يرى آلان تورين في كتابة “نقذ الحداثة” في الجزء الثاني بعنوان: “الحداثة في أزمة” أن “عالم اليوم الذي تراه بعض العقول موجودا حول قيم ‘غربية' (…) إنما هو في الواقع ممزق”. وأن “المفهوم المادي للحداثة لم تعُد له القدرة على تنظيم ثقافة ومجتمع. ويؤدي تفكك فكرة الحداثة إلى تناقضات تتزايد خطورتها تدريجيا. تنفصل الحياة العامة عن الحياة الخاصة، يتفكك حقل العلاقات الاجتماعية (…). يشكل الجنس والاستهلاك والمؤسسة الإنتاجية والأمة عوامل منفصلة تتصادم ويجهل بعضها البعض بدلا من أن تترابط “. نورد هذه الاستنتاجات لعالم الاجتماع الفرنسي، لا لندخل في محاججة المقتنعين فعلا بالحداثة كمشروع تغيير لواقعنا المتخلف، سواء منهم الذين لا يرون الفصل بين التغريب والتحديث أو الذين يرون أن التحديث مستقل عن التغريب مستندين في ذلك على تجربة الدول الآسيوية التي تفتخر بكونها جعلت من قيمها وثقافتها سندا ودعامة لاقتصادياتها، كما أكده هنتنغتون منظر صدام الحضارات، فمع كل هؤلاء لنا معهم مساحات مشتركة، ولكننا نوردها لنربط بين حلقات خرجات إعلامية لمسؤولين رسميين في الدولة المغربية، يحسبها الكثيرون مستقلة بعضها عن بعض، في حين أنها تندرج في “مشروع جماعي” يعتبره أصحابه أنه يحمل بصمات “حداثة جديدة” ،كما كشفت ذلك وكالة الأنباء الإسبانية EFE عندما أجرت حوارها مع محمد أوجار وزير العدل السابق بتاريخ: 05 غشت 2019. ثم اعتقال الصحفي توفيق بوعشرين والصحفية هاجر الريسوني، لنختم بتوصيات المذكرة “الجنسية” لبوعياش الحديثة العهد بالتعيين على رئاسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بخصوص تعديل القانون الجنائي 16/10 . 1-فما هي المنطلقات التي أُسِّس عليها هذا المسمى مشروعا جماعيا ؟ 2- ما هي معالمه ؟ 3- وماهي الاحتياطات المتخذة في تنزيله؟ من خلال تصريحات أوجار يتضح أن الدولة المغربية، التي كان ينطق من منبرها العدلي، تنطلق من حكمها على المجتمع المغربي بكونه: -“مجتمع محافظ للغاية”؛ -“مجتمع مرتبط ارتباطا وثيقا ببعض التقاليد وأنه يقع في منطقة (عربية) للأصولية والظلامية”؛ – ومع ذلك فإنه “على الرغم من طبيعته المحافظة، فإن المجتمع، وكذلك المحاكم في اتجاه نحو زيادة الاحترام للحياة الشخصية”. بناء على هذه الأحكام الجاهزة، بل والمستفزة،على المجتمع المغربي فإن وزير العدل السابق بصفته مسؤولا في الدولة المغربية يرى أنه : – يجب عليهم “إعداد المجتمع”، إنما بدهاء بحيث “يجب إعداد المجتمع تدريجيا وبدون صدمات”. وبوضوح أكثر”عدم السعي أبدا للصدام مع المجتمع”؛ – وأن “إرادة التغيير التي تصطدم بهذا المجتمع المحافظ للغاية تحتاج إلى بيداغوجيا”. أما المغرب الذي يتحدث عنه “المشروع الجماعي” فيعتبره التصريح أنه: – “ملتزم ويريد أن يكون جزءا من العالم الجديد”؛ – “يتقاسم مع الاتحاد الأوروبي نظام القيم ويُعِدّ المجتمع له”؛ – وأكثر من هذا وذاك فإنه يبشر ب”حداثة جديدة ستكون في العالم الإسلامي” انطلاقا من المغرب. – ومن منطلق البيداغوجيا المتبعة ، فإن القوانين الأكثر إثارة للجدل في المغرب ، كما جاء في الحوار ، والتي تجرم الشذوذ الجنسي، أو ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج، أو