يظن كثير من الناس أن وظيفتهم الأساسية في الحياة أن يصححوا للآخرين أخطاءهم، أو أفكارهم، أو حتى نمطهم في العيش، ويستخدمون كل الوسائل بما فيها الأكثر إزعاجاً ليُبدوا ملاحظاتهم عن طريقتك في الكلام وفي الأكل وفي المشي، أو أسلوبك في التعامل أو حتى الأفكار والقناعات التي تؤمن بها وتُصارع نفسك من أجل تطويرها. هذا النوع من البشر يلعب دور القلم الأحمر على أوراق الامتحان، مهمّته الوحيدة تصيّد الأخطاء بجميع درجاتها، وإن لم يجد أخطاءً يخترعها حتى لا يبقى بلا دور ولا مهّمة. تشعر به أنه لا يرتاح له بال إلا إذا قال لك: ألم تلاحظ أن أسنانك لا تُشبه أنفك ؟! هؤلاء منذ أن يستيقظوا من نومهم إلى أن يعودوا إلى فراشهم ليلاً، وهم يوزعون في الملاحظات والانتقادات تُجاه الآخرين طيلة اليوم، ويعطون لأنفسهم الحق في التدخل في شؤون كل من تلاقيهم به الحياة، غير آبهين بأن لكل إنسان حكايته وظروفه الخاصة، وأن خلف كل عيب قد يبدو للناس في شخص ما وراءه قصة لا يُمكن أن تُروى للجميع، والأهم من ذلك أن على كلّ منا أن ينشغل بنفسه لا بالآخر. في تحليل لشخصية هؤلاء الذين يسكنهم “القلم الأحمر”، تقول عالمة النفس الإكلينيكي يولاند غناك-مايانوب في مقال منشور بمجلّة “بسيكولوجي” الفرنسية: “إن الشخص الذي يقضي عمره في إصدار الأحكام والانتقادات هو إنسان يشعر بعدم الأمان وعدم الثقة بالنفس، فيلجأ دون وعي إلى بعض الأساليب الهجومية في علاقاته الاجتماعية، من خلال توجيه ملاحظات سلبية، كي يشعر بأنه بأمان”. وتُضيف يولاند غناك-مايانوب أن “هذا السلوك غير الواعي والمتكرر يُثبت بطريقة عكسية أن هذا الشخص يعيش اضطراباً نفسياً”. بصرف النّظر عمّا يقوله علم النفس، فإن على كل إنسان كي يُثبتَ إنسانيته، أن يتوقف عن ملاحقة ما يراه عيوباً في الآخرين واختياراتهم، وأن يحتفظ بملاحظاته عن أساليبهم في التفكير وفي العيش، وأن يترك كل شخص ليخوض فصول قصّته على مسرح الحياة. يقول الشافعي في بيت شعري بليغ: وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ **** وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا. العالم اليوم مليئ بعيون السخط التي لا ترى في الآخرين إلا السواد، ومليء بالأقلام الحمراء التي تنفك عن ملاحقة كل من صادفتهم به الظروف، لذا حتى لا تكن أنت منهم عزيزي القارئ، أرجو أن تتخلّص من القلم الأحمر الذي بداخلك.