السياق الذي نتداول فيه هذا الموضوع يتمثل في الجدل الذي صاحب فكرة حزب الحب العالمي التي لقت ردودا مختلفة وهي ردود تراوحت بين السخرية من الفكرة حزب مغربي يتخذ الحب شعاراً له… وهي سخرية تتغذى في مجملها من الصور النمطية التي ألصقت بالحب وصاحبته في مجتمعنا أما الصنف الثاني من هذه الردود والذي يبدو أكثر معقولية فهي التي رأت في ربط فكرة الحب بالسياسة كمجال لتدبير الشأن العام مسألة لا تستقيم خاصة في شروطنا الراهنة. تبدو الأفكار الساخرة والقدحية بالنسبة لمن يملك تصورا عن مجتمعنا منتظرة لكن يعاب عليهاالوقوفعند مفهوم الحب بسطحية واختزالية كمن يتوقف عند عنوان الكتاب دون قراءته، فالحب بالنسبة لأصحاب هذه الردود ترف وميوعة ويرتبط ذلك بثقافة خجولة ومترددة في الايمان بالحب ولا ينظر اليه الا باعتباره ضعفا، فالزعطة/طايح/تيذوب… كل هذه الاصطلاحات تفيد الضعف والسقوط، بحيث يكون التعبير عن الحب في اللاوعي الجمعي ضعفا وليس قوة، فلا الأزواج يعبرون لبعضهم البعض عن حبهم ولا الآباء مع أبنائهم ولا الأصدقاء بينهم الا نادراً… وكأن لا أحد يود أن يبرز ضعفه لهلا يطيح حبك على حجرة ! تنم مجموعة من الردود الساخرة عن صور نمطية يتبناها المجتمع إزاء الحب بالإضافة الى نوع من الاختزالية في تحديد الموضوع، بحيث يختزل الحب في علاقة رجل امرأة أو حب بين الناس في حين يمتد الحب فلسفياً ليكون نمط وجود وفضيلة كونية تجاه كل ما تجمعنا به الحياة في هذا الكوكب، فانصهار الأفراد داخل المجتمع وحبهم للوطن واحساسهم بالانتماء وتقدير الذات لا يرتبط فقط بتعديلات تقنية واصلاحات في البنى المادية أو ما يسميه دوركهايم ب La densité matérielle بل يحتاج الأفراد الى التربية على الحب والود وثقافة الامتنان للآخر والاعتراف به وهذا يمر عبر البرامج والمناهج التربوية ووسائل الاعلام التي عليها أن تتبنى الحب بدل تكريس ثقافة الضغينة والكراهية السائدة. لقد عرفت اللحظة الحديثة القرن 16 عشر قلبا للبراديغم السائد في الفلسفة السياسية حين طردت الأخلاق من مجال السياسة وتحولت هذه الأخيرة مجالاً للمكر والخداع والكذب وهو سياق صار فيه الفكر السياسي/اللحظة المكيافيلية يبحث عن المنفعة وقد توجه مكيافيلي في كتابه الأمير للحاكم في ظل إيطاليا مشتتة ومقسمة في حاجة لمن يوحدها ويجمع شتاتها. لكن ما محل الحب هنا هل الحب قيمة أخلاقية Morale لنطرده من السياسة كما تصر الكثير من الأحزاب على طرد الأخلاق أو ادعائها ممارسة التقية؟ تتعدد مرادفات الحب/امتنان/وجد/عشق/وله/ولع… وتختلف التصورات الفلسفية ازاءه ويمكن التمييز في هذا الصدد بين الحب الايروسي والمرتبط بالجنس والمتعة والحب فيليا أو الحب الرومانسي وهناك الحب الإلهي Agapy الذي يدعو له الانجيل وتزخر الثقافة العربية في الشعر بما اصطلح عليه الحب العذري… في هذا الصدد يتساءل الفيلسوف الفرنسي سبونفيل عن المرأة التي ترضع ابنها هل تقوم بذلك بحب أم لأن الواجب الأخلاقي يفرض عليها ذلك؟ يجيب سبونفيل “يا لسوء حظ هذا الابن اذا كان الواجب هو من يحدد ذلك ويا لحظه اذا كانت تقوم بذلك عن حب” ان الحب بهذا المعنى ليس قيمة أخلاقية بل فضيلة Vertu تتجاوز الأمر والاكراه بل هو عطاء سخي ينطلق من ذاته للخارج. لنعد الى سؤالنا التمهيدي هل الحب حاجة أم اختيار؟ قلنا أن الحب فضيلة وليس قواعد وأوامر فلا أحد سيأمرك بأن تحب شخصاً أو شيئاً ما… كما أنه لا أحد مجبر على تبرير حبه، بحيث يستوجب منا الأمر التمييز بين الحب الخاص كعاطفة والحب كايتيقاEthiqueأي بين المجال الخاص والمجال العام في الخطاب السياسي فالحب السياسي ينطلق من المجال العام/الفضاء العمومي/المصلحة العامة فمن انبثاق المجال العام في المجتمع الاغريقي استطاعت هذه الحضارة أن تلقن الشعوب الأخرى درساً في الديمقراطية ولهذا يكون الحب حاجة واختيار حاجة في ظل سيادة مشاعر الضغينة والكراهية والغبن بحيث تكون مدخلاتنا في التربية وقنوات التنشئة الاجتماعية في حاجة لمراجعة من حيث نظرتنا للذات الآخر والطبيعة. لكن كيف يكون الحب اختيارا سياسيا؟ للإجابة عن هذا السؤال وجب الارتكاز على الفلسفة التي ينطلق منها الخطاب أو الحزب الذي يجعل من الحب أساساً له، فلماذ هذا الاختيار في مجتمع ينظر فيه الناس للحب ترفاً وميوعة وتصارع فيه غالبية الناس من أجل توفير الحاجات الحيوية؟ ألا تحتاج الممارسة السياسية لفضيلة الحب/ حب الوطن حب العطاء والمنح للآخرين ألا تحتاج البشرية كجزء من الطبيعة الى حب كل الحيوات الأخرى التي نتقاسم معها الوجود، فالحب بهذا المعنى الذي يتجلى كفضيلة لا يدير ظهره للعالم ولا يغرق في الذاتية بل ينشط في الفضاء العام وتهمه المصلحة العامة وينشغل بالمشاكل الايكولوجية وبسؤال المصير وهو كذلك الأصلح كاختيار ملح لمقاومة جشع الرأسمالية بنظرة صديقة للطبيعة ترى مصير 7 مليار نسمة رهيناً بمصير باقي الحيوات الأخرى واستمرارها هنا بالضبط نحن في اتيقا الحب.