هكذا هو حال بلاد الرحامنة خلال هدا العام، أنحبس المطر واكتفت السماء ببعض الطل، كان عام من الشداد على البلاد والعباد، لم يزهر الربيع ، ولم تغرد العصافير، ولم ترتفع أصوات مزامير رعاة الأغنام على ربوات البلاد. عام أقفر أغبر كغيره من السنين العجاف. شاء سحرة القوم أن يصنعوا ربيعا استثنائيا.. انهمرت أمطار المؤسسات “المواطنة” أموالا طائلة، فجرت سيولها في كل مكان، واهتزت أرض الرحامنة وربت وأثمرت الخيام والمنصات مختلف ألوانها وأشكالها لذة للمسئولين المحليين والجماعيين… وارتعت قطعان الخيول في المروج، وأزهرت بنادق الرماة بأدخنة البارود، وعلا صوت الغناء والتصفيق، وكثر المدح والتكسب، حتى قال الناس يا له من ريع، إنه أفضل من الربيع، ليثه يدوم مترنما مغنيا. ربيع النماء والازدهار، فصهيل الخيل وصوت طلقات البارود والغناء أفضل من خرير المياه ورقرقتها في بيوت الفقراء. والخيام والأنصاب أفضل من المستشفيات والمدارس. ومراكض الخيول أفضل من الطرقات… إنها بوادر النموذج التنموي المحلي… انتهى الربيع وهدأ روع الجميع. وحل الصيف، لكن لا حلاوة للصيف دون حصاد الزرع والغلال المختلفة. وبما أن الريع استثنائي، فإن الصيف أيضا استثنائيا. حركة في كل مكان، كان البلاد في حمى وهديان ، يحمل الناس أوعيتهم الكبيرة والصغيرة في العربات المجرورة وعلى الدواب وعلى أكثافهم ويطوفون الحقول الشاسعة ، لجني فاكهة العطش المنتشرة في كل الأنحاء، فرحين مهللين بموسم جيد قد يحطم كل الأرقام ، ويحقق الاكتفاء الداتي من العطش وتصدير الفائض. ربيع وجد فيه الكل ضالته. فالمسؤلون أخدوا ما يكفي من الصور، وفي وضعيات مختلفة، وشتتوا التصريحات والوعود هنا وهناك. والمنتخبون جعلوا من ربيعهم هدا حملة انتخابية متكاملة الاركان وسابقة لأوانها. والسكان وجدوا من ينسيهم الربيع الحقيقي ولو إلى حين. إنه ربيع الإحياء، بعث الحياة في مواسم كانت ميتة، ترقد إلى جانب قبور من نسبت إليهم. ربيع يحيي الموتى، ويقتل الأحياء في صمت وهدوء، فالميت هنا أبقى من الحي. ربيع التنمية الخلاقة ، الذي أهدى لكل الوجهاء من أزهاره باقة. ومنح الغبار ودخان البارود للبسطاء بكل لباقة. ربيع قلب حتى مفاهيم الضيافة عند القبيلة. فقد تم استحضار الولائم ملفوفة في الشاحنات، وأقيمت المآدب والحفلات. المدعون رسميا يأكلون، والحاضرون فضوليا يتفرجون، في مشهد يعيد إلى الأذهان سنوات عجاف سافرت في عمق التاريخ المنسي. جاء الصيف ليكشف الوضع الهش الذي تعرفه المنطقة، فبغض النظر عن العزلة وسوء الخدمات في كل القطاعات، تبقى ندرة المياه أكبر هاجس يقض مضجع السكان في الإقليم .وخاصة في الدواوير النائية، الأمر الذي كشف بوضوح عجز السلطات المحلية والمنتخبة عن حل هدا المشكل المزمن. في ظل وجود ثروات طبيعية مهمة، منها سد المسيرة والفرشة الباطنية بسهل البحيرة .أي أنه بلغة الجغرافيا: “توفر المورد الطبيعي وتخلف العنصر البشري”. الرحامنة كجزء من التراب الوطني، تعكس تخلف الموارد البشرية في كل ربوع الوطن. وهدا ما جعل ملك البلاد ينتقد المسؤولين في خطاباته الرسمية خلال السنين الأخيرة. واضعا مجموعة من الأسئلة المحيرة. ولعل أبرزها : “أين الثروة”؟ نعم سيدي الثروة في كل مكان، فوق الارض وتحت الأرض، لكن المسؤولون فضلوا الرقص فوقها بدل استغلالها وخلق ثروات منها. واثروا تنظيم المهرجانات والحفلات عوض تنظيم المجال الجغرافي ورصد إكراهاته، ومعالجة اختلالاته، والتوصل الى حلول ناحعة لكل مشاكله. في الرحامنة ثروات طبيعية مهمة، لكن غياب التخطيط وحسن التدبير ، والعمل بسياسة در الرماد في العيون وقضاء المأرب الداتية يعيق استغلالها. حتى سكان المنطقة يعتبرون ثروة بشرية هائلة، لكن غياب عناصر الحكامة الجيدة في تدبير الشأن المحلي يجعلها مغبة أيضا. طبتم وطاب ربيعكم أيها المسؤولون ، وطاب صيفكم الذي قضيتموه في المنتجعات تاركين النيابة للعطش. 1. التنمية 2. الرحامنة 3. العطش 4. زراعة البارود