انطلق الربيع العربي منذ قرابة عقد من الزمن، وكل أمل الشعوب التي ركبت قطاره أن تعانق الحرية وتنعم بالكرامة والعدالة الاجتماعية، فتتخلص من الاستبداد الجاثم على صدورها وتختار مثلها مثل بقية شعوب الأرض حكامها ونظام حكمها. ورغم أن هذه القيم التي قامت من أجلها شعوب الربيع العربي كانت هي نفسها القيم التي فجرت الربيع الأوروبي خلال القرن 18م وهي نفسها التي فتحت الطريق أمام القوى العظمى في العالم شرقا وغربا نحو القوة والازدهار، إلا أن موقف هذه الدول كشف عن وضع غير مغري في حقيقة الغرب وقيمه المدعاة، ورفع القناع عن تجاعيد وجهه المطبوع بالعنصرية والحقارة والاستكبار. كشف هذا الموقف ومواقف قبلها أن اضطهاد الأقوياء للضعفاء سياسة عامة وقاعد أساسية في النظام الدولي من أجل تحقيق مآرب الكبار وحفظ التوازنات بينهم، ومهما تعددت أشكال هذا النظام وتلونت خطاباته فإن روحه الشريرة لا تهتدي عن الاستعلاء على الشعوب الضعيفة واستغلال ثرواتهم. صحيح أن المستضعفون على عهد الحرب الباردة كانوا يجدون متنفسا بين الشرق والغرب. أمريكا كانت تدعم الطواغيت فتجد الشعوب المقهورة سلاحا ونصيرا عند السوفيات (أمريكا اللاتينية مثلا )، أو العكس، يغزوا السوفيات بلدا (أفغانستان، الشيشان…) فتدعم أمريكا المقاومة ضدا في خصمها الاتحاد السوفياتي. لكن اليوم، التوافق بين الشرق والغرب على سحق العالم الثالث لم يترك للمستضعفين متنفسا. وهذا الاستثناء زمن الحرب الباردة، الباردة عليهم والحارقة على الشعب الفيتنامي والأفغاني والفلسطيني …، لا يقاس عليه اليوم،. وخريطة العالم السياسية محمية بقانون دولي من أجل مصلحتهم لا من أجل مصلحتنا، ومحرك التحالفات في الشرق والغرب هو العداء للمسلمين أولا والطمع الاقتصادي ثانيا . ليستقر هذا عندنا!. أما المقولة القائلة بانتقال العالم من عالم ثنائي القطب إلى عالم أحادي القطب ثم اليوم إلى عالم متعدد الأقطاب، ففيها الكثير من التضليل الاستراتيجي، بل لا يعدو الأمر أن يكون تعدد سياسي من داخل نفس النظام، تؤطره فلسفة واحدة قائمة على المصلحة فوق كل مبدأ . والمصلحة الاستراتيجية للنظام الدولي القائم يحددها في تجفيف منابيع كل حضارة لها قيمها الخاصة ولها عمقها التاريخي الذي يحول دون اندماجها في منظومته الاستكبارية. على ضوء هذه الحقيقة فقط يمكن استيعاب حقارة الموقف الدولي من الانقلاب على الرئيس الشرعي لمصر محمد مرسي، وفهم دلالات استرخاص دماء الشعب الليبي والشعب اليمني، وعلى ضوءها فقط يمكن ادراك سر إجماع الموقف الدولي على حرمان ثورة الشعب السوري من الانتصار. ومن على عينيه غشاوة الشك في وقاحة المجتمع الدولي فليتأمل في القضية الفلسطينية ؟ الكارثة الفلسطينية! المنظومة الدولية إقصائية استكبارية هذه حقيقة لا ينكرها أحد والقانون الدولي لن يحمي المستضعفين خاصة إن كانوا مسلمين، لهذا، على الشعوب العربية المنتفضة ونخبها المؤمنة بحقها في الوجود الحضاري المستقل أن تعي هذه الحقيقة، وتشق طريقها بعزم ويقين لا يرتهن إلى أحد إلا الذات، إلا الشعب وقواه الحية. وإن حصل دعم لأي ثورة في قطر ما في إطار تحقيق التوازنات بين عناصر النظام الدولي فذلك فضل لا أصل. ويبقى الخيار الثوري على النظام العالمي القائم وقبله الأنظمة التي تركها وكيلة له على دول العالم الثالث هو أصل لا مهرب منه. دون أن يعني ذلك التغافل عن غشيان المجالس الأممية واستثمار ما تتيحه المؤسسات الدولية من مساحات. إن لم يكن من أجل فرض كلمتنا فمن أجل كشف حقيقة فلسفة وقوانين النظام الدولي وإحراج ممارساته.