اتصالات المغرب توقع شراكة استراتيجية مع شركة "زوهو" لتقديم حلول رقمية متطورة للشركات المغربية    توقيف شخص بأكادير بشبهة حيازة وترويج أجهزة معلوماتية مهربة تستخدم في الغش في الامتحانات    ماكرون يزور الجناح المغربي بمعرض الكتاب بباريس ويشيد بالصداقة المغربية الفرنسية    رئيس مجلس المستشارين: مستعدون لجعل دورة أبريل منعطفًا نوعيًا في العمل التشريعي والرقابي والدبلوماسي    الذهب يرتفع ويسجل مستوى قياسيا جديدا    السياحة.. المغرب يسجل أرقاما قياسية خلال الربع الأول من سنة 2025    المغرب يدعو إلى تضافر الجهود الدولية لضمان سلامة الأجواء في مناطق النزاع    الصين ترد على تصعيد واشنطن التجاري بورقة بيضاء: دعوة للحوار والتعددية بدلًا من المواجهة    "الديربي البيضاوي" يفتتح "دونور" وسط مقاطعة مرتقبة من أنصار الوداد والرجاء !    ليفربول يعلن تجديد عقد نجمه المصري محمد صلاح لموسمين إضافيين    هزيمة الفتح أمام ريفرز هوبرز النيجيري في دوري الBAL تُعقّد مهمته في التأهل    المغرب: تساقطات مطرية قوية من الجمعة إلى الأحد وهبات رياح قوية مع تطاير للغبار بعدد من الأقاليم    تفكيك لغز العثور على جثة شابة بسد اسمير بين المضيق والفنيدق وتوقيف 5 أشخاص للاشتباه في تورطهم    الناصري يعد المحكمة بتقديم تفاصيل جديدة "قد تغير مسار" ملف "إسكوبار الصحراء"    خلاف بسيط يتحوّل إلى جري..مة ق..ت..ل تهزّ مدينة طنجة    طنجة.. القطب الحضري والاقتصادي الثاني في المغرب، بدون جامعة!        حادثة سير مروعة بالقصر الصغير تودي بحياة سائق شاحنة (فيديو)    ملتقى الضفتين بمدريد يختتم فعالياته بتوصيات قوية أبرزها تنظيم النسخة الثالثة بالمغرب والانفتاح على الصحافة البرتغالية        بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    الصين تقول إنها سترفع الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية إلى 125%    اتهامات للمؤثرة الشهيرة "ميس راشيل" بتلقي أموال للترويج لحماس    ندوة بالقصر الكبير تحتفي بذكرى زيارة الملك محمد الخامس لطنجة    حزب الاستقلال يدعو إلى تقوية الشفافية في المعاملات التجارية وملاءمة قانون حرية الاسعار وحماية المستهلك    تفاصيل الاجتماع بين النقابات ووزارة الصحة لتنفيذ "اتفاق يوليوز" الموقع مع الحكومة    نبيل باها يشيد ببلوغ أشبال الأطلس نصف نهائي "الكان"    بطولة إسبانيا.. أنشيلوتي وريال مدريد تحت المجهر وبرشلونة للابتعاد    إجراء قرعة جديدة لكأس أمم أفريقيا للشباب بعد التحاق تونس    في غياب الجماهير .. من يحسم صراع الدفاع وشباب المحمدية؟    الاحتكار آفة الأشْرار !    ظروف مادية تُؤجل الدورة الثلاثين من مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    الذهب يسجل مستوى قياسياً مع تزايد الإقبال على الملاذات الآمنة    المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية يدين جرائم الجيش الجزائري بمخيمات تندوف ويدعو لتصنيف "البوليساريو" كمنظمة إرهابية    نجاة الرجوي: "مشاركتي في حفل تكريم عبد الوهاب الدكالي شرف كبير"    أسعار النفط تتراجع بشكل حاد مع تأثر السوق بالحرب التجارية    الخارجية الأمريكية تبلغ دي ميستورا بأنه لا حل لنزاع الصحراء خارج السيادة المغربية    توقعات أحوال الطقس ليوم الجمعة    مصرع ستة أشخاص بينهم أطفال بسقوط مروحية في أمريكا    وفاة مدرب ريال مدريد السابق الهولندي ليو بينهاكر عن عمر 82 عاما    بنسعيد يدشن جناح المغرب ضيف شرف مهرجان باريس للكتاب 2025    جامعيون ومسؤولون سابقون يرصدون صعوبات الترجمة بأكاديمية المملكة    عراقجي في الجزائر .. هل تُخطط إيران للهيمنة على شمال إفريقيا عبر قصر المرادية ؟    