فأنت لا شيء رغم علمك وشهادتك وإتقان تخصصك وعلو منصبك وكثرة جاهك ووجاهتك، أنت لا شيء في هذا الكون الواسع الفسيح العريض، لا شيء أمام قدرة الله وعظمته، أنت إنسان ضعيف، نعم ضعيف جدا، ولا حول لك ولا قوة؛ فأنت تعيش تحت رحمة الله وتدبيره وحكمته، فلا تتكبر على خلق الله بما أتاك الله، لا تغتر بتدينك، ولا بعلمك ومنصبك ومالك، لا تقل أنا الدكتور فلان، أو العالم والداعية والخطيب والقاضي والمحامي والأستاذ والمهندس والتاجر الفلاني، تعددت الألقاب والأنا واحد، فدعك من الألقاب؛ فهي ألقاب صنعها الإنسان ليخدع بها نفسه، فما أنت إلا واحد من البشر، يجري عليك ما يجري عليهم، تجوع وتأكل وتشرب وتتجشأ، وتقضي حاجتك في الخلاء، وتكثر من الضراط أثناء النوم، ويسيل لعاب فمك ومخاط أنفك رغما عنك…، فلا تختبئ وراء الألقاب أرجوك، وتأمل في نفسك عندما تكن وحدك بعيدا عن الناس، بعيدا عن الرسميات والمجاملات لتعرف حقيقتك. يقول الدكتور الفلسطيني “صائب عريقات” بعد إجرائه لعملية زرع الرئة حيث توقف قلبه ثلاث دقائق وعشرون ثانية، قال:” كنت في حالة خوف شديد جدا لا تنفع فيه الوظيفة ولا الكتب ولا المناصب..”. تأمل يا هذا؛ ستجد طبيب قلب مات بسكتة قلبية، وطبيب نفساني مات منتحرا، ومتخصص في علم التغذية يعاني من السمنة، وأستاذ يغش في امتحانات الترقية، وداعية فشل في تربية أبنائه، وقاض مرتشي، ومحام سارق، وفيلسوف ملحد، يقع كل هذا لتتذكر أنك لا شيء؛ فتواضع ولا تقل أنا. تواضع لله ومع الله وبالله. تواضع لله: بإخلاص العمل له، اجعل غايتك الله، ونيل رضاه والطمع في جنته. تواضع مع الله: بالتواضع مع خلقه، أفشي السلام، أجب الداعي، أكرم ذوي القربى، أحسن إلى الفقراء والمحتاجين، بادر بالتهنئة كما تبادر بالتعزية، عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، أحب الخير للناس، لا تحسد ولا تحقد، لا تجعل هوى نفسك يتحكم بك، لا تتصف بأخلاق الشيطان والحيوان، كن كالملاك بعقلك وتعقلك وحسن أخلاقك .. وتواضع بالله: باستحضار رقابته في كل وقت وحين …وتذكر دائما ذلك الرجل الذي أتى النبي عليه السلام وفرائصه ترتعد، فقال له صلى الله عليه وسلم: “هون عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد”.