عدم التقيّد بالصيام في رمضان، يقر أوجار بأن “إلغاءها لن يتم في الغد” معللا جوابه بأنه يجب علينا إعداد المجتمع تدريجيا. وبهذه الحزمة الواعدة يكون أوجار قد عرض لأهم معالم مشروع حداثتة الجديدة التي يبشر بها خدام المخزن. وعلما بأن التدبير الناجح للبيداغوجيا الاجتماعية يقتضي اتباع خطة عمل ،فكان لابد من إعداد “أدوات الإيضاح” لتحقيق الإثارة بهدف إحداث التحول الاجتماعي المبرمج، وبالتالي تنزيل الحلول أو التفاسير أو المقترحات والتوصيات وحتى القوانين المعدة مسبقا كُلاّ أو جُزءا، حسب ما تقتضيه منهجية الخطة الإجرائية . لهذا فمن حقنا، حسب منطق الممارسة البيداغوجية، أن ننظر إلى اعتقال ومحاكمة صحفية بتاء التأنيث، من عيار هاجر الريسوني ، وجرأة قلمها المعارض في صحيفة ”أخبار اليوم” لصاحبها توفيق بوعشرين “المدان” قبلها بتهم تتعلق بجرائم جنسية، ثم “إدانتها” هي الأخرى بناء على تهمة إجراء عملية إجهاض، من حقنا أن ننظر إلى أن اعتقالها جاء ليكمل ما سبقه، ويتمم بالتالي المساحة المراد وضعها أمام الأضواء الكاشفة لغرض في نفس أصحاب “المشروع” غير المشروع. وأن الإبراز الإعلامي “لجريمة الإجهاض”، بعد أخذ الوقت الكافي للترويج ل”جرائم الجنس ” يُعتبرانِ من أدوات الإيضاح التي مكنت ليس لإدانة خرق الحق في الحرية ، حرية التعبير هنا وحرية الفكر ، بصفتها الركن الركين الذي بنيت عليه الحداثة الغربية التي أثمرت ديمقراطية تفصل بين السلط لمراقبة بعضها البعض، ومجتمعا مدنيّا حيّا بذاته، فاعلا لا تابعا، وإنما للأسف، أعطت الفرصة ل”أرانب السباق” الجاهزة للركوب على الحدثين بغية طمس القيمة الأصل، والدعاية إلى “قيم اصطناعية” استحدثتها الأجواء الانتخابوية في القارة العجوز عندما أظلم ليل الديمقراطيات وانكمش عدد الكتلة الناخبة، وما صاحبه من انسحاب المثقفين لصالح المؤسسات الإعلامية المسخرة من طرف الرأسمال العالمي لصناعة رأي عام استهلاكي غارق في المتعة الزائفة حتى الجنون. يوازيها على المستوى الدولي، فقدان المؤسسات الدولية استقلالها لتصبح خادمة لنفس المنظمات الاقتصادية والمالية من أجل إزالة كل “العوائق” المُخزّنة لدى المجتمعات والشعوب، على المستوى العالمي، والتي يُفترض أن تعطّل أو تعرقل انتشار المنتجات والسلع والبضائع بما فيها أجساد البشر وأعراضهم كما يرونها هم ويغارون عليها، إذ الكل قابل للتبضيع. وسواء كانت هذه العوائق دينية، أو ثقافية ، أو تقاليد، أو حتى أذواقا، المهم هو إبعادها. هكذا إذن تم تحريف النقاش عبر وسائل الإعلام الرسمية، والجمعيات النافذة، والأقلام المأجورة، لدرجة النزول به من أعلى هرم المطالب الاجتماعية الشعبية، التي عبرت عنها الجماهير المغربية في حراك الريف وفي اجرادة وفي زاكورة وغيرها، وكذا الجماهير المغربية والقوى السياسية والحقوقية والجمعوية والحركات الاجتماعية ، والنخب الفكرية والثقافية التي ساندتها وتساندها بالاحتجاج في الشوارع وطنيا ومحليا، نقول، نزلت به ليصبح نقاشا يدور حول الجنس وتبعاته، يخدم الدعاية والتطبيع، وليس الوقاية من الآفات وحماية المجتمع من الرذيلة واستغلال أطفال المغرب ونسائه في التنشيط السياحي البشع. يتبع..