كنت دوما على خلاف أخوي مع بعض أعضاء جماعة العدل والإحسان بخصوص مكانة الأستاذ عبد السلام ياسين التي لا يجب، في اعتقادي، أن تنحصر في بناء تنظيمي وإن كان هو من أسسه ووضع لبناته الأولى، بل الرجل أكبر بكثير من التنظيم نفسه، فهو حتما رمز من رموز هذه الأمة. ومن ثمة، كنت أؤكد دوما أنه سيظل رحمه الله نموذجا للرجل الجامع بين خطي العدل والإحسان، بين الذكر والجهاد، بين العلم والعمل، بين الشدة على الظالمين والرحمة بالمستضعفين، بين الصائم القائم المتبتل، الخلوق، المتواضع لجلال ربه والسابح في نهار البذل والعطاء والدعوة من أجل إعلاء كلمة الله وجمع شمل رجالها. وهو بذلك، مثال قائم ونموذج حي لما يمكن أن تخرجه المدرسة الجهادية الإحيائية التي تقتفي آثار النبوة وتنهل من معين القرآن. الأكيد أنني لن أنسى ذلك اليوم الذي أخبرني فيه أحد أعضاء الجماعة بالاستعداد لزيارة الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله في مكان إقامته بسلا، أتذكّر جيدا أني لم أنم وقتها إلا سويعة من الزمن، متشوقا ومترقّبا لما سيتناوله الرجل الاستثناء في زمن الاستثناء، من مواضيع دقيقة ورسائل عميقة. كنت أعتقد حين ذاك، بأن سي عبد السلام سيغوص في مفاهيم الظلم والاستكبار، خاصة وأنه زمنئذ كان حديث عهد بالحصار والإقامة الجبرية، قبل أن يصدمني تناوله لموضوع الأخلاق الإيمانية كمظهر سلوكي يستوطن القلوب ويسلك فيها عبر قنوات العقل، ليحقق بعد ذلك شروط توبة نصوح تستمر باستمرار الحياة. الآن وبعد مرور سبع سنوات على وفاته، يخلد تلامذته وإخوانه في الجماعة ذكرى الوفاء تحت عنوان؛ محورية الأخلاق في فكر الرجل، وكأن الزمن يعيد نفسه. رحم الله فقيد الأمة الذي ساهم بجهده وماله وخبرته في بناء الإنسان وتربية أجيال من شباب المغرب الذين نهلوا منه معاني الأخلاق والصدق والمحبة والوفاء.