لقطة تلفزيونية تفضح طفلا هرب من المدرسة لحضور مباراة نيوكاسل    بعثة نهضة بركان تصل إلى أنغولا استعداداً لمواجهة لواندا سول    توقيف سيدة بالبيضاء يشتبه تورطها في تعريض ابنها القاصر للإيذاء العمدي    طنجة... الإعلان عن الفائزين بجائزة بيت الصحافة وتكريم إعلاميين ومثقفين رواد (فيديو)    بطولة ألمانيا.. بايرن ميونيخ يستعيد خدمات نوير    خابا يعزز غلة الأهداف في الكويت    وفاة وفقدان 56 مهاجرا سريا ابحرو من سواحل الريف خلال 2024    كيوسك السبت | المغرب يستحوذ على خمس واردات إسبانيا من الخضر والفواكه    إحباط عملية تهريب مخدرات عبر "درون" وتوقيف مغربي وجزائري    إنفوجرافيك l يتيح الدخول إلى 73 وجهة دون تأشيرة.. تصنيف جواز السفر المغربي خلال 2025    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    الصين: تسجيل 1211 هزة ارتدادية بعد زلزال شيتسانغ    الصين: تنظيم منتدى "بواو" الآسيوي ما بين 25 و 28 مارس المقبل    حادثة سير خطيرة بطنجة تسفر عن إصابة شابين بجروح بليغة    مأساة غرق بشاطئ مرتيل: وفاة تلميذ ونجاة آخر في ظروف غامضة    اطلاق ثلاث خطوط جوية جديدة تربط الصويرة بباريس وليون ونانت ابتداء من أبريل المقبل    عفو ملكي على 1304 أشخاص بمناسبة ذكرى 11 يناير    رواية "بلد الآخرين" لليلى سليماني.. الهوية تتشابك مع السلطة الاستعمارية    المنتخب المغربي يودع دوري الملوك    مراكش... توقيف مواطن أجنبي مبحوث عنه بموجب أمر دولي بإلقاء القبض    مراكش تُسجل رقماً قياسياً تاريخياً في عدد السياح خلال 2024    تهنئة السيد حميد أبرشان بمناسبة الذكرى ال81 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال    وزير الخارجية الفرنسي "يحذر" الجزائر    مدن مغربية تندد بالصمت الدولي والعربي على "الإبادة الجماعية" في غزة    هذا ماقالته الحكومة عن إمكانية إلغاء عيد الأضحى    "الباطرونا" تتمسك بإخراج قانون إضراب متوازن بين الحقوق والواجبات    إيكال مهمة التحصيل الضريبي للقطاع البنكي: نجاح مرحلي، ولكن بأي ثمن؟    مؤسسة طنجة الكبرى في زيارة دبلوماسية لسفارة جمهورية هنغاريا بالمغرب    المناورات الجزائرية ضد تركيا.. تبون وشنقريحة يلعبان بالنار من الاستفزاز إلى التآمر ضد أنقرة    الملك محمد السادس يهنئ العماد جوزيف عون بمناسبة انتخابه رئيسا للجمهورية اللبنانية    اللجان الإدارية المكلفة بمراجعة اللوائح الانتخابية العامة تعقد اجتماعاتها برسم سنة 2025    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    أسعار النفط تتجاوز 80 دولارا إثر تكهنات بفرض عقوبات أميركية على روسيا    الضريبة السنوية على المركبات.. مديرية الضرائب تؤكد مجانية الآداء عبر الإنترنت    أغلبهم من طنجة.. إصابة 47 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة "بوحمرون" بسجون المملكة    تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، محطة نضالية بارزة في مسار الكفاح الوطني من أجل الحرية وتحقيق السيادة الوطنية    القِرْد سيِّدُ المَشْهد !    "الأحرار" يشيد بالدبلوماسية الملكية ويؤكد انخراطه في التواصل حول مدونة الأسرة    وفاة صانعة محتوى أثناء ولادة قيصرية    حوار بوتين وترامب.. الكرملين يعلن استعدادا روسيا بدون شروط مسبقة    بوحمرون: 16 إصابة في سجن طنجة 2 وتدابير وقائية لاحتواء الوضع    "بوحمرون.. بالتلقيح نقدروا نحاربوه".. حملة تحسيسية للحد من انتشار الحصبة    بوحمرون يواصل الزحف في سجون المملكة والحصيلة ترتفع    عصبة الأبطال الافريقية (المجموعة 2 / الجولة 5).. الجيش الملكي من أجل حسم التأهل والرجاء الرياضي للحفاظ على حظوظه    صابرينا أزولاي المديرة السابقة في "قناة فوكس إنترناشيونال" و"كانال+" تؤسس وكالة للتواصل في الصويرة    "جائزة الإعلام العربي" تختار المدير العام لهيسبريس لعضوية مجلس إدارتها    ملفات ساخنة لعام 2025    ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بمرض الحصبة… طبيبة عامة توضح ل"رسالة 24″    السعودية تستعد لموسم حج 2025 في ظل تحديات الحر الشديد    الحكومة البريطانية تتدخل لفرض سقف لأسعار بيع تذاكر الحفلات    مقتل 7 عناصر من تنظيم "داعش" بضربة جوية شمال العراق    اتحاد طنجة يعلن رحيل حارسه بنعاشور    النظام الجزائري يخرق المادة 49 من الدستور ويمنع المؤثر الجزائري بوعلام من دخول البلاد ويعيده الى فرنسا    الكأس الممتازة الاسبانية: ريال مدريد يفوز على مايوركا ويضرب موعدا مع برشلونة في النهائي    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المساء في منزل مغربية اختفت في مصر وعائلتها تروي تفاصيل مثيرة حول جثة فتاة عراقية تسلمتها عن طريق «الخطأ»
السفارة المغربية تدخل على الخط في القضية وغموض يلف أسباب سفر «المختفية» إلى القاهرة
نشر في المساء يوم 27 - 08 - 2011

نوال الكبراوي فتاة مغربية سافرت إلى مصر، قبل أن تنقطع أخبارها. والد الفتاة يتهم السلطات المصرية بالوقوف وراء اختفاء ابنته نوال.
والمثير أكثر أن العائلة تسلمت جثة فتاة عراقية اعتقادا منها أن هذه الجثة تعود لابنتهم نوال. وتقول العائلة في هذا السياق « لقد وجدنا جثة منتفخة، لاعلاقة لها بابنتنا نوال، كما أن الدليل القاطع على أن هذه الجثة ليست لابنتنا كان هو أن نوال لها وحمة في الأذن اليمنى، في حين لم تكن على الجثة التي وجدناها أمامنا أي وحم».»المساء» تحل ببيت نوال وتروي قصة اختفاض غامض بلسان عائلتها.
نزلت نوال من سلم الطائرة القادمة من مطار محمد الخامس في الدار البيضاء. كانت الآية القرآنية «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين» أول ما استقبلها في مطار القاهرة. فكّرت نوال في أنها كانت آمنة في بيت والديها، دافئة في حضنيهما وسط أختيها الصغيرتين. لفحتها رياح غريبة ففكرت في العودة. قامت بخطوة إلى الوراء، لكن شغف البحث عن المجهول فيها دفعها إلى القيام بخطوتين إلى الأمام. دخلت نوال شوارع القاهرة، كما دخلتها قبلها ممثلات ومطربات جئن، في أيام «الزمن الجميل» إلى ميدان الأزبكية، شارع محمد علي وإلى كورنيش النيل...
تذكرت نوال صديقة عمرها إكرام، المقيمة هناك في القاهرة، فهدّأ هذا من روعها. فكرت في أن المصريين سيستقبلون، بحفاوتهم المعهودة، «الحلوة القادمة من كازا بلانكا»، فاطمأنّت أكثر. خمنت أنهم سينادونها ب«حضرة الهانم» وسيقولون لها «مرحبا بك في أرضك يا أفندم»...
على الجهة الأخرى، رن هاتف الأم هنية. كانت ابنتها نوال على الخط، أخبرتْها، ببهجة، أنها وصلت إلى مصر وأن الحياة هنالك حلوة وأنها اشتاقت إلى خبزها ورائحتها، كما اشتاقت إلى نظرات والدها الصارمة وعناقات أختيها الدافئة.. قالت إنها ستعود لتحكي لهم عن جمال مصر وعجائب مصر.. تحدثت نوال عن عظمة النيل وهيبة الأهرام وعن صمود أبي الهول... لكنها لم تقل شيئا عن «شط» الإسكندرية ومنارتها، التي تُعَدّ من عجائب الدنيا السبع.
