بداية لا بد أن نشير إلى أن مصطلح المخزن الوارد في عنوان المقالة له دلالة خاصة في لغة المغاربة، حيث يطلق على النخبة الحاكمة، أو النظام السياسي بشكل عام. قبل أن يستقر مصطلح المخزن، على مفهومه كمؤسسة ونظام للحكم، عرف تدرجا في دلالته، مع تغير نسق وطبيعة الحكم بالمغرب. يعتبر المفكر المغربي عبد الله العروي، من المثقفين المغاربة الذين حاولوا دراسة مصطلح المخزن، وتحديد مفهومه، ويعتبر في منظوره ذاك المجموع المركب من عناصر مختلفة( جيش، بيروقراطية، نخب إجتماعية،…) تقوم بوظائف مختلفة (أمنية، إجتماعية، رمزية) تهدف إلى ضمان إستمرارية الدولة وسيادة سلطة السلطان. يكاد يكون إجماع الكثيرين، على أن المغرب (خاصة بعد الربيع العربي) يشهد إنفتاحا سياسيا غير مسبوق، وصفه البعض بالنموذج والإستثناء في المنطقة، وبالرغم من ذلك ظل المخزن كمفهوم حاضرا إلى اليوم، كمدلول لوصف النظام السياسي الحاكم ، ويرجع السبب في ذلك، إلى طبيعة السلطة وأساليبها التي لم تتغير. من الأساليب التي يقوم عليها نظام المخزن، سياسة الريع والإمتيازات، التي يغري بها عناصره ومكوناته، لتلعب دورها في ضمان إستمرار الدولة وسيادة سلطة النظام الحاكم. في ظل زمن الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ودولة الحق والقانون، وغيرها من الشعارات، حاول نظام المخزن تحسين شكله ليتناسب مع هذه الشعارات، فطن المخزن لهزات الربيع الديمقراطي، التي أسقطت أنظمة تتشابه مع نظام المخزن في أساليب السيطرة على مقاليد السلطة، والإستفراد بالحكم، إنخرط في ما يسمى بمسلسل الإصلاح السياسي، إبتكر لنفسه شعارات من قبيل، النموذج والإستثناء الديمقراطي، إنفتح على المؤسسة الحزبية، كإطار للمساهمة في إنتاج واقع سياسي أفضل وممارسة ديمقراطية سليمة، حيث حدد مهمتها في الفصل السابع من دستور 2011 في تأطير المواطنين والمواطنات، وتكوينهم سياسيا، وتعزيز انخراطهم في الحياة السياسية، وفي تدبير الشأن العام كما تساهم في التعبير عن إرادة الناخبين والمشاركة في ممارسة السلطة على أساس التعددية والتناوب بالوسائل الديمقراطية.(الوثيقة الدستورية) إن المتأمل اليوم في المشهد السياسي، يدرك أن كل الشعارات التي تم ذكرها هشة، ولم تجد إلى التطبيق والتفعيل على الواقع السياسي سبيلا، وأن ما خص به دستور 2011 المؤسسة الحزبية، بقي حبيسا للوثيقة الدستورية ومجرد حبر عليها، لم يسمح المخزن بتغلغله في كل مناحي الحياة السياسية، وإنقضاضه على المؤسسة الحزبية، بتفعيل دور الأحزاب السياسية، مخافة منافسته على السلطة، طوق الأحزاب السياسية من كل الإتجاهات، وجعلها عاجزة عن الخروج عن السياق الذي يحدده( المخزن)، عزل بممارساته المؤسسة الحزبية، عن هموم المواطنين، وطموحاتهم وتطلعاتهم، وجعل منها بوقا لتمرير وتبرير سياساته، حول الأحزاب السياسية إلى أداة لتقويض الديمقراطية، وعائقا أمام الممارسة السياسية السليمة. وأمام هذا الوضع وجد المواطن المغربي نفسه أمام مواجهة شطط المخزن وتجاوزاته، الأحزاب السياسية التي يفترض حسب دستور 2011 أن تحمل هموم المواطن وتعبر عن طموحاته، كانت غائبة، بل مغيبة ومتواطئة مع المخزن في أحايين كثيرة، هذا المعطى ولد أزمة ثقة بين المواطن، ومؤسسات الدولة الرسمية، بما في ذلك المؤسسة الحزبية، التي تتربع على قائمة المؤسسات، التي تفتقد لثقة المواطن المغربي، ويوضح هذا، النسب المتدنية حسب المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة رسمية) لمشاركة الشباب في العملية السياسية،( الإنخراط في الأحزاب) والتي لا تتعدى نسبة 1 في المائة، وكذا عزوف المواطنين عن المشاركة في العملية الإنتخابية، ما جعل المخزن اليوم يشعر أنه أمام معضلة حقيقية، يدق ناقوس الخطر، وينبه مكوناته وعناصره، ويرشدهم لإتخاذ تدابير وإجراءات، لمعالجة المعضلة. كانت أولى الإجراءات و التدابير التي بإمكانها معالجة المعضلة في ظن المخزن، الإتجاه نحو إقرار مطلب إلزام المواطنين، وإجبارهم على التصويت في الإنتخابات القادمة، فهل سيتجاوز المخزن معضلته، بهذا الإجراء حقا؟ الجواب بطبيعة الحال سيكون لا، في ظل الوصاية التي يفرضها المخزن على المؤسسات الحزبية، وتغلغه الفاضح في كل الأنساق المجتمعية، وهيمنته المفرطة في كل مناحي الحياة السياسية. إن المواطن المغربي اليوم يريد حياة سياسية بأحزاب سياسية قوية، مستقلة، مؤثرة في صنع القرار السياسي، بعيدا عن سياسة التحكم والتوجيه عن بعد، أحزاب تعبر عن طموح المواطن، وتحمل همه، وتتبنى قضاياه، وتكرس إرادته في القطع مع كل أشكال الفساد، غير هذا فلن يجدي أي إجراء، مهما كان، في إسترجاع الثقة بين المواطن، والمؤسسات الرسمية للدولة، بما فيها المؤسسة الحزبية.