في يوم الاثنين الماطر من صيف السنة الماضية، بإحدى المحلات التجارية في سوق كبير، دخل رجل ذو ملابس فاخرة ، و استعدادا لإنجاز مشروعه الكبير، اشترى بضاعة كثير كأنه سيعيد بيعها، وقد أدى الثمن من دون حساب للبائع شكير مشكور، أحس بالتحقير والظلم فكيف لرجل أعمال يدفع مالا أكثر من قيمة ما اشتراه، في لحظة ما استطاع أن يتذكر أن هذا الرجل هو أستاذه السابق رشدي بن جلون في جامعة سعد الدين العثماني حيث حصل على شهادة الدكتوراه في القانون العام، تبادر إلى ذهنه أن يخبر الأستاذ أنه كان تلميذا له فيما سبق و أنه يبحث عن عمل في مجال دراسته، تجرأ مشكور فأخبره قائلا : ” أستاذ! كنت قد درست عندكم بجامعة سعد الدين العثماني وكنتم بلجنة قراءة أطروحتي , كان هذا قبل سنوات و أنا الآن حاصل على شهادة الدكتوراه كما أنني متزوج و أب لطفلة اسمها ياسمين , زوجتي ليلى دائما ما تخبرني بمباريات من أجل الالتحاق بالتعليم الجامعي , إلا أنه لم ينادونني , لذلك أطلبكم أستاذي الغالي , فإني قد تعبت كثيرا من البحث عن عمل يلائم تكويني الأكاديمي الجامعي , و أقول لكم و صراحة , من فضلكم إن كان بإمكانكم أن تتوسط لي في عمل بالوظيفة العمومية فأنا لي تكوين جيد و شهادة عليا دكتوراه و أشتغل هنا بمتجر بسيط كتاجر أرجوكم , أبتغي منكم خيرا ” و كانت لحظة صمت لبعض الزمن و ابتسامة خفيفة تحيي أملا في قلب الدكتور شكير مشكور , فأجابه البروفسور و رجل الأعمال المعروف بالخير و الصفاء و النماء و الوفاء , قائلا : ” هيهه , من أنت , لما تخبرني هذه القصة ؟ انا لست وكالة إنعاش الكفاءات لكي أتوسط لك في عمل , هذه تسمى المحسوبية , والمحسوبية صفة مذمومة جدا و أنا بصفتي أستاذ و مكلف بإحدى الإدارات بمحاربة هذا الفعل الشنيع , سأحاسبك قضائيا , و سأكون سببا في تنحية المحسوبية في هذا الوطن ” الأمل كان مجرد وهم , شكير مشكور ظن أنه سيقنع الدكتور و رجل الأعمال المقاول الغني و الملياردير رشدي ابن جلون فشتت له كل الأماني و الرجاء , فكان مصير شكير مشكور سجن بتهمة أنه طلب بعمل بإدارة عمومية و هو دكتور في القانون و العلاقات العامة , تجردت الرحمة و الرأفة من قلب رشدي ابن جلون , فحكمت عليه المحكمة بخمس سنوات و غرامة مالية قدرها عشرة ملايين سنتيم . أحدهم أخبر زوجة شكير مشكور بخبر سجنه و الحكم عليه , ليلى لم تصدق التهمة , فظنت أنه قتل أو سرق البك المغربي للتجارة و الخدمات , بعد أيام من ذلك , حاولت الزوجة المكافحة ليلى أن تبحث عن مقر عمل الدكتور رشدي ابن جلون , لتستنجد و تطلبه لإيجاد حل وسط , خصوصا و أنها أم لطفلة و لا تجد من يعينها فشرحت له كافة التفاصيل , و أخبرته بأن الابنة تسأل عن أباها , فكل يوم كذبة . فكان الدكتور رشدي ابن جلون و كعادته يشوق و يثير ليجد الحل الوسط , فكان المكتب خال و الظلام على وشك الاقتراب , أعلن فجأة عن حالة اجتماع طارئة ليخبر الموظفين أن لهم يوم عطلة في اليوم الموالي , فظلت ليلى تنتظر بكامل السعادة على عودة زوجها لأحضانها هي و ابنتها الصغيرة , عاد الرجل من الاجتماع مخبرا إياها بحل و ليس بشفتيه فقط بل حتى بذكوريته , حيث اغتصبها بوحشية , فأخرج كبته بها , بعد أن وهم العمال أن لهم يوم عطلة فقد اغتصبها , و هي تتألم و تبكي و تصرخ و لا مجيب , حارس المؤسسة هو الآخر منحه عطلة وهمية , لتجد نفسها لا مفر لها من هذه العلاقة الحميمية المتوحشة التي حولتها إلى متألمة صامدة , تستحمل وحشيته الصامتة , بعد أيام من الواقعة خرج الرجل من السجن بعد أن مرت ثلاث شهور , في كل ليلة لهما الاثنين تخجل كثيرا , ليبقى حلها الوحيد هو التهرب الغير مرغوب فيه , بعد اتفاق مع الذكر المثقف مبروم بعقد غير شرعي مستغل وضعها الثقافي , كل ليلة أحد تذهب عنده قصد اغتصابها , اغتصاب برغبتها و هي تتألم , حامل , مشكوك في الأب أ هو هذا أم ذاك , لتتذكر أنها لم تعاشر الزوج لفترة طويلة لتكتشف أنها حامل من الوحش المتوحش . شكير مشكور جد سعيد كون زوجته حامل , و لا يعلم أنها جد حزينة و تتمنى