الخبر الصاعقة
في يوم 28 أكتوبر 2010، رن الهاتف. كانت المتصلة إكرام، صديقة نوال. تحدثت بصوت بارد، متقطع. قالت إنها سمعت من بعض معارفها أن حادثة سير وقعت على طريق الإسكندرية توفيت فيه شابة مغربية تدعى نوال...
كانت عائلة الكبراوي قد تعرفت إلى إكرام البقراج في أحد أيام سنة 2009، حين جاءت نوال تترجى والدتها لاستضافة إكرام بينهم: «جاءتني نوال وقالت لي إن إكرام غريبة في الدار البيضاء وان عائلتها توجد بمدينة تازة، والتمست مني أن تبقى معنا إلى أن تتدبر أمورها. وهكذا نزلت بيننا إكرام منزلة الابنة لمدة شهرين»، تحكي الأم هنية، قبل أن يقاطعها الركراكي، والد نوال، بانفعال: «أنا لم أوافق على أن تمكث تلك الغريبة بيننا، لكنني أذعنت للأمر بعدما ترجّتْني نوال، وبعد أن استطاعت إقناع والدتها بالأمر». بعد شهرين من إقامة إكرام بين ظهراني عائلة الكبراوي، رحلت إلى مراكش، حيث قضت ما يقرب الشهرين أيضا، ثم عادت لتخبر صديقتها نوال أنها سترحل للعيش في أرض الفراعنة. «رافقتْها نوال إلى المطار ثم عادت، ومنذ ذلك الحين وهي لا تفكر إلا في الرحيل إلى مصر»، تضيف هنية، والدة نوال.
أخبرت هنية زوجها الركراكي بموضوع مكالمة إكرام، فكان أول ما قام به هو الاتصال بمصالح وزارة الخارجية المغربية في الرباط لاستفسارها حول مدى صحة الخبر المرعب. «لكي أقطع دابر الشك باليقين، خصوصا أن إكرام لم تؤكد لنا في مكالمتها من مصر ما إذا كانت نوال ابنتنا هي المتوفاة في ذلك الحادث أم إن الأمر يتعلق بمغربية أخرى تحمل نفس الاسم». اتصل مدير الشؤون القنصلية والاجتماعية بوزارة الخارجية المغربية، عادل بوزوبع، بالقنصل المغربي في مصر، يونس بابانا العلوي، «لكن الأخير لم يزد على القول إنه سمع بالخبر من خلال ما كتبته الصحافة المصرية وإن القنصلية لم تتوصل بأي توضيح من أمن الدولة في مصر ولا من وزارة الداخلية»، يستطرد الركراكي الكبراوي. «بعد ذلك بيوم واحد، توصلت الخارجية المغربية بفاكس من سفارة المعرب في مصر يقول إن مغربية اسمها نوال الكبراوي عمرها 20 سنة (عمر نوال الحقيقي 24 سنة) قد توفيت في حادثة سير على طريق الإسكندرية. يضع الركراكي أصبعيه على شفتيه، كمن يمسك بعقب سيجارة حارق، وتبدأ الأم هنية: «عاودت إكرام بعد ذلك الاتصال بنا، قالت إنها ذهبت إلى المستشفى الذي نُقِلت إليه نوال بعد الحادثة وأنها تأكدت من وفاتها. عادت إكرام للاتصال في اليوم الموالي وقالت إن أخت شابة عراقية توفيت رفقة ابنتي نوال في نفس حادثة السير تريد الحديث إلي. تبادلنا العزاء، وأي عزاء». بانفعال زائد، يتدخل الأب الركراكي، مقاطعا زوجته: «لكن إكرام عند الاستماع إليها بحضوري في السفارة قالت إن تلك المرأة لم تكن أخت العراقية المتوفاة وإنما من معارفها و«بْدات تتدخل وتْخرجْ فالهضرة». يخرج الركراكي من محفظة يتأبطها حتى في جلوسه، ورقة: «ها هو محضر استماع السفارة إلى إكرام». تقول إكرام في المحضر: «أذكر أنه بعد وصولها على القاهرة كنا على اتصال لمدة ثلاثة أيام وجعلت صديقها الكويتي يحدثني ويؤكد لي أنه يشمل نوال برعايته الكاملة وأنها «في عيونه»، إلا أنها عند وصولها إلى المطار أخبرتني أنه مصري تعرفَت عليه في الطائرة، ولمّا حدثني بالهاتف، كانت لهجته كويتية وأنا أعرف اللهجات بحكم عملي في فندق «غراند حياة»... وعليه أقفل هذا الاستجواب بشهادتها وإمضائها عليه وحرر يومه
28-07-2011 على الساعة الرابعة والنصف عصرا. إكرام البقراج».