فضيحة للوزير السكوري.. خبير سيبراني حذّر من ثغرة خطيرة بموقع وزارة التشغيل قبل "تسريبات جبروت" بخمسة أيام        10 حقائق عن استيراد الأبقار والأغنام وتداعياتها السياسية والمالية والاجتماعية!    أكثر من نصف الأمريكيين ينظرون سلبيا لإسرائيل.. استطلاع جديد يكشف تداعيات حرب غزة        السلطات الصحية بجنوب إسبانيا تتأهب لمواجهة "بوحمرون" القادم من شمال المغرب    سلطات مليلية تحتجز كلب "مسعور" تسلل من بوابة بني انصار    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ومضات من تجربة بنين.. المقال الثاني

قليلة هي ثقافتنا عن العلاقات الاجتماعية التي تربط بين أفراد المجتمع الأفريقي. وحتى إن كانت لدينا معلومات عنها، كثيرا ما تكون عبارة عن تلك الصور النمطية التي رسخها الاستعمار فينا وهي أن الأفارقة همج في حياتهم وعلاقاتهم. حتى تكاد تنطبع لدينا صورة ذلك الأفريقي الذي يعيش في أعماق الأدغال والذي تغيب عنه أدنى مستويات الأخلاق واللباقة. إلا أنه ومن خلال عملي في بنين، وجدت العكس تماما حيث وجدتهم في قمة مستويات الأخلاق والعلاقات الاجتماعية. ومن خلال هذا المقال، أريد أن أسلط الضوء على بضع من علاقاتهم الراقية عسى وعلى نقتدي بهم في هذا المجال.
لقد تميز البنينيون بعلاقاتهم الاجتماعية الراقية التي تقل نظيرتها عن المجتمعات الأخرى. حيث تجد أن جل علاقاتهم مبنية على أسس المحبة والاحترام للآخر، فترى هذا ملاحظ في علاقاتهم مع ذوي القربى كما مع الأجانب. لذلك نادرا ما تلاحظ أنهم يشتكون من سوء تعامل أو جوار مع بعضهم البعض. كثيرا ما أخذتني المواقف عندما أجد بنينيا يتسارع إلى مساعدتي ولا يتوانى عن تقديم خدمة إلي من دون الحاجة مني إلى تكرار مسألتي. وكم من مرة التقيت فيها ببنيني يلاقاني بوجهه السمح المبتسم ويتبادر إلى الكلام معي من دون معرفة مسبقة بيننا. فشعرت خلال مدة مكوثي هنا بالسهولة في التعامل معهم كما بناء علاقات صداقة وطيدة لا دخل لأية مصلحة فيها. فتراهم مطبقين للهدي النبوي صلى الله عليه وسلم في طلاقة وجهه وبشاشته مع الناس كما في تفانيه لمساعدة الغير ومساندتهم في السراء والضراء. فيا ليت تصفو نوايانا وتزداد محبتنا للآخ عوض الأنانية المتوحشة التي بدأت تفتك بمجتمعاتنا.
ومما أحببته فيهم كذلك التكافل الاجتماعي بينهم دون التأثير على حرياتهم الشخصية، فقد عرفوا حق المعرفة التوازن بين الأمرين. فتجد المجتمع لا زال قائما على الروابط الأسرية التي تساند بعضها بعضا بالمساعدة والتآزر والمال. حتى ترى مثلا شخصا يساند أخت زوجته طواعية في أمر لها دونما الإحساس بالتعصب ولا الحساسية. فهم لديهم هذا الإيمان العميق أنهم لو ساعدوا أخاهم في معضلة ما فرج الله عنهم كربهم في المستقبل، فلذلك تجدهم متكافلين متساندين في السراء والضراء. فلا عجب أن تراهم حاضرين ومتفاعلين في كل المناسبات كالجنائز والأعراس، فمثلا اندهشت كثيرا من خلال زيارتي إحدى المدن الإسلامية في البلد والمسماةبدجوغو أنهم يحتفلون بالعيد الأضحى لمدة أسبوعين كاملين من أجل التزاور وصلة الرحم. هذه الروابط الاجتماعية بذاتها تطغى على كل شيء حتى العمل.
