حاوره : لحسن سكور في هذا الحوار حول موضوع المشاركة السياسية للشباب يرى الدكتور محمد عبدالوهاب العلالي أستاذ باحث و رئيس شعبة السمعي البصري في المعهد العالي للإعلام والإتصال بالرباط أن ظاهرة تشابه وإغتراب الخطابات والبرامج السياسية لكوكبة واسعة من الأحزاب و انخفاض مستوى مصداقية القيادات والزعامات الحزبية وتدني منظومة القيم وأخلاقيات العمل السياسي عوامل تقف وراء توجس الشباب المغربي من السياسة .
برلمان.كوم : من وجهة نظر سوسيولوجية ما السبب في توجس الشباب المغربي من السياسية؟ محمد عبد الوهاب العلالي : بداية يجب الدقيق اذا نعني بالشباب سوسيولوجيا وماذا نعني بالسياسة ؟ ثم ما العلاقة بينهما ؟ وبهذا الصدد إذاكان الشباب بالمعنى النفسي يعني فترة العمر الواقعة بين مرحلة وعي الطفل بنفسه وذاته إلى مرحلة الاستقرار حوالي الثلاثين ، ومن الناحية البيولوجية النفسية مرحلة تتكون فيها الملامح والتطورات الفيزيولوجية التي تميز لحظة الانتقال من الطفولة إلى الشباب ومنه أيضا إلى النضج، فمن الناحية السوسيولوجية يعني في المجتمع المغربي نسبة تصل تقريبا إلى % 65 من مجموع ساكنة المغربية المتسمة بميزة الاندفاع والعطاء المتواصل بالحماسة و بالجرأة واتصال مع ما يعتمل داخل المجتمع المغربي من تفاعلات إيجابا أو سلبا. وهي فئة غير متجانسة تعبر عن أشكال مختلفة من التعدد والتنوع وحتى التناقضات السائدة داخل المجتمع المغربي.و هو ما يجعلها سوسيولوجيا فئة ذات أهمية أساسية وإستراتجية داخل المجتمع المغربي . أما السياسة فهي النظام كما هو قائم أو مأمول وذلك بكل ما يحيط بهذا النظام من بنى وتنظيمات وقوى سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية ومجموعات ضغط و قوى المجتمع المدني تتنافس وتتصارع من اجل القوة التي تمكنها من السلطة والحكم. وإذا كان الشباب متوجسا من السياسة وخارج معادلة التنافس كقوة حاضرة وفاعلة في الممارسة السياسية، فإن ذلك يؤثر سلبا وبشكل كبير على مكانته الأساسية والإستراتيجية داخل المجتمع المغربي. وهذا مظهر من مظاهر الانفصام القائمة بالمجتمع المغربي المتسم بعدم تبوأ الشباب المكانة اللائقة به على مستويات متعددة. هذا أفضى إلى ظاهرة العزوف ؟ لماذا ؟ و ما هي في نظركم مسبباته ؟ هذا شئ يقر به الجميع ، فمنذ بضعة عقود ومع التطور الإيجابي للانفتاح الديمقراطي ببلادنا – على بعض علاته ونواقصه – شكلت ظاهرة العزوف الإنتخابي رسالة قوية لكل الفاعلين بأن كل ما جرى من تطور هام للمسار الديمقراطي في المغرب غير كاف لاستعادة ثقة فئات واسعة من الشباب وحتى من فئات اخرى وأن الشباب ينتظر انتقالا ديمقراطيا حقيقا لا مسكنات. أما عن المسببات فهي عديدة وأكتفي هنا ببعض عناصرها الأكثر أهمية : أولا : التنشئة الأسرية والتنشئة السياسية التي ربت أجيال وأجيال من الشباب على الخضوع والقمع والممنوعات والتضييق على حرية التعبير والمبادرة واعتبار أن التعاطي مع الشأن العام والسياسة مغامرة غير مضمونة العواقب. ثانيا : الإرث المرتبط بالماضي السياسي لبلادنا وخاصة سنوات الرصاص الذي بصم الحياة السياسية المغربية بتحكم الدولة وممارسة سياسة القمع والتزوير للانتخابات وخلق كائنات سياسية ونخب زائفة . ثالثا: واقع المجال السياسي المغربي المتسم بمميزات سلبية يمكن تحديدها في : عدد فوق الحاجة من الأحزاب السياسية ، وبرامج غير دقيقة أو شكلية ، وغياب الديمقراطية الداخلية ، وهيمنة رجال الجهاز أو البيروقراطية الإنتفاعية الحزبية وسياسيين تبنوا السياسة كمصدر رزق ومصالح ، وشخصنة المؤسسات السياسية في الزعيم الأوحد ، إنخفاض درجة إلتزام السياسي ، وإنخفاض بل وحتى إنعدام الأخلاق السياسية ، وخطابات سياسية مغربة، وحضور شكلي دعائي أو إستعراضي و مناسباتي في الفضاءات الشعبية، ناهيك عن الصراعات على المناصب والتزكيات وإعتبار المؤسسات السياسية مجال من مجالات الإستفادة من الدولة وقضاء بعض المصالح من لدن بعض اللوبيات وجماعات الضغط المشكلة من برلمانيية ومنتخبين وغيرهم . هذه صورة جزئية لأسباب خصومة الشباب مع السياسة . كم من الجهود يجب القيام بها لتغيير هذا الواقع؟ للتصدي أو التعامل مع معطيات خلقها نظام سابق أصبحت تشكل عائقا لتطوير نظام بديل ومصدر قلق للنظام برمته؟ هل شكلت محطة 20 فبراير لحظة مصالحة بين الشباب و السياسة بالمغرب و لو جزئيا ؟ لا بد من الوقوف عند حقيقة تاريخية مفادها أن الشباب لعب ادوارا مهمة في الحياة السياسية في مراحل مختلفة من تاريخ المغرب المعاصر في النضال من أجل نيل استقلال البلاد ومن أجل تطوير المسلسل الديمقراطي.ويكفي الرجوع إلى السيرة الذاتية لزعماء الحركة الوطنية بكل اتجاهاتها للوقوف على حقيقة أن الحركة الوطنية تشكلت بقيادات من الشباب بالأساس. و لا يمكن أن ننسى الدور الذي لعبه الشباب في الإتحاد الوطني لطلبة المغرب وفي العمل الثقافي داخل الجمعيات وهيئات المجتمع المدني والنقابات والمنظمات الشبابية التابعة للأحزاب السياسية والعديد من الشباب المستقلين في لحظات مد وتنافس وصراع سياسي اتسم بالحدة والعنف وآداء ضريبة النضال . كما أن الشباب لعب ادوار رائدة في مختلف الحركات الإحتجاجيةالتي شهدها المغرب في العقدين الأخيرين. وفي لحظة إنحباس داخلي ، وضمن مناخ عربي ودولي خاص ظهرت حركة 20 فبراير سنة 2011 كقوة دافعة لتطوير المسار الديمقراطي المغربي عبرت عن حضور شامل للمغاربة في الفضاء العام بمطالب نوعية ذات طبيعة سياسية واجتماعية واقتصادية اتسمت بالجرأة وبالتعبير بصوت مرتفع ومكشوف، كما إتسمت بالروح السلمية بدل العنف وعبرت عن مكامن الفساد في اعلى هرم السلطة . وهو ما نتج عنه استجابة سريعة وحكيمة للمؤسسة الملكية بتلبية جل مطالب حركة 20 فبراير تجلت في أرقى صورها في إقرار دستور 2011 وما نص عليه من تحولات نوعية . وهو ما يمكن اعتباره مصالحة للشباب مع السياسة . لكن هنا لا بد من التمييز أن مصدر هذه المصالحة وتكون هذه القوى الشبابية الجديدة لم يأت من الهياكل التقليدية للأحزاب. نحن هنا أمام مظاهر ومعطيات جديدة للممارسة السياسية. فعملية المصالحة و لو ظرفيا لم يقم بها “المناضلون” والأعضاء “المنتسبون ” للأحزاب السياسية أو بالأحرى أن دورهم كان ضعيفا. فمصدرها الأساسي جاء من الكتلة الجديدة ل”النشطاء” من الفئات الجديدة التي ولدت في حضن الشبكات الإجتماعية وحولتهم من كتلة صامتة يعتبرها الكثيرون ضمن صور نمطية مبسطة منتشرة على نحو واسع بأن همها الأساسي هو البحث عن علاقات غير جدية، وعن علاقات عاطفية أوالبحث عن الحبيب إلى قوى فاعلة استطاعت أن تهدي للمغاربة مكتسبات هامة. إن العبرة التي يمكن إستخلاصها مصالحة الشباب مع السياسة من خلال حركة 20 فبراير تكمن في أن والسلوك الاحتجاجي السلمي السياسي المنظم يفتح افاق حياة سياسية طبيعية تفتح الباب واسعا للإنصات لنبض المجتمع وتصليح الأعطاب القائمة وتحقيق نقلة جديدة للنظام السياسي كنظام مفتوح نحو تصحيح نواقصه. لماذا مشاركة الشباب في الاستحقاقات الانتخابية بالمغرب متواضعة سواء من حيث التقدم للانتخابات للتصويت كناخب و الترشح كفاعل حزبي ؟ سؤال المشاركة السياسية يعيد طرح نفسه بشكل قوي خاصة بعد نسب المشاركة الضعيفة في الانتخابات الأخيرة رغم الحملة التسويقية الإعلامية للحكومة. السؤال المثير هنا هو : لماذا كلما تقدمنا في صياغة المشروع الديمقراطي المغربي كلما برزت ظاهرة العزوف السياسي كتحدي حقيقي ؟ الأمر في حقيقته يؤشر على درجة منخفضة من الثقة في نظام التعددية الحزبية في علاقته بدور المؤسسة الملكية الواقعي في النظام السياسي المغربي ،فهذه نقطة مركزية للتحليل . باقي العناصر تختلف مستواياتها لكنها تمس المنظومة السياسية ومكوناتها. وهنا نحن أمام ظاهرة تشابه وإغتراب الخطابات والبرامج السياسية لكوكبة واسعة من الأحزاب.