تعود الأم للتذكر، فيما تلتصق ابنتها الصغرى أسماء بخصرها، كالحَمَل، وتُصغي ما حيك لأختها وما يحكى عنها. «بعدما أقنعتنا إكرام بوسائلها الخاصة أن ابنتي نوال قد توفيت متأثرة بجراحها، قالت لنا إنها بصدد جمع هِبات من معارف نوال للتكفل بنقل جثمانها إلى المغرب، وقد علمنا من إحدى معارف ابنتنا في مصر أن إكرام كانت تجمع أموالا للعزاء، قالت لأصحابها إنها ستسلمها لنا وتؤدي المبالغ المطلوبة لنقل جثمان نوال إلى المغرب، غير أننا لم نتوصل منها بأي مبلغ، كما أن السفارة المغربية هي التي تكفلت بنقل الجثة»، تضيف الأم.
جثمان الغريبة!
في يوم 7 نونبر2010، ذهبنا إلى مطار محمد الخامس في الدار البيضاء، كنا مستسلمين لما نحن فيه. ننتظر وصول الطائرة التي ستحمل جثمان ابنتنا»، تحكي أم نوال. في مستشفى «الرحمة»، همَّت أسرة الكبراوي بفتح التابوت لإلقاء نظرة الوداع على ابنتها، بعدما أعطى وكيل الملك أوامره بإطلاع الأسرة على جثة ابنتها. «جاءت الطبيبة الشرعية، وبعد تصوير التابوت من كل الجهات، قامت بفتحه»، يتذكر الأب. يصمت. تصمت الأم وابنتاها اللتان التصقتا أكثر بخصريها، كأنهما يحدسان حدوث خطر قادم. «عندما نظرتُ داخل الصندوق، وجدت جثة منتفخة. صرختُ: هذه ليست ابنتي ولا أنا أمها». يتسيد الصمت المكان. صمتٌ يُسوِّدُ الوجوهَ والأرائكَ والوسائدَ وصحنَ الحلوى... ومن داخل هذا الوجوم، ينطق الأب الركراكي: «لقد تركوا الجثة عندهم حتى انتفخت وغدت تشبه ابنتنا نوال، فلم نشُكَّ في البداية لا أنا ولا أخي في أنها ليست جثة نوال». كاد الأمر ينطلي على الركراكي الكبراوي وعلى أخيه، لكن قلب الأم عليم. أمعنت هنية النظر إلى أطراف الجثة الممددة داخل التابوت لتلاحظ شيئا لا علاقة له بابنتها. كان على ذراع الفتاة المسجّاة وشم ثعبان، يُصِرّ الأب الركراكي على أنه من نوع «كوبرا». زاد هذا من شكوك الأب والعم في أن تكون المسجاة أمامهما هي نوال. الأم تقلب الجثمان: «كنت قد تأكدتُ أنها ليست ابنتي، لكن وليطمئن قلبي، بحثت عن وحم كان في أذن ابنتي نوال فلم أعثر عليه، حينها، انسحبت إلى الخلف، وأنا أقول إن هذا الجثمان غريب علي».
