في أول تقرير رسمي من نوعه لسلطة عمومية حول حراك الريف، اعترف تقرير المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان أحمد شوقي بنيوب، أن إشكالية التعليم والصحة بالمنطقة جاءت في صدارة أولويات مطالب الحراك، معتبرا أن الدولة والمجتمع “احتضنا أحداث الحسيمة ولم يديرا لها الظهر”، داعيا إلى إجراء تقييم حول حقوق الإنسان والنموذج التنموي على صعيد الحسيمة والمنطقة. بالمقابل، اتهم المندوب الوزاري قائد حراك الريف ناصر الزفزافي بتأجيج الأوضاع أثناء الاحتجاجات، محملا إياه مسؤولية الأحداث التي رافقت اعتقاله بعد صلاة الجمعة بإحدى مساجد الحسيمة، معتبرا أن الزفزافي “عرقل خطبة الجمعة وهذا لا يمكن قبوله”، مشيرا إلى أن الزفزافي كان عليه الانسحاب من المسجد إذا لم يتنقع بالخطبة لا أن يثير الضجة، وفق تعبيره. جاء ذلك خلال تقديم تقرير بنيوب حول “أحداث الحسيمة وحماية حقوق الإنسان”، صباح اليوم الخميس ضمن ملتقى وكالة المغرب العربي للأنباء، حيث تناول 6 محاور وهي وقائع ومعطيات نوعية، محاكمة الدارالبيضاء وضمانات المحاكمة العادلة، أعمال وجهود السلط والمؤسسات الدستورية، اللقاءات التواصلية ومبادرات الفاعلين المدنيين، مستخلصات حول السياق والتظاهر والذاكرة والمجال، إضافة إلى استنتاجات وتوصيات. وتطرق المسؤول المذكور ضمن محاوره الست، إلى ملفات انطلاق أحداث الحسيمة وتطوراتها ومطالب النشطاء ودخول التجمهر دائرة التوتر والمساس بالنظام العام وتوافر شروط المحاكمة العادلة، وكذا تتبع الطبقة السياسية للأحداث من داخل البرلمان وتوصيات المجلس الأعلى للحسابات، إضافة إلى دور المجلس الوطني لحقوق الإنسان. اعتراف بالمطالب التقرير الذي قدمه بنيوب، اعتبر أن وثيقة مطالب الحراك ركزت على إشكالية التعليم من “منظور التهميش ومحدودية أفقه العصري واضطهاده الفعلي لتطلعات الفتاة الريفية”، موضحا أن الصحة تتقدم سلم الأولويات في الحراك مسنودة بالمطالب التي اكتست طابع الإجماع. وأشار إلى أن مطالب نشطاء الحراك بإحداث المستشفى الخاص بالأنكولوجيا وباقي التجهيزات على مستوى البنيات والتخصصات، “جعل المادة المطلبية في هذا المستوى، تنشد تأهيل المنظومة الصحية وتأمين الولوج إلى الخدمات العامة والتخصصية دون إغفال كفالة التوزيع المجالي”، وفق تعبيره. وقال المندوب الوزاري إن الثقافة تتبوأ المرتبة الثالثة في ترتيب مطالب الحراك بعد التعليم والصحة، مشددين على ضرورة حفظ الذاكرة وتاريخ الريف، كما أن المرأة تبقى حاضرة في مركز الانشغالات بهذا الخصوص، كما يتوسط القطاعان البيئي والرياضي، هندسة المطالب بتموقعهما بين أولوية الأولويات سالفة الذكر. وبخصوص المطالب الاقتصادية الأخرى، أشار التقرير إلى أن المتظاهرين بشوارع الحسيمة والمناطق المجاورة لها كانوا يطالبون بحقوقهم في قطاعات الصيد البحري والفلاحي والتشغيل والنقل والمواصلات والبنكي والضريبي ومراقبة الأسعار، وصولا لما يتعلق بنزع الأراضي وما يشمل المستويين الإداري والتدبيري. ويرى التقرير أن هذه المطالب، بأولوياتها وصيغها ونبراتها، كما صاغها وقدمها أصحابها وهم في فورة الأحداث، تطرح، واقعيا ونظريا، سؤال الفجوة، بينها وبين العديد من الجهود القطاعية المنفذة أو في طور الإنجاز أو المبرمجة، مضيفا: “مما يزكي هذه الفجوة، الأسئلة التي أثارتها الطبقة السياسية داخل البرلمان، وتوصيات المجلس الأعلى للحسابات، وملاحظات المبادرات المدنية، مما يحتم طرح سؤال تقدير الحاجيات وتحديد الأولويات ورصد أفقها”. تقييم حقوق الإنسان بنيوب دعا في تقريره إلى إجراء تقييم بشأن فعلية حقوق الإنسان وللنموذج التنموي على صعيد الحسيمة والمنطقة، على أن يتولى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي هذه المهمة، مسجلا أن استعراض أوضاع حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وفي