(وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِه *** إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ) المتنبي عرف مجلس النواب حدثا صغيرا، لكنه ذو زلة سياسية كبيرة، فالحدث انتخاب رئيس لجنة برلمانية، والدلالة السياسية هي صورة عن واقع الأغلبية التي تدعي الانسجام، أو هي حقيقة الحزب الأول الذين يوثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة إلا على مستوى رئاسة اللجان. وما زاد الطين بلة هو ذلك التبرير القانوني والدستوري الذي فسر به الفريق الأول هذه الواقعة، حيث تارة بداعي الخوف من المحكمة الدستورية، وتارة أخرى بداعي احترام التمثيلية النسبية. إذن، دعونا نعود إلى القانون، ونبدأ بالدستور، فالفصل 62 منه، في فقرته الثالثة ينص على مبدأ انتخاب أعضاء مكتب مجلس النواب ورؤساء اللجان الدائمة من الناحية الزمنية، أي إلزامية إجراء الانتخابات الداخلية في مستهل الفترة النيابية وخلال منتصفها. غير أن الفقرة الرابعة من نفس الفصل، نجدها قد خصت انتخاب أعضاء المكتب باستثناء فريد ومستقل، وهو انتخابهم على أساس (التمثيل النسبي لكل فريق)، وهاته المسطرة تهم بالأساس أعضاء مكتب مجلس النواب، الذي يضم ممثلين عن الفرق بحسب تمثيلية وحجم كل فريق في المجلس. لذلك، سنلاحظ أن الفصل الدستوري استثنى انتخابات رؤساء اللجان الدائمة من شرط (التمثيل النسبي لكل فريق)، أي غض الطرف على رؤساء اللجان، وجعل انتخابهم مرتبط باختيار السادة النواب، إذ ليس هناك مانع دستوري لترشيح أي عضو رئيسا للجنة خارج نظرية التمثيل النسبي للفرق، ومن تم خارج اقتراح الفرق أنفسهم. ويبدو أن المشرع الدستوري استهدف بهذا الفصل في رئاسة اللجنة، ترشيح الكفاءة أكثر من التمثيلية، لأن رئاسة اللجنة مهمة وظيفية وليس تمثيلية سياسية. وباستحضارنا للفصل 10 من الدستور، والذي ينص على منح رئاسة لجنة العدل والتشريع للمعارضة، فنجده لا يشترط ترشيحا من (فريق) في المعارضة، بل ينص على المعارضة بشكل عام، علما أن تحديد الموقع السياسي (أغلبية أو معارضة) مرهون برسالة فردية لكل نائب، أو من خلال فريقه، وبالتالي تفسيرنا للفصل 62 في ارتباط مع الفصل 10 من الدستور، يتبين أن رئاسة اللجنة غير مقرون بالفرق، بل بالنواب فقط. وبالرجوع كذلك إلى النظام الداخلي لمجلس النواب، وخاصة المادتين 89 و90 اللتين ينظمان كيفية الترشح لرئاسة اللجان، نجد أن المادة 89 بدورها لا تقرن انتخاب رئيس لجنة بالتمثيل النسبي للفرق، كما تؤكد المادة 90 على أن الترشيح للجنة العدل والتشريع، يجب أن يتم من (نائب أو نائبة من المعارضة)، ولم تنص على منح رئاسة اللجنة (لفريق) من المعارضة بناء على قاعدة التمثيل النسبي داخل فرق المعارضة بدورها. لذلك، فتبرير حاجز التمثيل النسبي لمنع فريق آخر من رئاسة لجنة، هو تبرير وهمي، علما أن رئاسة اللجان في البرلمان هي في ملكية جميع النواب، وليس لأحد امتياز في عدد اللجان المستحقة بدعوى التمثيل النسبي. أما المبرر الثاني الذي سمعناه من بعض نواب الفريق الأول، أو من بعض التصريحات الإعلامية، بكون المحكمة الدستورية ستبطل هذه الانتخابات أو قد تتدخل في نتائجها، فينم عن عدم دراية باختصاصات المحكمة الدستورية، ومن تم يجب التأكيد على ما يلي: أولا: أن للمحكمة الدستورية اختصاص محدد في الدستور وفي أنظمتها القانونية، وتستند إضافة إلى المهام الوظيفية التي تهم صفة الرئيس، على ست مهام رئيسية كالتالي: 1) مراقبة دستورية القوانين التنظيمية، والقوانين المحالة عليها من مؤسسات نص عليها الدستور وفقا لموقع معين ونصاب محدد. 2) النظر في الدفوع بعدم دستورية القوانين أثناء مسطرة الدعوى. 3) الإذن في تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم. 4) البث في صحة انتخاب أعضاء البرلمان. 5) البث في صحة عمليات الاستفتاء. 6) البث في النظامين الداخليين لمؤسستي البرلمان قبل الشروع في تطبيقهما. ثانيا: إن المحكمة الدستورية لا يمكنها إطلاقا أن تتدخل في موضوع كيفما كان، إلا بناء على طلب أو إحالة من أحد الأطراف المعنية، أو من ذوي الاختصاص، وتكون الإحالة إلزامية في بعضها، والطعون والطلبات اختيارية في جملتها، ومن تم لا يمكنها مطلقا أن تتدخل في الانتخابات الداخلية للبرلمان، لكونها لا تعود إلى اختصاصها، ولا يحق لها ذلك تلقائيا، بل يعود لجهة أخرى قد تفاجأ الجميع. لذلك، أعتقد أن الموضوع يهم هيمنة سياسية بتوظيف انحراف دستوري.