رحلة البحث عن المجهول
كاد الركراكي الكبراوي ينسحب، رفقة وأفراد عائلته، تاركا الجثة الغريبة لحالها في المستشفى، طالما أنها لا تعنيه، لكنه تذكّرَ أن هذا الفعل سيعطي مبررا لمن يهمّه الأمر بأن يقفل باب البحث عن ابنته نوال في وجهه. لذلك طلب إخضاعه وزوجتَه لفحص الحمض النووي. «عدت إلى المطار، استمع إلي رجال الدرك، أنا وزوجتي وابنتي، وفي الغد ذهبنا إلى ولاية الأمن، حيث أخذ أفراد الشرطة العلمية ريقي وريق زوجتي ووثائقنا الثبوتية وصورنا وطلبوا منا الرجوع بعد أسبوع. دخلت مكتب الوكيل. أذكر اسمه: «حنين». عندما رآني خاطبني قائلا: «آشْ بْغيتي؟». ضحك وتابع: «راه ماشي بنتك هاديك أسيدي»... ظن وكيل الملك، وهو يضحك في وجه والد نوال أنه قد أقفل باب الشك لدى هذا الأخير، لكنه كان يفتح أبواب الحيرة في وجه أسرة بكاملها. أين هي نوال؟ «غابت صورة الوكيل ومكانه عدت أرى إكرام، «التازية»، صديقة ابنتي، التي قالت لزوجتي في الهاتف إنها ذهبت إلى مستشفى الإسكندرية وتأكدت بنفسها من وفاة نوال»، يقول الركراكي. «عدت إلى وزارة الخارجية المغربية لأخبرهم بنتائج الحمض النووي، وبعد إجراء الاتصال بسفير المغرب في القاهرة، طلب مني هذا الأخير القدوم إلى مصر لمباشرة البحث عن مصير ابنتي. لم أكن حينها أتوفر على جواز سفر، كما أن ظروفي لم تكن تسمح لي بالانتقال فورا إلى مصر، ثم إنني ظننت أن سفارتنا في مصر ستكفيني مشاق الانتقال إلى هنالك وستقوم باللازم.. بقيت لأشهر أنتظر، عبثا. عندما عزمت على الانتقال بنفسي إلى مصر، كانت الثورة قد انطلقت. في هذه الأثناء، انقطعتْ اتصالات إكرام، التي لولاها لَما انتقلت نوال إلى مصر.
وإذا كانت أسرة الكبراوي قد اتفقت حول شيء يخص اختفاء ابنتها، فهو تناقض تصريحات إكرام. ازدادت شكوك العائلة في أن تكون إكرام تخفي سرا في أمر اختفاء نوال. فكر الأب في تقديم شكاية ضد إكرام البقراج. قصد «كوميسارية الفردوس» في الدار البيضاء، ثم وكيل الملك في محكمة عين السبع، الذي أرسله، بدوره، إلى زميله في تازة، الذي استمع إليه ثم أحاله على مصالح الشرطة القضائية في المدينة لتعميق البحث: «قابلت مفوض الشرطة في كوميسارية تازة. حكيتُ له عن كل ما كانت تقوله لنا نوال في الهاتف، فأجابني بالقول: كلام هذه الفتاة فيه كثير من التناقض. في المساء، ذهب ضابط ومفتش شرطة إلى منزل إكرام وأحضروا أمها، التي أخبرتهم أن ابنتها توجد في مراكش. سألها ضابط إن كان قد سبق لابنتها إكرام أن اعتُقِلت، فأجابت: «فايْتينْ مقدمين أنا وهي»... حينها، أمرها الضابط بأن تستدعي ابنتها للحضور عندهم». عاد الركراكي إلى الدار البيضاء، وبعد أربعة أيام، اتصل هاتفيا بمفوضية الشرطة في تازة، يسأل عن مسار التحقيق، «قال لي الضابط إنهم استمعوا إلى إكرام وإنها نفت أن تكون قد التقت ابنتي نوال في مصر وقال لي الضابط إنهم طلبوا منها العودة إليهم بعد أيام، لكنها لم تحضر، وقد علموا أنها غادرت المغرب إلى مصر».