الموت على أن تلد هذا المولود الذي نتجت عنه علاقات غير شرعية غير مرغوب فيها . بعد أيام , الدكتور رشدي مشكور , و هو مار بإحدى شوارع المدينة , بسيارته من ” فيراري ” فجأة حادثة سير تغير مجرى حياته من الرجل المتجرد من الرحمة إلى الرجل المتجرد من القيم , سليم طفل في السن العاشر , هذه الحادثة أدت إلى بثر يده و رجله , ليظل معاق مشلول , بعد أماني كثيرة كان يحلم بها , و الرجل هرب فألقي عليه القبض , فأخبر الشرطة القضائية بأنه هو صاحب مشروع كبير و اسمه رشدي ابن جلون , فكل الإدارة ألقت التحية له و طلبت منه الاعتذار لدرجة عوضوا له أتعاب قدومه عندهم , بحجة أنه من أهل العائلة العريقة ابن جلون , فكان ابن جلون رشدي على موعد مع الإدارة العمومية , من أجل تصحيح الإمضاء لبعض الوكالات و العقود , فكاد في الانتظار أزيد من أربعين , أغلبهم شباب , فاتصل الآخر بالقائد ليخبره أنه محتاج لتصحيح إمضاء , أجابه : ” أهلا و سهلا , أستاذنا و الرجل اللطيف كيف حالكم , أكيد نحن رهن الإشارة , الكل لكم , و نحن في خدمتكم ” ابن جلون لم ينتبه للأربعين , ذهب مباشرة لمكتب رئيس مصلحة تصحيح الإمضاءات , قال له : ” أنا من طرف القائد ” أجابه : ” مرحبا بكم , فقط انتظر دوركم ” قال ابن جلون للآخر” لكن أنا أعرف القائد تمام المعرفة و أنتظر دوري, ما هذا التصرف الغير اللائق, انتظر لوهلة ” اتصل ابن جلون بالقائد فأخبره بالنزاع , أجابه ” أنا آت هذا غير معقول سيدي ابن جلون أنتم الأولون ” نزل القائد من مكتبه إلى مكتب رئيس المصلحة , فهدده بقضاء المصلحة أو كتابة تقرير ضده و بالتالي الطرد من العمل , أجاب المعطي الرويجل , رئيس المصلحة معارضا قرار القائد , أطردني إن استطعت فخدمة المواطن هي الأولى فهو له ما له و المواطن أين محله ؟ قال القائد : ” إذن أغرب عن وجهي فأنت مطرود ” سمع المواطنون صراخ القائد , و زلزلة الإدارة , فصرخوا معارضين رأيه الغير الديموقراطي , يضع ألف حساب لرجل على رجال و نساء و شباب , في طبقة معوزة منهم ,من ترك العمل من أجل ورقة أو استمارة المساعدة الاجتماعية , أو شهادة الوفاة , فصرخ في وجه الكل و وقع الوثيقة لابن جلون , خرج مبتسما قائلا : ” مواطنون يظنون أنهم سيقضون مصلحة بمجرد أن ينتظرون دورهم , و الله لو لم تكن لك شجاعة و نفوذ لن تفعل قط شيئا ” تذكر الرجل تلك المرأة التي يسميها الدمية ليلى فاتصل بها فأجاب زوجها : ” من معي , مرحبا , آلو “” سمع الرجل صوت الزوج فاغلق السماعة , جاء موعد الولادة , العائلة تترقب هذا اليوم المنتظر , و الكل , فالزوج سعيد جدا , لكن فجأة دخل الرجل ليجد زوجته تحاول الانتحار فأنقذها , تساءل ما السبب و لماذا , فأجاب نفسه , فإنها تراكمات الحياة و لا يدري السبب الحقيقي , أنجبت الطفل , ليكتشف و بعد أيام أن الابن ليس ابنه , فاستفسر لتحكي له الحكاية , فسخط و أصيب بالجنون , فأصبح يحدث نفسه كالأحمق في الشارع العام ” ليلى , ابني , ليس ابني , ليلى , ليلى ” , ذات يوم الرجل الخمسيني يمر أمام إحدى البنايات فوجد زوجته السابقة التي ظن أنها توفيت ” فتيحة ” التي كانت خادمة عنده فاغتصبها , لكن كان رحيم فتزوجها , لكن انفصلا بعد شهور , لتخبره ” فتيحة بأن لها ابنة تدعى ليلى , فأحس بالسعادة و الفرح لأنه كان يظن أنه رجل عقم فقام بالبحث عنها عبر الجرائد , فكانت له ابنة جميلة اسمها ليلى , لما رأى البنت بكت و صرخت أرضا, وهو أيضا تذكر ما فعله , فهو اغتصب بنته فلدة كبده و أنجبت منه , فتيحة لم تفهم الأمر إلا بعد صمود الأمر , فكانت تحمل شفرة حلاقة فقتلت المتوحش الذي لا يعرف إلا الاغتصاب و التعدي بحجة أنه ذو عائلة عريقة ابن جلون , فصرخت ليلى لتصعد إلى قمة العمارة فانتحرت ماتت , الطفل الصغير يبكي فالأم احتضنت الطفل , فكانت هي المرأة التي اغتصبت لتنجب ليلى و نفس المغتصب قام بنفس الفعل لابنته , لتنجب الطفل , الحامل للشهادة العليا طالب بعمل فسجن , و ثمن حريته شرف زوجته , إنها المحسوبية في وطن جميل يعيش سكيزوفرينيا أجمل .