و إنخفاض مستوى مصداقية القيادات والزعامات الحزبية وتدني منظومة القيم وأخلاقيات العمل السياسي وفساد الهياكل والمؤسسات. أي بكلمة أخرى ، فالعزوف السياسي يعبر عن أزمة حقيقية في الثقافة السياسية السائدة . إذا كان المواطن يعرف أن المشاركة السياسية سلوك مسؤول وجاد وعمل أخلاقي يلزم السياسي فماذا ننتظر عندما يكون السياسي – القيادي والنموذج هو أول من يدوس كل هذه القيم؟ ويكون البرلمان بمثابة فرجة بدون مذاق ؟ و ماذا سيكون سلوك المواطن عندما تكون الدولة أول من يخرق قوانين وتعهدات هي من وضعها؟ هناك إجراءات لتحسين حضور الشباب في المؤسسات وهذا شئ مهم لكن تربية الأجيال الجديدة على نفس قيم الولاءات والفساد والخواض باللغة الدارجة سيكون وبالا على العملية السياسية برمتها. هل يعني هذا أن الأحزاب لا تؤدي دورها كما يجب في هذا الشأن ؟ الأحزاب السياسية تؤدي في نماذج عينية ملموسة في الواقع المغربي دورا معكوسا وتقتل نفسها بنفسها عندما تغيب الديمقراطية الداخلية أو عندما تتجه بعض القيادات المغشوشة إلى حماية مواقعها ومصالحها من خلال التحكم في الأجهزة الحزبية وفرض معايير ديمقراطية مغشوشة تسمح ببقائها في السلطة الحزبية لأطول فترة ممكنة وخلق بلطجيات تابعة لها همها الأساسي إبعاد كل ذوي النيات الطيبة والنزهاء والكفاءات الفكرية التي تزخر بها البلاد عن منافستها. و في واقع من هذا النوع تتحول العملية السياسية داخل الأحزاب السياسية ليس إلى صياغة برامج سياسية دقيقة وواضحة قريبة من هموم الناس وقواعد للتداول على مواقع القرار بشكل ديمقراطي، بل إلى تنصيب أعيان وحراس للمواقع وخدم وحاشية يعلنون الولاء التام للزعيم ودائرته الضيقةعلى الأبيض والأسود. وحتى إذا وجدنا أحزابا تعلن في برامجها ووثائقها عن قواعد ومعايير ما فالتطبيق في الواقع لا زال بعيدا وبعيدا إلى إشعار آخر. ماذ نخلص من كل هذا؟ الجواب واضح : إن غياب الديمقراطية الحزبية سبب هشاشة الأحزاب الساسية المغربية وضعفها،وأساس تأفف كثير من النخب والطاقات المستنيرة بالمجتمع وفئات واسعة من المواطنين ومنهم جزء كبير من الشباب من الإنخراط في العمل السياسي.وتبقى بعيدة عن صناديق الإقتراع. ما هي السبل الكفيلة لإعادة الثقة لدى الشباب في العمل السياسي؟ الأمر في غاية الأهمية وفي غاية الصعوبة : يجب أن نتوجه إلى عمق الأشياء وليس إلى بعض مظاهرها وتجلياتها. نحن بحاجة إلى إصلاح حقيقي لمواطن الخلل والإطار العام المهيكل لكل العملية السياسية ببلادنا.و هو ما يعني أنه يجب إعادة صياغة العلاقات بين الفاعلين الأساسيين على اسس واضحة وشفافة ونزيهة.مما يعني منح إستقلالية حقيقة للمؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية لتقوم بما هو مناط بها من مهام دون تدخل أو توجيه ماعدا ما هو منصوص عليه قانونيا. والأمر الثاني يتعلق بإجراءات لأعادة هيكلة الحقل السياسي وفق معايير موضوعية وعقلانية تساعد على تاهيل الأحزاب وتخصيب الديمقراطية الداخلية وإستقلالية القرار السيادي للمؤسسات الحزبية وباقي المؤسسات، وتخليق حقيقي شامل للعمل السياسي داخل الأحزاب وفي المجالس المنتخبة والبرلماتن وباقي المؤسسات ذات الصلة وصيانة العمليات الإنتخابية من التزوير والتلاعب ، لعل ذلك يساهم في حل أزمة الديمقراطية التمثيلية والنفور المتزايد من صناديق الاقتراع، ورفع نسبة المشاركة والحد من تصاعد الأحزاب ذات المرجعيات المتطرفة. و الأمر الثالث يتعلق بتنمية التواصل السياسي مع الناس والمؤسسات .فوسائل التواصل المختلفة تلعب أدوار رئيسية في التأثير في القضايا السياسية، ومن شأن توظيفها وفق قيم مرجعية حداثية وبإحترافية وإعتماد على كفاءة تواصلية أن تجعل خطابا سياسيا جريئا وصادقا ينفذ إلى اعماق الناس ويغير الموازين.