ولو أني لا أثق ولا أومن ولا أراهن، على الأحزاب والعملية السياسية الحزبية، بشكلها وشروطها الحالية، وأجدها نسخا متشابهة، تتنافس على الريع والمناصب والمصالح. لكن لابأس بالتعليق على ما آل إليه وضع “البام”، من تغير خطابه وتغير رأسه، رغم ما قد يبدو للبعض من أنه تغير شكلي. لكن بعض الشر أهون من بعض، كما قال الأوائل. رغم أن الأحزاب من الممكن أن تمارس أدوارا مهمة جدا، في الدفع بالعملية الديمقراطية وبعجلة التنمية، وتحسين الأوضاع، وإبعاد البلد عن منطقة الخطر، وإن بالشروط المتوفرة في بلد كالمغرب، وبالرغم من أنها لاتشكل تهديدا ولا يمكن حتى أن تكون منافسا للحكومة الحقيقية الماسكة بزمام جميع الأمور. بالرغم من ذلك كله، يتم التدخل فيها بالأشكال المباشرة وغير المباشرة، وصناعتها ونفخها وتحجيمها وتمطيطها وتقليصها… لقد أفقدت عمليات التدخل في الشأن الحزبي، طعم الممارسة السياسية، والرغبة في الانخراط فيها، والثقة في خطابها، والأمل في وعودها، والعزوف عن أنشطتها وفعالياتها، لدرجة أصبحت الأحزاب تشجع على العزوف من تلقاء نفسها، دون حاجة لأي تدخل. ومع ذلك استمرت عمليات التدخل، مبخسة للعملية الانتخابية، قاتلة للعملية السياسية، محرجة لأحزابها، مخلفة شعورا باليأس لدى المواطن. بقيت الحكومة الحقيقية، منشغلة بمنافسة الأحزاب، رغم أن سقف كل الأحزاب، تحت سقف المنافسة بكثير، ولا تخطر لها أي منافسة على بال، فهي تردد صباح مساء أنها مع الاستقرار والثوابت والملكية والدستور وإمارة المؤمنين، وأنها كلها أغلبية ومعارضة، تابعة لصاحب الجلالة، تأتمر بأمره وتنته بنهيه، ونقاد لتوجيهاته وتسير على خطاه بالرغم من ذلك استمرت عمليات التدخل المختلفة، كأنه لاشيء يستحق الانشغال به، سوى التنافس على لقب من هو الفاعل الأول في البلاد، ومن يحظى بالشعبية، وأي خطر ستمثله أية جهة كسبت الشعبية!! الأحزاب بدورها، فهمت أنه لامجال لعمل جاد، ولا لإصلاح حقيقي، ولا لعملية سياسية أو انتخابية مستقلة، فراحت تتصارع وتتنافس على الزعامة والمنصب والاستوزار. طالما أن الافق محدود، ولا مجال للإبداع، والديمقراطية منعدمة، فلا أقل من أن يخرج الإنسان بمنافع شخصية، تقيه عاديات الزمن، وتعوضه عن سنوات الصراخ. ظهرت التيارات والتحالفات من خارج الأحزاب، والحركات التصحيحية والانشقاقات داخلها، كلها بغرض الفوز بنصيب من الكعكة، ومنهم من أخذ نصيبه راتبا سمينا للتقاعد، فكان ذلك هو إنجاز حياته، وفاكهة نضاله، ومنهم من لازال يناضل ويبحث ويكافح ويشاغب، وهو مستعد لأن يبدل تبديلا، ويتحول إلى الضفة الأخرى تحويلا. الخلاصة أن الحكومة الحقيقية وكومبارس الأحزاب، فهما الدور جيدا، وأصبحا يرقصان على نفس الإيقاع. والمشكلة أنه بعد عقود، شاخ الممثلون وهرموا وانكشفوا، واستهلكت موارد كثيرة، وبدأ الجمهور يمل وينفض، إلى أن وصلنا للوضع الحالي، والذي كان منه وصول عبد اللطيف وهبي لرأس حزب الأصالة والمعاصرة. السؤال هل صعود وهبي، يأتي ضمن تجديد الكومبارس، أم ضمن صراعات الزعماء على نصيبهم من الكعكة، أم هو بداية لتدارك الأمر، وترك الأحزاب تقرر مصيرها بيدها؟ شخصيا أتمنى أن يكون الجواب على سؤالي هو الجواب الأخير، وأعتقد أن المنطق والعقل والحكمة والاستقراء والتجربة والتاريخ والواقع والمصلحة، كلها تقول ينبغي أن يكون هذا الجواب، هو الجواب الحقيقي. تم تجريب صناعة أحزاب الكوكوت مينوت، والتحكم في القيادات، وشق الأحزاب، وافتعال انقلابات داخلها، والعرقلة والبلوكاج والتحريض… ولم يؤدي ذلك إلا إلى تدهور الوضع السياسي، وتدهور باقي المجالات معه. تم تجريب صراعات الديكة التي يمارسها زعماء الأحزاب، من اتهامات مضحكة لبعضهم البعض، وإعلان آخرين أنهم ماجاؤوا إلا ليبيدوا خضراء خصومهم، ويغزوا حصونهم، ويمسحوهم من الوجود، طبعا يقولون هذا لأنه ليس هناك شيء آخر يفعلونه كأحزاب، في ظل انسداد الأفق، فلا أقل من أن ينشغلوا بالصراع، لكي يكون لوجودهم مبرر. بعد تجريب الأحزاب وزعمائها لهذه الوصفة، اكتشفوا أنهم انخرطوا في مرحلة من العبث، ومتاهة من الضياع. إذ ماذا يهمني أنا كمواطن جائع فقير، أو مريض أو أمي، كعامل أو طالب أو باحث، كمعطل أو مقاول، كمبدع أو مخترع، كمحافظ أو حداثي، ماذا يهمني أن تقضي على هذا الحزب، وتبيد ذلك التيار، وتتهم هذا بالخيانة وذاك بالكفر… تصريحات وهبي وخطابه، يبدو مطمئنا في هذا الجانب أي جانب الصراع المفتعل، وإشغال المواطنين بالحروب الدونكيشوتية، فهل هو خطاب استهلاكي التفافي تمويهي، لسحب البساط، وضخ الدماء… أم تراه يقظة وانتباه ومراجعة؟؟ أتمنى بكل صدق أن تكون الأخيرة، كما أتمنى أن تكون هناك تغييرات على هذه الشاكلة داخل كل الأحزاب، وأن يتم إنهاء حكم تلك الموميئات داخل كل الاحزاب، والقطع مع خطابها البئيس. أتمنى أن ترفع الحكومة الحقيقية يدها، وتترك للأحزاب فرصة للتفاعل والصراع الداخلي، لتفرز مايريده قواعدها، وتتيح لها هامشا كبيرا من أجل المبادرة والتغيير، لكي ترجع الثقة للعملية السياسية. سيكون الامر مفيدا للجميع، وسنوفر على أنفسنا سنوات أخرى طويلة وأموالا طائلة. سنجنب أنفسنا تكلفة باهظة، يؤدي ثمنها الجميع، ربما تُفرض علينا، أو نُضطر إليها، إذا بقيت الأبواب هكذا موصدة، والعجلة متوقفة. جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة