هناك اجماع كبير من لدن المغاربة بما في ذلك الباحثون الذين تناولوا موضوع القيم في المجتمع المغربي، بحيث يكاد الكل يتفق بما في ذلك غير المتخصصين بأن مجتمعنا يعاني أزمة قيم لكن كيف يمكن أن نفسر هذه الأزمة وهل فعلا مجتمعنا يعاني أزمة قيم أم أننا أصبحنا ننتج قيم الأزمة تربوياً وسياسياً؟ عندما يعترض مجتمعنا المتدين عن العلمانية يتذرع بمصير الأخلاق لأنه يعتبر الدين مصدرا لها ويربط العلمانية بالإنحلال الأخلاقي وتلاشي المعايير الأخلاقية، مشكلة المتدين هنا عندما يصدر في موقفه عن ربط الأخلاق بالدين واعتبار الدين أساسا للأخلاق وتكون القاعدة الأخلاقية عنده هي ما يأمر به الدين وما ينهى عنه، في حين أن المعطيات الأنثربولوجية والتاريخية والوقائع تفيد أن الأخلاق سابقة على الدين والأخلاقي ليس بالضرورة يدين بدين ما وليس كل متدين أخلاقي، فالأخلاق هي ما يتواضع عليه المجتمع من قواعد ومعايير تؤسس للقيم السائدة في ثقافة ما، فعندما نقول أن مجتمعنا يعاني أزمة قيم لا يعني ذلك بالضرورة أن السبب هو ابتعاد الناس عن الدين مادامت المساجد مملوءة عن آخرها والناس تصوم وتصلي وإنما الأزمة هنا تنشأ في تصورنا للأخلاق وحصرها في فكرة الخلاص الفردي المشروطة بعبارة افعل وانتظر؛ إذا عاملت الناس بلباقة ستحصل رضى الله، وإذا ابتسمت في وجه صديقك تكتب لك صدقة، بحيث يكون ربط الأخلاق بما سيديره عليك التحلي بها من نتائج، في المقابل نجد الأخلاق الكونية الكانطية التي تنطلق من كونية القاعدة الأخلاقية بحيث لا تكون هناك أخلاق المسيحي وأخلاق المسلم وأخلاق الهندوسي بل هناك قاعدة أخلاقية أينما حللت وارتحلت تستحضر الإنسان كغاية في ذاته مصدرها العقل العملي والتشريع الذاتي السابق على أي انتماء أو إيديولوجيا دينية فأنت عندما تصدر في فعلك الأخلاقي عن العقل العملي لا تستحضر أنك ستساعد عجوزا لتسوق صورة دينك وإنما ستساعد عجوزا لأنه وجب عليك أخلاقيا أن تساعد إنسانا يحتاج للمساعدة بغض النظر عن أي شرط آخر فتعوض القاعدة الدينية افعل وانتظر أو كما يقول المغاربة -دير الخير تلقى الخير التي تتحول إلى ما دير خير ما يطرا باس- بقاعدة افعل وكفى… إن الفعل الذي يكون أخلاقيا في ثقافة ومجتمع ما ويكون خلاف ذلك في وسط وثقافة أخرى لا يمكن أن يكون مرجعا في بلد يتبنى التسامح والإنفتاح وكل فعل لا يأخذ بعده الكوني ويتشبت بخلاص فردي ليس فعلا أخلاقيا، فالأمر لا يتعلق بأخلاق المسلمين أو أخلاق المسيحيين أو البوذيين وإنما بالأخلاق كرهان إنساني لا يمكن أن يحظى بها المجتمع بمنأى عن علمنة المجال السياسي والفضاء العام وتعويض الورع والتقوى الفرديين بثقافة تقبل الآخر والعيش المشترك…