مما يشاع ان التكنولوجيا الحديثة، ساهمت في إشاعة المعلومة وتقريب البعيد وجعل العالم قرية صغيرة. إلا أنه لا ينظر لهذا المستحدث من جهة مساهمته في تغريب القريب وإبعاده، سواء فعليا ماديا (العلاقات الزوجية) او معنويا وجدانيا (انكماش الشخص على ذاته وانصهاره في عالم افتراضي)، بحيث يمككنا النظر لما يقع فيه بعض الأزواج من مشاكل بسبب فقدان رابط الثقة عند تعدد شركاء الشريك افتراضيا، ما يدفع الطرف الثاني إلى التربص على اناه الاخرى، ويسهل في الأخير تسلل نيران الغيرة ليس بوصفها طابعا غريزيا محمودا في الانسان، بل في تحولها إلى غيرة مرضية تكون السبب في هشاشة خيط الثقة ثم قطعه في الأخير، وهو ما ينتج عنه تفكك اسري يسري سريان المياه في بنية المجتمع بدون ان ننتبه الى منبعه هذا من جهة، ومن أخرى يمكن لأي فرد منا ان يلاحظ الغربة التي اصبحت تعصف بتجمعاتنا، حتى إذا دخلت إلى قلب أسرة تجد كل واحد مركونا في جهته يقلب صفحات المواقع الإلكترونية أو يدوب الجليد مع من يبعد عليه بآلاف الاميال. بينما لا يعلم عن جليسه أدنى مستجداته سواءا من حيث مواساته في الضراء او مشاركته في السراء بحيث اضحت المائدة تقرب الأبدان والهاتف يدفع بالأذهان إلى ماوراء المحيطات، إذ أصبحنا نصنع الغربة بأنفسنا وندفع بالعواطف الإنسانية إلى مهب الريح نتيجة إختراق سلس لا يحسب له المجتمع أي حساب إلا بعد أن يجد الفرد نفسه وحيدا في عالم يعم ضجيجا انانيا. وهنا نسترجع ما نبأ له المرحوم المهدي المنجرة، اذ لطالما نوه بأهمية الطفرة التكنولوجية المعلوماتية، لكن مع التنبيه لخطورة هذه الأخيرة في سلب الهوية المحلية (المغربية) عن طريق عولمة سلسة، هذه العولمة التي تدفع بإتجاه تفكيك عرى الانتماء الثقافي االاجتماعي وتجاوز المرجعيات الوطنية التقليدية واستبدالها بالمواطن العالمي ذي المرجعية الكونية، وينتج عن هذا إمكانية الضياع والعزلة والانقطاع عن التاريخ والحيز الجغرافي اللذين يشكلان اطار الهوية الشخصية. هذه الاخطار التي اضحت تهدد الامن الاجتماعي والرأسمال اللأمادي بشكل لا يمكن تجاهله، وهنا كان لابد للفرد والمجتمع الوقوف في محاولة تغريبنا داخل بيوتنا.