فتجدهم مثلا يعظمون السلام في كل وقت من الصباح إلى الليل، حتى أنهم اخترعوا عبارات ليست موجودة حتى في اللغة الفرنسية كاستحمام جيد Bonne Douche وجلوس جيد Bonne Assise إلخ.فإذا حصل ونسيت أن تسلم على أحد أفراد أسرتك أو زملاء عملك، فاقرأ على نفسك السلام وودع نموك الشخصي والمهني. أنا شخصيا أخذني بضعا من الوقت حتى أتعود وأعيش بهذا المفهوم. حيث أنه عندما كنت أسافر وأغيب عن مدينتي لفترة ما، كنت أنسى أن أتصل على أصدقائي وشركاء عملي. فعندما أعود أجدهم يغضبون غضبا جما كأنني ارتكبت كبيرة من الكبائر! هذه العلاقة البسيطة والوطيدة في آن واحد بين أفراد الأسرة والمجتمعجعلت منالممكن أن تسكن عدة زوجات لرجلتحت سقف واحد بسلام وهناء. كما أنها جعلت أبناء الأب الواحد من أمهات مختلفة يعيشون في محبة ووئام بدون مشاعر الغيرة ولا الحسد.
إلا أنهم ومع هذا التكافل وهذه العلاقات الوطيدة، تجدهم يحترمون أشد الاحترام الحرية الشخصية للفرد في معيشته اليومية واختياراته من دراسة وعمل وزواج وحتى من عطلة. حيث قليلا ما تلاحظ علاقة سلطوية بين أفراد الأسرة الواحدة من أجل التحكم في اختيارات الشخص حتى ما بين الوالدين وأبنائهم. فترى العكس تماما أن الأبناء هم مكملون لأسرتهم ومساهمون في حياة الوالدين اليومية. فتجد أن الابنة منذ صغر سنها تساعد أمها في أعمال المنزل من طبخ وتنظيفإلخ، كما تجد الابن يساعد الأب في أعمال الحقل والصيانة إلخ…
كل هذا وهم يرتادون المدارس في آن واحد. كذلك عندما يريد الأطفال الصغار شراء حلوى أو لعبة ما، يدفع الآباء الأبناء من أجل العمل من أجل كسب المال حتى يستطيعوا تلبية رغباتهم. رغم أنه كان يحزن في قلبي عمل الأطفال وهم صغار وعدم قدرة الآباء تلبية جميع متطلباتهم، إلا أن هذا الأمر من جانبه الإيجابي كان يشجعهم وهم صغار على أن يصبحوا رجالا مسؤولين عن حياتهم واختياراتهم. فهم مدربون منذ صغر سنهم على أخذ قراراتهم. هذا وهم صغار السن، فالأدعى أن تكون لديهم الحرية في قراراتهم وهم كبار. مما أدهشني كذلكدفع الوالدين لأولادهم دفعا من أجل أن يمضوا قدما في دراساتهم وأعمالهم وزواجهم. كأن لسان حالهم يقول ما دام أولادي يعملون لما فيه خير لدينهم ودنياهم ما علينا إلا تشجيعهم والدعاء لهم. فيا ليت آباء مجتمعاتنا يتعلمون من البنينيين هذه الفلسفة بدل إجبار أولادهم على دراسة معينة أو عمل ما أو زوجة معينة أو عطلة في مكان ما.
وفي الختام، هذه بعض الأمثلة التي تبرز لنا الرقي في العلاقات الاجتماعية التي يعيشها البنينيون والتي تجمع ما بين التكافل الاجتماعي الرائع مع احترام حرية الفرد واختياراته. هذا التوازن الذي وللأسف مفقود ما بين نقيضين، نقيض حساب الفرد على المجتمع وآخر حساب المجتمع على الفرد. فيا ليتنا يوما نعود إلى التوازن الذي عرفه مجتمع الرسول صلى عليه وسلم والصحابة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.