منذ سبعة عقود ولا زالت الأونروا الشاهد الأخير على الجريمة النائمة التي ارتكبتها عصابات الاحتلال بحق ما يزيد عن قرابة المليون فلسطيني هجرتهم ونكلت بهم وحولتهم من مواطنين آمنين في وطنهم إلى لاجئين هائمين على وجوههم دون مأوى او مستقبل لهم؛ وتتحمل الأممالمتحدة المسؤولية المباشرة عنهم خاصة وأنها هي من أصدرت قرار تقسيم فلسطين ومنحت اليهود الحق في إقامة وطن لهم في فلسطين . وتعتبر الأونروا هي التوثيق الدولى الوحيد لوضعية اللاجئ الفلسطيني خاصة وأن اتفاقية جنيف واتفاقية 1951 لحماية اللاجئين وضعت شرطا أساسيا لخضوع أى لاجئ لأحكامها مفاده أن لا يكون هذا اللاجئ خاضع لرعاية أى منظمة تابعة للأمم المتحدة؛ وهو ما يجعل اللاجئين الفلسطينين قانونيا غير مشمولين بأحكامها. وهذا ما يوضح أهمية وكالة الغوث الدولية للاجئين « الأونروا» لتوثيق قضية اللاجئين الفلسطينيين؛ وإلغائها سيعنى خضوع اللاجئين الفلسطينيين لاتفاقية جنيف وهو ما يعني إعادة تعريف للاجئ الفلسطيني وهو ما يعني إسقاط صفة اللجوء عن اللاجئين الفلسطينيين الذين يتمتعون بأى مواطنة في أى دولة مثل لاجئي الأردن وكذلك من هم في أراضى السلطة الوطنية ويحملوا الهوية الفلسطينية؛ وضمن ذلك لن يتبقى من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في الأونروا اليوم إلا أولئك الذين لا يحملون أى هوية مواطنة وعددهم طبقا للإحصاء مئة وثمانون ألف في لبنان وستون ألف في غزة ممن لا يحملوا الهوية وفى باقى الدول العربية قرابة ربع مليون لاجئ؛ وفى المحصلة فإن عدد اللاجئين الذين سيكونون خاضعين لاتفاقية جنيف للاجئين بعد إنهاء خدمات الأونروا في أحسن الأحوال لن يتجاوز النصف مليون فلسطيني؛ وهذا رقم يمكن للعالم التغامل معه عبر توطين أولئك حيث يقيمون أو اعطائهم الحق باللجوء فى أى من تلك الدول الموقعة على الاتفاقية والتى غالبيتها دول أوروبية. وهذا ما تسعى إليه الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل ضمن صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية . ويدرك الاتحاد الأوروبى ودول العالم بأن سعى الإدارة الأمريكية في ظل إدارة ترامب لحل الأونروا يعنى أن تلك الدول هي من ستتحمل المسؤولية الاقتصادية عن أولئك الستة مليون لاجئ؛ لذا تتجند تلك الدول منذ عام لمنع إسقاط الأونروا؛ ولكن هذا التجند نابع في الأساس لإدراكها أن الإدارة الأمريكية الحالية غير سابقاتها من الإدارات وأنها لم تعد مستعدة بالمطلق لتمويل أى عمل دولى بالمال الأمريكى الذى كان معهودا في السابق، فالإدارة الأمريكية الحالية تحولت إلى إدارة جابية للأموال من العالم. إن حالة الشيطنة التي تتعرض لها الأونروا عبر التضخيم الإعلامي للتحقيقات بتهم بالفساد إنما هي في الحقيقة حلقة جديدة من مسلسل بدأ منذ عامين لإظهار الأونروا على أنها مؤسسة فاسدة عديمة الفائدة والأفضل للعالم أن يتم حلها، ولكن الواقع أن كل ما يجرى هو مخطط محكم المراحل لإنهاء الأونروا ، وأى مؤسسة دولية وعلى رأسها الأممالمتحدة بكل منظماتها يوجد بها أخطاء وفساد ومحاسبة؛ وهذا لا يعنى أن يستغنى العالم عن تلك المنظمات الحيوية لأمن العالم السياسى والاقتصادي بل يصار إلى تقويمها وتصحيح أخطاء موظفيها وليس إلى حلها. إن التوقيت الحالي لكشف ما يعرف بالفساد في مؤسسات الأونروا هو توقيت مشبوه يضع علامات استفهام عديدة حول الأهداف الحقيقية من إثارته في هذا التوقيت. وأمام ما تقدم يجب أن نعي أن ما يحاك من مؤامرة على الأونروا يوجب علينا نحن الفلسطينيين أن نكون أكثر إيجابية مما نحن عليه اليوم؛ وأن نساهم في دعم الأونروا وذلك من خلال مؤسسات المجتمع المدنى في كل مخيمات اللجوء بإسناد الأونروا والدفاع عنها بصفتها الحامى الأساسى لقضية اللاجئين الفلسطينيين ليس فقط بالكلمة والموقف بل بالعمل الشعبى والجماهيرى والاحتجاجى ضد مؤامرة إسقاطها. وعلينا أن نعترف أن ردة فعل اللاجئين الفلسطينيين منذ عامين كانت متواضعة مقابل ما يحاك من مؤامرة ضد الأونروا فلم نرى أى مسيرات احتجاجية منظمة وممنهجة في مخيمات اللجوء واكتفنيا فقط بالشجب والاستنكار وبعض الوقفات هنا وهناك والتي لا تتعدى العشرات. لذا على اللاجئين الفلسطينيين في العالم بأسره وفى مخيمات اللجوء بشكل خاص أن يبدأوا بخطة عمل ممنهجة واستراتيجية لحماية بقاء آخر شاهد قانونى على جريمة التطهير العرقى التي ارتكبتها الصهيونية وتحولت إلى جريمة نائمة يراد دفنها اليوم وإلى الأبد. إن تصفية الأونروا أحد أهم أحلام إدارة ترامب وإسرائيل .. فلا تدعو حلمهم يتحقق ونتوه في العالم مرة أخرى.. أنقذوا أخر قارب يحمى اللاجئين لتنقذوا به ما تبقى من فلسطين .