اتخذ مفهوم الحق في المقاومة سمة بارزة في تاريخ الفكر البشري، باعتبارهنتيجة لغياب العدل والمساواة والحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، وعلى هذا الأساس تبرز في المجتمع قوتان متنافرتان، الأولى تمثلها قوة السلطة الحاكمة وشوكتها، أما الثانية فتمثلها قوة المعارضة التي تعتبر الحياة والوجود فوق القانون. فما هو موقف الفكر الكاثوليكي والبروتستانتي من مفهوم الاشتقاق عن الأنظمة السياسية في القرون الوسطى؟وكيف تم التقعيد لمفهوم الحق في المقاومة عند رواد الفكر السياسي اللبرالي الحديث؟وما موقف ميثاق الأممالمتحدة من هذا المفهوم؟ وهل يمكن الحديث عن الحق في المقاومة في حواضر العالم العربي والإسلامي المعاصر؟ لمّا تبرقعت الأنظمة السياسية الحاكمة في القرون الوسطى ببرقع الالتزام بالدين المسيحي الجديد،نتج عن ذلك استضعاف المؤمن بالدين المسيحي في الأرض، تحت ذريعة الدين والشرع والقانون، وبالرغم من ذلك، كانت طائفة من علماء وفقهاء اللاهوت الكاثوليكي والبروتستانتي من أقرو بضرورة الحق في مقاومة الأنظمة السياسية المستبدة والديكتاتورية،التي تسعى إلى خراب المجتمع والإضرار بالمصلحة العامة، أو تحاول تقويض القيم التي يقوم عليها نظام المجتمع، وعليه فالجميع مكلف بطاعة السلطان فيما يحقق هذا الهدف، وفي حدود الدستور. وإذا هو تعدى على الحدود، فلا طاعة له على أحد، وجازت مقاومته والانشقاق عليه. أما الفقيه القديس توما الأكويني، فقد حاول أن ينظر إلى المفهوم من منظور الوسطية والاعتدال، من خلال إقراره بضرورة الحق في المقاومة شريطة ألا تصل إلى حد الثورة على الحاكم وعزله، في حالة وقوعه في الجور نتيجة تجاوزه لحقوق العباد، لكن، يجوز الثورة عليه وعزله والانشقاق عليه إذا كان ذلك الجور يمس ويتجاوز القوانين والشرائع الإلهية. ومنه نستخلص أن ملامح ومعالم بزوغ مفهوم الحق في المقاومة في فترة القرون الوسطى بدأت تتطور تدريجيا، بداية بنفي هذا الحق، وتوسيم الملك أو الحاكم بسلطة مطلقة تسري على الرقاب والعباد، ثم انتهت بالانتصار له. وأجازت نوعا ما فكرة الاشتقاق والحق في مقاومة الحاكم المستبد. أما بالنسبة لمفهوم الحق في المقاومة في الفكر السياسي اللبرالي الحديث، فهو والعقد الاجتماعي سيان، وقد تطور العقد الاجتماعي تدريجيا معه. وأغلب علماء وفقهاء السياسة الذي نظروا لمفهوم العقد الاجتماعي،قد اجمعو على كون المجتمع نشأ من خلال عقد أبرمه الناس فيما بينهم، ويعني أن الأفراد قد انتقلوا من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع من خلال عقد أبرموه فيما بينهم، وقد اتفقوا على هذه الفرضية، غير أنهم اختلفوا في فحواها ومحتواها. اعتبر توماس هوبس أنالعقد الاجتماعي هو عقد أطرافه الناس من جهة، وفرد ليس طرفا في العقد من جهة أخرى، أي الحاكم، وبمقتضى هذا العقد تنازل الناس عن كافة حقوقهم التي كانت لهم في حالة الطبيعة لذلك الشخص الحاكم، دون أية التزامات عليه لكونه ليس طرفا في العقد، ووجب عليه فقط بناء قوته وتحصينها، وذلك حتى يتمكن من تأمين وتحقيق الأمن والسلام في ربوع المجتمع، دون التقيد بأي شروط أو قيود،أي الملكية المطلقة، وبالتالي لا