ما أجمل المقولة التي نطق بها العلامة المغربي الدكتور مصطفى بن حمزة حين قال:” إن الجهل هو أخطر ما ابتليت به الأمة” (1). وقد تأكدت لي مصداقية هذه المقولة أكثر وأنا أقرأ مقالا لأحد البهائيين (2) المغاربة وهو يتحدث عن الدين في علاقته بضرب الطفل وتعنيفه حيث قال: “الدين يُعلم الآباء أن على أطفالهم أن يطيعوهم طاعة عمياء. كما يدعو التعليم الدّيني الآباء إلى أن يكونوا دكتاتوريين للسيطرة على قبيلة أسرتهم بالعنف في حالة العصيان. الدين يوصي الآباء كذلك بضرب الطفل في سن السابعة إذا كان يرفض الصلاة”. إن الجهل مرآة تعكس فكر صاحبها، لأن الحديث عن الطاعة العمياء هو حديث مرتبك أريد به تلبيس الأشياء على الناس، أي لا أحد ينكر بأن الدين يأمر بطاعة الوالدين، ومثله حاصل في كل الملل والنحل، لقد علمنا أن أما أمريكية فرضت أربعة عشر شرطا على ابنتها المراهقة مقابل أن تقتني لها هاتفا، والبنت تقبلت الشروط بكل فرح وحبور وأريحية لعلمها أن سلطة الآباء لمصلحة الأبناء، كما شاهدنا وشاهد الكثير من الناس شريطا مصورا تظهر فيه امرأة، من ولاية تكساس، وهي تعمل على تكسير هواتف أبنائها في الحديقة الخلفية لمنزلها لشعورها بأن هذه الأجهزة قد شتتت أسرتها ودمرت العلاقات داخلها، ولا أحد في أمريكا قال بأنها أم دكتاتورية ولا قال عن أبنائها أنهم يعانون من مرض اسمه الطاعة العمياء، إلا عندنا يريد البعض أن تعم الفوضى والعبث وتعطى الصلاحيات للكل أن يقرر في كل شيء دون قيادة تتحمل مسؤولية التدبير والتسيير، فضلا عن هذا فإن النساء المسلمات لم يشترطن شروطا عند اقتناء هواتف لأبنائهن ولا عملن على تكسيرها في الحدائق، فأن توصف هذه الطاعة بالعمياء هو العمى بعينه. لنقف أولا عند كلمة عمياء فماذا يقصد بها؟ إن الطاعة العمياء للوالدين هي الطاعة التي تجعل الوالدين يأمران بدون ضوابط، والأطفال يستجيبون وكأنهم آلات صماء بكماء لا تفكر، أي يتلقون الأوامر بأعين عمياء، وليس في كل الحالات يكون حديث الآباء عبارة عن أوامر، وهو الأمر الذي لا يمكن حدوثه في دين كالإسلام، أي توجيهات الوالدين منضبطة وفق ضوابط ومبادئ وقيم حيث لا يمكنها أن تخرج عن الصواب والمعقول، أو أن تتحول إلى توجيهات تعود بالضرر على الأطفال، فجميع ما يصدر عن الوالدين، شرعا، وجب أن يكون وفق ما يأمر به الشرع، أي لا يمكن أن يتم الأمر إلا بما يدخل في إطار “المعروف”، وبالتالي فيه فائدة للطفل الذي يحتاج في هذا السن إلى توجيهات تبين له الخطأ من الصواب والحلال من الحرام. فالأسرة مؤسسة يديرها مدير هو الأب ونائب عنه هي الأم في حالة غيابه، وجميع المؤسسات والإدارات مدراؤها يعطون تعليمات ويصدرون أوامر حتى تستقيم الإدارة وتستقيم المؤسسة وبالتالي تحقق الأهداف التي من أجلها وجدت، وفي نفس الوقت حتى تجتنب الإفلاس والكساد والتردي، فلماذا إذن يستكثر البعض على مؤسسة الأسرة أن تقيم نظامها حفاظا على كينونتها ووجودها وحتى تصل إلى بر الأمان بأبنائها، ولا يتم الإنكار على المؤسسات الأخرى التي، تصدر أحيانا، عقوبات قاسية في حق موظفيها وأعضائها؟ إن الكاتب يتحدث عن دين الإسلام من خلال ما يفعله المسلمون، في حين أن الناطق الرسمي باسم الإسلام هو الكتاب والسنة، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خدمه أنس بن مالك رضي الله عنه طيلة عشر سنوات (3) فما قال لشيء لم يفعله ألا فعلته ولا لشيء فعله لما فعلته. وذات يوم أراد أنس عمدا أن يمتحن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة، فترك أنس السعي إلى الحاجة وذهب ليلعب مع أقرانه، فتبعه عليه السلام ووضع يده فوق كتفه فلما التفت أنس وجد رسول الله يبتسم فقال له: يا أنيس اذهب حيث أمرتك. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بمثابة الأب لأنس، فلم يغضب منه ولا نهره ولا قمعه ولا ضربه ولا شتمه. وهذا هو الدين وهكذا ينبغي أن تكون معاملة الأطفال في الإسلام. أما إذا انحرف الناس عن المنهج فوجب الحديث عنهم هم لا عن الإسلام. أما عن الضرب في سن السابع فمن قال إن الإسلام يأمر بضرب الطفل في سنه السابع؟ وهذا جهل آخر لأنه قول بدون علم، فالحديث يأمر الآباء بأمر الطفل بالصلاة وهو في سنه السابع ويأمرهم بضرب الطفل وهو في سنه العاشر، ولكن يجب أن نفهم الحديث جيدا، فالطفل عندما يؤمر بالصلاة وهو ابن سبع سنوات وسيظل يؤديها طيلة ثلاث سنوات يكون قد صلى 5475 صلاة، وعلميا من يقوم بالشيء كل هذه المرات المتكررة طيلة ثلاث سنوات حتما ستترسخ في عقله وقلبه ووجدانه، والشيء إذا تكرر تقرر، أي إذا حرص الآباء عن طريق التحفيز والترغيب والتشجيع والتحبيب في الصلاة فأداها الطفل حبا ورغبة حتما سيشب عليها، وبالتالي لن يكون هناك حديث عن الضرب مع التحفظ عن معنى الضرب وطبيعته. فلو كان الإسلام يعتمد على الضرب في التربية لأمر به قبل السن العاشرة يوم كان الطفل يتحدث بلغة العناد والتمرد ويسبح ضد تيار الآباء إبرازا لشخصيته واعتيادا بذاته، أما والطفل قد بلغ العاشرة فشخصيته قد نمت واكتملت سوية دون ضرب ولا عقاب بل بتعليم وصحبة وتوجيه، مما يعني أنه أصبح يميز بين الأشياء ويستوعب الخطاب، والضرب إن ذكر فلم تذكر كيفيته أي لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثلا، على الأب أن يحمل عصا وينزل بها على رأس الطفل، ولا قال: على الأب أن يحمل السوط ويجلد به ظهر ابنه، وللأسف هذا ما يتخيله المبطلون. فإذا وخزتك بعود أرك أكون قد ضربتك، أو إذا غضبت منك أكون قد ضربتك معنويا أي عاقبتك، وقبل الحديث عن كيفية الضرب وشروطه وجب التنبيه على أهمية السياق الذي ورد فيه، أي لم يتم الحديث عن الضرب إلا في حالة الاستهانة بالصلاة التي هي الرابط بين العبد وربه، وفي حالة التفريط فيها يتم تأديب الطفل بطريقة خفيفة تناسبه بحيث تكون أنسب لكي يستوعب رسالة كون التفريط في الصلاة أمر غير مقبول إطلاقا، وربما لهذا السبب لم يرد الحديث عن الضرب في التربية إلا في حالة التفريط في الصلاة، كما أن العلماء يحددون خمسة شروط في الضرب، إن كان ولابد، كما يقول الإمام شمس الدين الألبابي في كتابه رياضة الصبيان: فالشرط الأول ألا يضرب الضارب في الوجه لأن الوجه يمثل كرامة الإنسان، والشرط الثاني أن لا يضرب الضارب فوق ثلاث، والشرط الثالث أن لا يرفع يده فوق إبطه، أي وجب عليه تقريب يده من يد الطفل حتى لا يؤلمه، ورابعا أن لا يضرب في المكان الواحد ضربتين، وخامسا أن يكون هناك وقت بين الضربة الأولى والثانية حتى يخف ألم الضربة الأولى إن وجد. ثم يقول: إنما جازت عقوبة الصبي لظن إفادتها زجرا أو إصلاحا، فإذا ظن انتفاء فائدتها فلا مقتضى لجوازها. يبدو أن الإمام شمس الدين قد حسم الأمر بربطه لاستعمال التأذيب والعقوبة بضمان تحقيقها لنتائج ملموسة وإلا فلا جواز لها، كما يبدو من خلال الشروط التي ذكرها أن هذا ليس ضربا بل إشارة مفادها أنك فرطت في أفضل عبادة وأهم رابط بينك وبين ربك. وبوجود الكثير من الرفق فيه يكاد يكون ضربا مضحكا، ولكن الجهال ينسجون من هذا الحديث خيوطا إرهابية يلصقونها بالإسلام، وكأن الطفل يصبح ويمسي على الضرب، أو كأنه حدد كعدو لوالديه، أو كأنه وعاء من الرمل والقش معلق في باحة المنزل حتى يمارس الأب عليه رياضة العنف والضرب والملاكمة، كما أن الطفل حتما سيتساءل لماذا لم أضرب عن أي شيء فعلته في حياتي إلا في حالة واحدة وهي الصلاة وحتى ضربي تم بشكل غير مؤذي تنبيها لي بقيمة الصلاة في حياتي كعبد لله سبحانه. فلو كان الضرب مأمورا به شرعا لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر الناس ضربا لأبنائه لأن ما من أحد يسبقه عليه السلام في امتثال أوامر ربه، ولهذا لم يضرب لا طفلا ولا أمة ولا رجلا ولا امرأة. فضلا عن هذا فهو قدوة حسنة لكل الذين يرجون الله واليوم الاخر، وبالتالي فمن باب هذه القدوة ليس للناس أن يضربوا أبناءهم رحمة بهم لأنهم أمانة الله عندهم ولأنهم فلذات أكبادهم وقرة أعينهم ومن الحمق أن يضرب الإنسان ابنه الذي يحبه. 1- كلمة مقتطعة من محاضرة ألقاها العلامة مصطفى بن حمزة بمسجد النور المحمدي بعنوان ” هل الاحتفال بالمولد النبوي بدعة؟” 2- يتعلق الأمر بمن يعتبر نفسه طبيبا نفسانيا وخبيرا في تحليل المجتمع المغربي والعربي، وهو رئيس الطائفة البهائية بالمغرب يعلن ذلك على الملأ ولا ينكره. 3- لقد خدم أنس بن مالك رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبة من أمه أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها، حتى لا يقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستعمل الأطفال الصغار، فعن أنس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن ثمان سنين، فأخذت أمي بيدي فقالت يا رسول الله: هذا أنس ابني فليخدمك ما بدا لك، قال: فخدمته عشر سنين، فما ضربني، ولا سبني، ولا عبس في وجهي. (رواه أبو يعلى وهو في سنن الترمذي) جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة