كنت من ضمن الحضور في دورة تكوينة في مجال الكتابة الصحافية، والتي اطرها آنذاك الأستاذ طلحة جبريل وكان من ضمن ما إستفذت من كلامه حول الكتابة مصطلح “التوازن”؟؟؟ نعم !!! قد تبدو الكلمة مألوفة ومدعاة للإهمال لكن التعمق فيها يظهر فعلا أهمية الصحافة في تنوير الرأي العام بلباس الحياد دون تحيز ولا غلو. الحقيقة ما دفعني اليوم لكتابة هذه الاسطر هو ما راج مؤخرا عن الحكم الذي تلقاه الكاتب الصحافي توفيق بوعشرين والمحدد في 15 سنة سجنا، والغريب في الأمر أن غالبية سكان الحيز الأزرق (فيسبوك) تجدهم منحازين وبشكل غير معقول لفكرة أن القضية ملفقة، نتيجة الصراع الحاصل بين بوعشرين واخنوش من خلال الكتابات الحارقة للأول في حق رجل الاعمال والوزير الحالي للفلاحة. لكن الغريب في الأمر أن هذه الجماعة من الخلق لم تفكر مجرد التفكير في أن الرجل يمكن أن يكون فعلا مدانا بالتهم المنسوبة إليه، والدليل أن الحكَم تغير بين محاكمة واخرى حيث زاد ب 3 سنوات، بل وأكثر من ذلك هل تعتقدون بأن محاكمة صحافي مرموق سيكون من السهل اللعب فيها؟ لدرجة الزج به عقد ونصف من الزمن في غياهب السجون لو لم تكن لديهم الادلة الدامغة على فعله الشنيع. هل من يحاكمون مؤسسات الدولة يبنون قرائنهم على أشياء مادية؟؟ أم هي فقط خربشات الفيسبوكين وكلام المقاهي، سيقول البعض وكيف سنعرف الحقيقة كاملة يا “أبو العريف” ؟؟ مادمنا لم نحضر المحاكمة هنا يأتي دور الإعلام النزيه من جهة ومن جهة أخرى ثقتنا في القضاء وإلا فالخلل ليس فيهم بقدر ما يجب ان نتهم انفسنا بهذا النفور النفسي، الناتج طبعا عن السلوكات المشينة لمن يسيرون الشأن العام، هؤلاء الفاسدين الذين لوثوا كل شيء حتى عقولنا وجعلونا لا نثق حتى في نزاهة القضاء. كلنا تعاطفنا مع هذا الكاتب الكبير وكنا من أوائل من يقرأ مقالاته الصحفية ونشيد بها، بل وكنت اعتبره شخصيا مثلي الأعلى الذي احتدي به في مجال الإعلام بفعل جرأته، لكن العقل يقول إذا كان بيتك من زجاج فلا داعي أن ترمي الناس بالحجارة، و”لي دار الذنب يستاهل العقوبة” مثل عامي معروف، فليس من العقل أن نحاسب الناس ونحن فينا الخلل اصلا، وليس من المنطق أيضا أن ندافع عن المظلومين ونحن نظلم، وليس من الحكمة أن نشير إلى مكامن الخلل ونحتمي باقلامنا وتعاطف الرأي العام معها. يقال أن رجلا قد جاء إلى الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- وقد فقئت عينه يشتكي من فعل به ذلك، وقد أشفق الصحابة الحضور رضوان الله عليهم على هذا الرجل وتوقعوا أن يحكم عمر بن الخطاب له، ولكن عدل عمر بن الخطاب جعله يقول ” انظروا لذلك الذي فقأ عين هذا الرجل … فقد تكون قد فقئت عيناه”. هذه هي مشكلتنا يا اصدقائي التسرع واتباع الغوغائين والديماغوجين الذين يتكلمون في ابواقهم ويقلبون الحقائق، دون تبصر فلوكنا في رجاحة عقل عمر بن الخطاب من خلال اتباع البراهين والدلائل الدامغة وعدم الإنسياق مع مشاعرنا، لما اخدنا احكامنا من صفحات الفيسبوك المشبوهة ولا من تعليقات المأجورين، وعندما تتضح لنا الامور لا داعي أن نزايد عليها، لقد علمتني الحياة أن أضع الثقة حيث أهلها وليس حيث رباعة من “الشلهبية” يزيدونها.. هذا مختصر كلامي ولكم واسع النظر.