يجوز عصيانه أو التمرد عليه لأن شروط العقد ومقتضياتهتتقيد بمبدأ الطاعة والخضوع للسلطة الحاكمة. أما جون لوك،فله رؤية مخالفة تماما لتوماس هوبس، في ما يتعلق بمفهوم الحق في المقاومة، إذ العقد الاجتماعي عند لوك فيه طرفين وهما أطراف الناس من جهة ، والحاكم من جهة ثانية، وبالتالي فالحاكم هو طرف في العقد، وسيسري عليه ما يسري على الجميع من حقوق وواجبات،وبمقتضى هذا العقد يتنازل الناس لحساب ذلك الشخص عن بعض حقوقهم الطبيعية، فتولدت له بذلك السلطة عليهم، في مقابل أن يلتزم الحاكم بصيانة ما تبقى للناس من حقوق وحريات طبيعية، وإلا فحقت لهم الثورة عليه وعزله من منصبه، وبهذا تكون السلطة عند لوك مشروطة بالتزام الحاكم بتوفير العدل والمساواةوالحقوق والحريات الفردية، لكن، إن كان جون لوك أجاز الحق في المقاومة وعزل الحاكم والانشقاق عليه، فإن هذا الأمر لا يمكن أن يكون سببا لحل أو تقويض المجتمع، بل يقتصر الأمر فقط علىحل السلطة السياسية ، لكون المجتمع مرتبط بالعقد الأصيل، إذ عقب الثورة تعود السلطة الأساسية للمجتمع ذاته عن طريق اختيار سلطات تشريعية وتنفيذية جديدة. ومن هنا نستخلص من منظور الفكر السياسي اللبرالي الحديث أن السلطة عند توماس هوبس هي سلطة مطلقة غير مقيدة، تلزم على الأفراد حق الطاعة والامتثال لأوامر الحاكم صاحب السيادة المطلقة، وعلى هذا الأساس ينتفي حق المقاومة والانشقاق عن الحاكم الجائر والمستبد، بناء على مقتضيات وشروط العقد. أما عند لوك فهي سلطة مقيدة بشروط، بناء على ما تنص عليه بنود وشروط العقد، من خلال التزام الحاكم بحماية الحقوق والحريات والممتلكات.وبذلك تكون نتيجة العقد عنده هي تمرد وعصيان وثورة على الحاكم، إذاأخلفببنود وشروط العقد. نتج عن هذه المُطارحات التي تبناها رواد الفكر السياسي اللبرالي الحديث، اندلاع الثورات السياسية في أوروبا ابتداء من القرن الثامن عشر، ضد الأنظمة السياسية الديكتاتورية والمستبدة، بسبب مساوئ الحكم، وغياب الحرية والديموقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية. وكما أن من أبرز النصوص الأساسية التي تضمنها إعلان حقوق الإنسان والمواطن سنة 1789م، الحق فيمقاومة الأنظمة المستبدة والاضطهاد، أنظر المادة الثانية من هذا الإعلان. وكما أقر هذا بعض الحقوق الطبيعية للإنسان، التي لا يجوز بتاتا المس وبها، وهي: حق الملكية، الحق في الأمن، الحق في مقاومة الظلم والاستبداد. فإذا كانت المجتمعات العربية والإسلامية المعاصرة تعاني من فقر في الديموقراطية، والعدل، والمساواة، والعدالة الاجتماعية، وأحيانا بشهادةبعض حكامها، فهي بدورها لم تسلم من بروز معالم هذا المفهوم، نظرية وممارسة، ويمكن استجلاء ذلك من ما يطلق عليه ب”ثورات ربيع الشعوب”، هذه الأخيرة التي تنامت وثيرتها بشكل سريع في أغلب حواضر العالم العربي والإسلامي المعاصر، لكن يمكن اعتبارها مشروع لم يكتمل بعد، بسبب بسيط جدا، يكمن في كونها لم تحدث تغييرا عميقا لجذور الفساد والاستبداد، وكذلك لم تتأسس على بنية صلبة، بتمهيد من الطبقة المثقفة والنخبة التي تأمن بمعنى الديموقراطية والعدل والمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية.