إننا في أمس الحاجة إلى نبي فحين تعم الفوضى وتشتد الأزمات يبعث الله بأنبيائه هكذا تشي الروايات الدينية فهل تصدق نبوة في القرن الواحد والعشرين؟ إن سؤالا كهذا يبدو الجواب عليه محسوما على الأقل إسلاميا فرسول الإسلام خاتم النبيئين والمرسلين، اللهم إن استثنينا الاعتقاد في ظهور المهدي المنتظر! لكن دعونا نفحص هذه الإمكانية في ضوء ما تفرضه نبوة في عصر كهذا: عصر الأنترنت وسرعة انتقال المعلومة والقدرة على التشكيك والفحص في أي خطاب في مجتمع صار قرية صغيرة تتدفق فيه الأفكار ويتم تناقلها بشكل مهول بطريقة قد تؤثر على الرأي العام وتتحكم فيه أكثر من أي وقت مضى… مما يستوجب من نبي القرن الواحد والعشرين أن يكون بارعا في عالم النت وله قدرة على تسويق نفسه في عالم يحكمه المال والأعمال، نبي يعرف كيف يصنعBuzzوإلا لن يحفل به أحد رغم أن معظم الأنبياء في بدايتهم تم التشكيك فيهم والإعراض عنهم ولم يفلحوا في البداية إلا بمقدار، باستثناء من أوتوا المال والجاه منذ الوهلة الأولى مثل النبي سليمان، فموسى كانت معجزاته وعصاه حاسمة في رحلة نبوته أما عيسى فمعجزاته في إحياء الموتى وشفاء المرضى فارقة في ولاء حوارييه واستئنافهم الدعوة بعد صلبه، أما إذا عدنا لأنبياء كيوسف فنبوءته انتزعت عن جدارة حين فسر حلم عزيز مصر وإظهاره لقدراته في التنبؤ… لنرى إذن ماذا تبقى لنبي هذا العصر من معجزات؟! أعتقد أن سليمان وموسى وعيسى وحدهم استنزفوا كل المعجزات ولن يبقى لنبي عصرنا هذا إلا أن يتشبت بخيط الأمل الذي توفره التكنولوجيا وعالم الإتصال فحتى الطبيعة استنطقها العلماء وكشفوا جل أسرارها، فنحن سنكون سذجا إن نحن طلبنا من نبي معاصر أن يأتينا بمائدة من السماء كما فعل تلامذة المسيح أو أن يشق لنا البحر! إن فكرة كهذه يمكن أن تخطر في بال كاتب سينمائي، أما نبي عصرنا يفترض فيه أن يعيدنا إلى الأصل إلى بدايات الفكرة مع نبي يعرف جيدا كيف يرتكب الأخطاء التي ستصبح خطيئة مع مرور الزمن، قلت المفترض في نبي عصرنا أن لا يراهن على قدراته الغرائبية والعجائبية وإلا اتهم بخدع السحر La magie التي تدرس تقنياتها أو بأن ما يقوم به لا يعدو أن يكون بفعل المؤثرات الخاصةles effets spéciaux… إن نبي القرن الواحد والعشرين لن يكون مضطرا حتى ليلفت الإنتباه إلى نبوته أو أن يحذر من قرب النهاية المحتومة التي عرف الأنبياء بترديدها كل بطريقته، بل نبينا سيشكل قطيعة مع نبوات راهنت على أدوات بسيطة كالحجر والعصا وسيتشبت بتكنولوجيا مهولة في نتائجها وتأثيراتها، لهذا فنبي عصرنا ستحبل به الصين أو اليابان أو أمريكا ولعل الصراع الصيني الأمريكي المحتدم ليس سوى صراعا حول من يملك نبوءة الحاضر والمستقبل أما نبوءاتنا نحن فهي حبيسة الكتب المقدسة نقرأ عنها ونكتفي بعزاءاتها دون أن نراها…