أعلى المناصب السياسية والاقتصادية، وأيضا مجال الأعمال الحرة كالتجارة، ولكن بالرغم من ذلك إن وضع اللاجئ الفلسطيني داخل مخيمات اللجوء بالأردن صعبة، نظرا لضعف الخدمات المقدمة لهم وطبيعة التخطيط العمراني السئ لهذه المخيمات وقلة الدعم الحكومي لهذه المخيمات، فالأردن دولة نامية مواردها ضعيفة ولديها قروض دولية وتأخذ العديد من الهبات والمساعدات من دول العالم، لذلك يصعب عليها تحمل نفقات اللاجئين الفلسطينيين أو أي لاجئ أخر على أراضيها. أما الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة سيئا للغاية، فتواجد جيش الاحتلال على أراضي الضفة الغربية وما يقوم به من وضع حواجز وتفتيشات كثيرة جدا، ومحاولة إعاقة حركة اللاجئين الفلسطينيين ومنع تنفيذ أي مشاريع تساهم من تخفيض أو حل مشكلة البطالة أو تساهم في التنمية، أدى إلى وجود عجز في عمل السلطة الفلسطينية في القيام بأعمالها المنوطة بها، وبالتالي يحدث خللا في تحقيق تعاون بين السلطة والأونروا، مما يعيق العمل على تخفيف معاناة الفلسطينيين في الضفة. أما في غزة ما يحدث أمرا في غاية الخطورة، فاستمرار الحصار الإسرائيلي على غزة وصعوبات السفر عبر معبر إيرز أو معبر رفح البري، خلق أزمة إنسانية كبيرة جدا من الممكن عدم القدرة على علاجها بعد فترة من الزمن، ففرص العمل معدومة والأمراض منتشرة، ومصابي الحروب أغلبهم لا يتمكنون من العلاج في الخارج، نظرا لصعوبة توفير الأدوية والمعدات الطبية والخبرات الكافية داخل غزة، وإن الانقسام الفلسطيني الداخلي بين حركتي حماس وفتح عقد الأمور وزاد الطين بلة، وكذلك إن الاكتظاظ السكاني في غزة سيؤدي إلى الانفجار لا محالة، فيوجد 2 مليون فلسطيني يعيشون على بقعة أرضية مساحتها لا تزيد عن 365 كيلو متر. وللأسف إن أغلب عدد السكان في غزة يحملون صفة لاجئ وعلى الأونروا توفير الخدمات الضرورية لهذا العدد الضخم بالرغم من قلة الدعم المادي والمالي المتوفر لها والحصار المفروض عليها لأنها تعمل في غزة كإحدى مناطق عملياتها. إن عمل وكالة الأونروا إنسانيا وليس لها أي عملا سياسيا، فهي تقوم بتقديم خدمات التعليم والصحة والنظافة وتوفير التموين الغذائي. فللأسف أصبحت بطاقة التموين الغذائي الصادرة عن الأونروا هوية لحاملها يعرف منه إن كان لاجئا أم لا. فهذه الوكالة لا يحق لها أن تساهم سياسيا في حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، كأن تسعى لعودته أو إعادة توطينه أو تضمن احترام حقوق الإنسان له على أراضي مناطق عملياتها كما تفعل المفوضية السامية للاجئين. كما يجب أن لا ننسى أن ميزانية الأونروا تعتمد بالأساس على التبرعات والمساعدات المقدمة من دول العالم، وهذا ما يمكن أحيانا أن يجعل بعض الدول التي تساهم في التمويل أن تضع توجهات معينة لها في عمل الأونروا. لذلك لابد من وجود ميزانية مالية تخصصها الأممالمتحدة لكي تضمن استمرار العمل الإنساني التي تقوم به الأونروا وضمان عدم تسييسها. *- وضع اللاجئ الفلسطيني في ظل بروز صفقة القرن: لقد أوضحت الصفقة لنا مدى اهتمام الإدارة الأمريكية في منح شيئا لا تملكه لاحتلال لا يستحقه. إن فلسطين التاريخية مساحتها أكثر من 27 ألف كيلو متر تم تقزيمها لأقل من ربع هذه المساحة، وبالرغم من ذلك وضعت أمريكا بصفقتها المشبوهة والملعونة القدس والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة والجولان السوري تحت السيادة الإسرائيلية، كأن أمريكا هي من تمتلك الشرعية الدولية ومؤسساتها وتمتلك أراضي العالم وتقوم بتوزيعها كيفما شاءت ووقتما شاءت. بالرغم أن هذه الصفقة ولدت ميتة لكنها أوضحت لنا حقيقة أمريكا والدول المتخاذلة معها، وأعتقد أن هذا أهم أمرا استفاده الفلسطينيين من هذه الصفقة، وعلى القيادة الفلسطينية أن تعي ذلك جيدا لا قولا بل فعلا. إن الخارطة الجديدةلفلسطين حسب ما نشره ترامب على موقعه بتويتر تبين لنا حدود فلسطين من نظرته، وهي حدود لا يمكن أن تساهم إطلاقا في التعايش السلمي، فهي حدود قسمت الدولة الفلسطينية إلى دوائر ولها عنق تسيطر عليه “إسرائيل” فلا يمكن أن يكون في هذه الدولة المزعومة إمكانية لفرض الأمن أو حتى يكون لها قدرة حقيقة للتواصل بين أجزائها فهي مقسمة كمستوطنات الاحتلال. هذه دولة يراد بها انعدام أي مظهر من مظاهر الاستقلال، وبالتالي هي حدود ميتة لا يمكن التعايش معها أو قبولها من الأساس لأنها لا يمكن بشكلها الجديد أن تستوعب أعداد اللاجئين الفلسطينيين في الخارج، بل هي حدود شكلت لكي تمنع وجود اللاجئين الفلسطينيين لأنه لا يوجد دولة بهذا الشكل تقدر على استيعاب ملايين من اللاجئين في الخارج. من ملامح هذه الصفقة ما قامت به أمريكا بقطع تمويلها المالي لوكالة الأونروا مما أدى ذلك إلى اضطراب في عملها، وقد كانت قد اقتربت على إغلاق بعض مكاتبها نتيجة العجز المالي. فوجود الأونروا واستمرار عملها يعتبر استمرار وجود حق للاجئين، فهي ليست بمجرد وكالة عادية فهذه الوكالة عبارة عن “تاريخ” شهد على بداية الصراع الفلسطيني والعربي مع “إسرائيل”، وقد شهدت على المجازر والمآسي التي قامت دولة الاحتلال الغاشمة. لذلك تحاول أمريكا إنهاء عمل الأونروا لأن بمجرد انتهاء عملها ينتهي ملف اللجوء الفلسطيني، ومن هذه المحاولات المشبوهة ما حاولت صفقته أن تفسره لنا بأن: يوطن الفلسطينيون بأرض الملجأ الأول، أو أن يعاد اللاجئ إلى فلسطينالجديدة ولكن بعد أن يتوفر على شروط معينة، أو أن تقوم الدول الإسلامية بتوطين خمس آلاف فلسطيني كل سنة لمدة عشر سنوات إن وافقت هذه الدول، وهذا لا يمكن أن تقبله دول فقيرة وتستقبل أكثر من مليون لاجئ فلسطيني على أراضيها كلبنانوالأردن نظرا لإمكانيتها أو لمساحتها الجغرافية، كما لا يمكن وضع الفلسطينيون في مدنية القدس الشريف تحت السيادة الإسرائيلية الدائمة فهذا سيخلق جو غير متجانس وسيزيد من موجات الصدام واللجوء الجديد. بالتالي تتأكد لنا فكرة أن هذه الصفقة لا يمكن أن تطبق على الأقل من قبل الفلسطينيين لأنها تحتاج لقبول شعبي وتأييد سياسي رسمي وهذا يستحيل الحصول عليه في ظل صفقة مشبوهة تخلق لنا “دولة بدون دولة”. الخاتمة: لا يمكن لشعب ناضل وصبر طيلة هذه العقود من الزمن أن يقبل بأرض بديلة له كوطن جديد، لابد من أن يعود لدياره ووطنه وأن يعوض لقاء ما تعرض له من حيف وظلم وتدمير لممتلكاته الخاصة. ولا يمكن أن تطمس حقوق الشعب الفلسطينية وعلى رأسها حق اللاجئ الفلسطيني بأن يعود لدياره وديار أجداده بدون شروط. ويجب أن يفهم العالم بأن الصفقة التجارية التي قام بصياغتها ترامب هي صفقة مرفوضة من الفلسطينيين لأننا لا نتنازل عن أرضنا وحقوقنا حتى وإن وافقت “إسرائيل” فهي قد وافقت لأنها لا يوجد لها انتماء أو إحساس بهذه الأرض المقدسة مثلنا فهي سرقتها وتستمر بجريمتها لغاية يومنا هذا، فنحن أصحاب الحق والاحتلال غريب. وعلى الحركات والأحزاب السياسية الفلسطينية أن تستمر في رفضها لهذه الصفقة وأن تتجه نحو الوحدة الفلسطينية، فالوحدة الوطنية سلاح يدمر أية احتلال. جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة