إن التحولات السريعة التي يعرفها المجتمع محليا والظروف الإقليمية والدولية التي تحيط به،إضافة إلى أوراش التحديث التي فتحتها الدولة المغربية تستوجب بناء إدارة جماعية فاعلة،لها من الوسائل القانونية والمالية والبشرية ما يكفي لتنفيذ اختياراتها التنموية على الأرض،وأن التدبير الرشيد للشأن الجماعي المحلي يستدعي توفير أدوات وآليات في الرقابة والمحاسبة ،للتأكد من انجاز الجماعة المحلية لبرامجها التنموية التي تخدم المصلحة العامة للسكان المستهدفين بها. لاتزال هناك العديد من الصعوبات والاكراهات التي تحول دون تحقيق التنمية المحلية المنشودة . يتضح ذلك من خلال الخصاص الذي تعرفه مختلف الجماعات الترابية في بعض المرافق العمومية والضرورية،والنقص الحاصل في الخدمات الأساسية وتطوير الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة للتنمية المحلية. إلا أن التحديات والمسؤوليات الكبيرة التي أصبحت الجماعات مطالبة بتحملها،جعلتها تواجه إكراهات قانونية وإدارية ومالية ،لتكريس دورها كفاعل مؤسساتي إلى جانب كل من الدولة والقطاع الخاص في جهود التنمية المحلية. إن الإكراهات والمعيقات التي تواجهها الجماعات الترابية عديدة ومتداخلة،ومرتبطة بطبيعة المسؤوليات والمهام المنوطة بها بالجماعات المحلية في مختلف مجالات التنمية سواء الاقتصادية منها أو الاجتماعية والتنموية.وتتمثل أساسا في في إكراهات قانونية وإدارية ومالية. إكراهات قانونية: من الشروط الأساسية لتطبيق حكامة جيدة لأي تنظيم مؤسسي أو إداري ،وجود نصوص قانونية محكمة تؤطر مختلف جوانب نشاطه واختصاصاته وهيكلته،وأي عيب يطال تلك النصوص القانونية سيصبح عائقا أمام حسن أدائه لمهامه.وفي هذا الإطار يأتي عدم تدقيق الاختصاصات،ذلك أن تحديد أغلب اختصاصات المجلس الجماعي تتصف بعدم الدقة ،فقد تم إنجاز اللامركزية في المغرب وفق تصور متمركز.وأغلب هذه الاختصاصات ممنوحة للدولة، الجهة، والإقليم أو العمالة، فكيف يكون الحديث عن اختصاصات ذاتية واختصاصات منقولة؟! إلى جانب ضبابية الاختصاصات التي تحيل على عدم وضوح المسؤوليات،وتنسيق الجهود من أجل التنمية وتشتت الجهود من أجل التنمية،يمكن تسجيل قصور نظام الوظيفة العمومية الجماعية،حيث يواجه تدبير الموارد البشرية في الجماعات الترابية (المحلية) مشاكل كثيرة لعل أهمها قانوني ،ذلك أن الوظيفة العمومية المحلية لا تستجيب لإكراهات التنمية الاقتصادية والاجتماعية،والتي لا تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية،بالاضافة إلى مشكل منهجي،حيث أن تدبير الموظفين الجماعيين يتم في الغالب دون الأخذ بعين الاعتبار أو التركيز على مواصفات من قبيل النجاعة ،الفعالية والمردودية. ومن تغيرات قانون الوظيفة العمومية المحلية الجماعية عدم تناسبه مع الأهداف المحددة للسلطات الجماعية،الأمر الذي يحول دون استجابتها لمتطلبات التنمية المحلية،حيث يتم تسجيل حاجة شديدة للأطر المتخصصة في مجالات: التدبير الحضري،التدبير المالي والمحاسبي ،أو في مجال العمل الاجتماعي،الثقافي وحماية البيئة. يشكل ضعف مردودية الهيئة المنتخبة وعدم وعيها بواقع المشاكل المحلية،ومحدودية دور الادارة الجماعية في التخطيط ،أهم الاكراهات الادارية التي تعيق التنمية. إن ضعف إلمام المنتخب بتقنيات اللتدبير الجماعي يعود إلى عوامل ذاتية،حيث لا تفرز الانتخابات الجماعية بالضرورة منتخبين أكفاء، بل منتخبين لهم شعبية ولهم أصوات.كما تم تسجيل غياب دورات تكوينية لفائدتهم للرفع من أدائهم في التدبير الجماعي. ويتجلى العامل الموضوعي في كون الجماعات تخضع بشكل دائم للتقطيع وإعادة التقطيع ،وكذا إعادة تنظيم مجالها الترابي،مما ينتج عنه عدم استقرار.حيث يكون من الصعب،والحالة هذه،وضع رؤية عامة أو برامج وأنشطة على المدى المتوسط أو البعيد لفائدة تنمية الجماعات المعنية،كما يلاحظ بأن السلطة المنتخبة لا تتوفر على وسائل تنفيذ قرارات الشرطة الادارية الجماعية حيث يضطر الرئيس-في حالات نادرة – إلى طلب السلطة المحلية المختصة لاستعمال القوة العمومية بهدف فرض احترام قراراته الخاصة. يعتبر ممارسة التخطيط المحلي حديثا نسبيا،ذلك أن انخراط الجماعات في التخطيط يتسم بكثير من الارتباك والتردد،وذلك بالرغم من فرض الميثاق الجماعي على رؤساء الجماعات إعداد مخطط جماعي للتنمية(حاليا برنامج عمل الجماعة). فإذا كان التخطيط الاستراتيجي يسعى إلى تطوير رؤية،ومهمة الجماعة عبر استحضار المقاربة التشاركية التي تستند إلى تعدد الفاعلين والمتدخلين،فإن ذلك يستدعي تغيير قيم ممارسة السلطة وإعادة النظر في طبيعة العلاقة بين مختلف الشركاء الذين يساهمون في صياغة المخطط الاستراتيجي. هذا وقد واجهت الجماعات في هذ الاطار صعوبات جمة على مستوى إعداد المخطط الجماعي وبالتبعية على مستوى التنفيذ في ظل غياب الآليات والامكانيات. إكراهات مالية: تشكل المالية المحلية أهمية كبيرة باعتبارها أداة لتحقيق التنمية المحلية والرفع من مستوى الخدمات المقدمة للسكاان.ولذلك فإن الاستقلال المالي من أهم مبادئ وأسس اللامركزية،كعنصر أساسي لممارسة الاختصاصات وتدبير الشؤون المحلية باعتباره وسيلة تضمن السير العادي والطبيعي للجماعة وتؤدي إلى تحقيق التنمية. لكن من أهم خصائص المالية الجماعية هي الهشاشة التي تتجلى أساسا في ضعف الاستقلال المالي الناتج عن عوامل يمكن إجمالها وفق منطقين: أحدهما عمودي يهم العلاقات المالية بين الدولة والجماعات،ذلك أن حصيلة المالية الجماعية متوقفة على تدخل قوي للدولة،مخافة من مخاطر استقلال مالي واسع قد يؤدي إلى انزلاقات تهم على الخصوص اختلاس الأموال العمومية لأهداف شخصية.والآخر أفقي يتعلق بالجماعات ، وفي نفس السياق فالجماعات خاضعة لمراقبة تؤثر على القرارات الجماعية. ومن معيقات الحكامة المالية المحلية جنوح واضح لدى المنتخبين المحليين للتخلي عن مسؤولياتهم ،حيث لم يبرهن هؤلاء عن كفاءة أو تجربة في التدبير المالي،وغير مهيئين لمناهج حديثةفي التدبير تسمح لهم بتتبع جيد لشؤونهم المالية. هذا ولقد كشفت الممارسة المالية أن الانفاق المحلي التنموي يتميز بالضعف والهشاشة،ويرجع ذلك إلى عدة أسباب مثل تعسف المسؤولين في أوجه الانفاق ،عن جهل أو عنقصد من خلال إغفال تحصيل بعض المداخيل المستحقة للجماعة،لأسباب سياسية لأو شخصية،أو من خلال المبالغة في بعض أوجه الانفاق غير التنموي،كالافراط في التبذير لاقتناء السيارات الفارهة وإقامة الحفلات والولائم الباذخة والتلاعب بالأموال العمومية إلى حد الاختلاس المفضوح. إلى جانب كل ذلك،تجدر الاشارة هنا إلى عدم فعالية المنظومة البائية المحلية نظرا لعدم هيكلتها مقارنة مع الادارة الجبائية للدولة،إضافة إلى ذلك يلاحظ غياب المراقبة الجبائية،الأمر الذي يؤدي بشكل واضح إلى ارتفاع قيمة الباقي استخلاصه من الضرائب. وهو الأمر الذي يطرح تحديات كبرى أمام الجماعات لممارسة الاختصاصات الموسعة التي منحتها الوثيقة الدستورية (2011) والقوانين المنظمة للجماعات الترابية والتي فرضت إعادة النظر في دور الجماعات الترابية في إطار المرحلة الراهنة،وضمن منظور شمولي لإصلاح المالية المحلية. وفي نفس السياق ،وعلى مستوى النخب المرشحة لتدبير الشأن العام المحلي ،لابد من وضع معايير صارمة من شأنها إفراز مستشارين قادرين على تدبير شؤون الجماعات الترابية باحترافية عالية وتمكينها من لعب دورها التنموي المطلوب منها على أحسن وجه.