مقدمتها مشاركة النساء والشباب وتمدرس الفتيات والنهوض بالحقوق الثقافية، يعد بمثابة العصب الحساس لقضية التنمية. وشدد المتحدث في تقريره على أن “الحاجة تبدو ملحة إلى تقييم شامل يأخذ بعين الاعتبار، في المنطلق والأهداف، وفي التشخيص وتحديد رهانات التنمية، احتياجات الناس، ومؤشرات الولوج إلى الخدمات العمومية وتمدرس الفتيات وجودة التعليم وتأهيل المنظومة الصحية وضمان الولوج إلى الخدمات الصحية، على نحو مستدام”. وطالب بقييم يضمن إنشاء “تجهيزات ملائمة وبنيات استقبال متطورة توفر الأطر الطبية وشبه الطبية، والكل في إطار مشاريع، ترفع القيود التي تعيق المصالحة مع الذاكرة وتذلل الصعاب الإدارية والهيكلية والقانونية المعيقة للتنمية”. وخلص التقرير إلى ضرورة طرح سؤال الحاجة إلى تقييم فعلية النموذج التنموي للحسيمة، الموضوع الذي يستحق التفكير سيما وأن الخبرة المؤسساتية الوطنية لها ما يكفي من التجربة والفنية وبعد النظر والتفكير الاستراتيجي في هذا المجال، على حد تعبير بنيوب. احتضان الدولة والمجتمع وفي نفس السياق، اعتبر بنيوب، أن “الأمة المغربية، على مستوى الدولة والمجتمع، احتضنت أحداث الحسيمة ولم تدر لها الظهر”، لافتا إلى أن “السلطات العمومية الأمنية المعنية بحفظ النظام العام تمكنت من الحفاظ على رباطة الجأش وحماية الحقوق والحريات لما يربو عن نصف عام من الأحداث، فيما يمثل أول ممارسة فضلى نوعية في تاريخ المغرب في إطار معادلة الأمن وحقوق الإنسان”، حسب رأيه. وأضاف: “الإرادة العليا للدولة جسدت، في المقام الأول، الاحتضان الموصول والدائم بقرارات استراتيجية مؤسسة للمصالحة، منذ مطلع الألفية، من بينها على سبيل المثال خطاب أجدير (2003) والمصادقة على نتائج وتوصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، والإعلان عن مخطط “الحسيمة منارة المتوسط”، وتتبع مستويات نجاعة تنفيذه، وتوجيه خطاب العرش من قلب الحسيمة سنة 2018، وصدور القرارات المتوالية بشأن العفو على محكومين في ملفات قضائية على خلفية أحداث الحسيمة”. وأشار إلى أن ذلك “يعد بمثابة حلقة تأسيسية نوعية في مسار معادلة الأمن وحقوق الإنسان”، مشددا على أن “هذه الممارسات الفضلى المتولدة في قلب التحديات والتجارب الميدانية الكبرى تستحق التحليل والترصيد من قبل مؤسسات الأمن ومؤسسات حقوق الإنسان”، وفق تعبير التقرير المذكور. وحول طريقة تفاعل السلطة الحكومية مع الأحداث، قال بنيوب إن الأمر تم ب”انسجام مكوناتها التنفيذية، ما بين نهاية أكتوبر 2016 والأسبوع الأخير من ماي 2017، إذ تم تنفيذ 17 زيارة وزارية، جسدت، رغم عدم تجاوب نشطاء معها، تعبيرا عن اليد الممدودة وقيام السلطة التنفيذية بأدوارها”، مضيفا أنه “في خضم الأحداث الكبرى تمكنت الحكومة وبسرعة مباشرة ، بعد انعقاد المجلس الوزاري، من استئناف تنفيذ التدابير الواجبة في إطار المشروع التنموي بمنطقة الحسيمة”. وذكر “تفاعل السلطة السياسية من خلال البرلمان على صعيد مجلسيه بواسطة أسئلة الفرق البرلمانية والمجموعات وتصرفها بهاجس مشترك وطني وتضامني مع الحراك”، مردفا بالقول إن “المجلس الوطني لحقوق الإنسان أسس من خلال مواكبته المنتظمة لأحداث الحسيمة لممارسة فضلى بملامح مهنية وإنسانية، تستوجب هذه التجربة وتوثيقها واستخراج قواعد مرجعية توجيهية حيث تعد الأولى من نوعها في تاريخ المؤسسة الوطنية”. كما تطرق التقرير إلى “المبادرات المتنوعة الأشكال والصيغ التي قامت بها فعاليات ومنظمات مدنية، تميزت بالاستدامة والمواكبة، وقدمت في بعض الحالات خلاصات معرفية بالغة الأهمية تقاطعت مع أخرى انتهى إليها باحثون أكاديميون كمحاولات لفهم ماجرى في أحداث الحسيمة”، حسب بنيوب. 1. أحمد شوقي بنيوب 2. الحسيمة 3. الزفزافي 4. المغرب 5. حراك الريف 6. حقوق الإنسان