القاهرة في ضيافة السفارة المغربية
في يوم 15 يوليوز2011، حل والد نوال بالقاهرة. كان يومَ جمعة، لذلك اضطر إلى انتظار يومين: «في يوم الأحد، التقيت السفير المغربي، قال لي: لقد جئت متأخرا، فأجبته، المهم أنني أتيت، أخبرني أن السفارة وكلت محاميا لينوب في قضية ابنتي نوال. اتفقنا على أن نجتمع في الغد مع المحامي. نادى على أحد موظفي السفارة وأمره بأن يحجز لي في فندق لمدة يومين. في الغد، التقينا المحامي، قال إن السلطات المصرية تؤكد أن الجثة التي أرسلتها إلى الدار البيضاء هي جثة نوال، فوجئت بالسفير المغربي يؤكد ما جاء على لسان المحامي. انفعلتُ وقلت للسفير: أنتم كسفير للمغاربة في هذه البلاد لم تقوموا بواجبكم تجاه ابنتي ولو كنتم قمتم بما يمليه عليكم الواجب لَما كنتُ أنا الآن هنا. أجابني السفير بسخرية قائلا: لماذا تركت ابنتك تأتي إلى مصر؟ فأجبته قائلا: لقد تجاوزت البنت سن الثامنة عشر وليس من حقي أن أمنعها من تدبر شؤونها، فقد أصبحت مسؤولة عن نفسها». يصمت الركراكي. يحملق في زوجته وابنتيه، ثم يجاهد في إتمام الحديث. وبصوت مبحوح، يواصل: «يقول السفير المغربي في القاهرة للصحافة إن ابنتي قضت 3 أشهر من دون أن تكون مسجلة في لوائح السفارة، بيد أن الحقيقة هي أن نوال لم يمُرَّ على وجودها في مصر أكثر من 5 أيام حتى بلغنا خبر وفاتها في حادثة سير»...
يقول الكبراوي الركراكي، الذي عاش في إيطاليا 16 سنة، خبر فيها التعامل مع تمثيلية المغرب في الخارج، إن معاملة السفير المغربي في القاهرة له لم ترق إلى مستوى المطلوب: «بعدما قضيتُ يومين في الفندق دون أن أحقق الهدف من وراء مجيئي إلى مصر، قصدتُ السفير وقلت له إن على السفارة أن تؤدي مقابل نزولي في الفندق وأن تمدني بمصروفي اليومي، كما اتفقت مع المسؤولين في وزارة الخارجية ووزارة الهجرة في المغرب قبل مجيئي إلى مصر. فقال لي السفير «أنا ماعنديشْ خنشة ديال لفلوسْ»، ثم أضاف: «أنا غادي نعطيك من عندي باشْ تدوز هاد ليامات». قلت له «لا، أنا لا أريد أن تعطيني من مالك. لقد جئت بأمر من الدولة وأريد أن يُصرَف لي من مال الدولة».
أمر السفير سائقه المصري بأن يصحب الركراكي إلى فندق آخر. قاد السائق مرافقه لمسافة طويلة ثم توقف في حي شعبي. «ترجل وبدأ يسأل بعض الناس عن فندق رخيص ب3 أو 4 جنيهات مصرية. عندما بدأ أحدهم يشير إلى فندق بئيس، طلبتُ منه بإلحاح أن يعيدني إلى السفارة. عدت إلى الفندق القريب من السفارة، حيث كنت قد أقمت لمدة يومين. سلمني السائق مبلغ 600 جنيه التي أعطاها إياها السفير. كفتني ليومين فقط. بعد يومين، عدت إلى السفارة، فكانت مفاجأتي كبيرة، فقد وجدت الحراس يمنعونني من الدخول»...
سيأخذ خوض الركراكي رحلة فك لغز ابنته في هذه «المتاهة» المصرية أبعادا أخرى عندما سيلتقي بمهاجر مغربي يقيم في القاهرة. يتذكر الركراكي قائلا: «عندما أمعنت في الاحتجاج على سوء معاملتي، خرجت كاتبة السفير وهدّأت من روعي ثم أعطتني هاتف علي الزايدي، وهو فنان وناشط حقوقي مغربي متزوج من سيدة مصرية. اتصلت به فقال لي، كمن يعرفني لمدة طويلة، ستذهب معي إلى بيتي. في بيته، جاءني عدد من الصحافيين المصريين واستمعوا إلي. اتصلت بي سيدة اسمها نزهة، تنشط في المجال الإعلامي في إسبانيا، تأثرت كثيرا لِما حدث لابنتي ولي أنا شخصيا مع السفارة المغربية. وكم كان فرحي عندما سمعت علي الزايدي يقوله لها: «ما حدث لنوال يمكن أن يحدث لأختي وأمي». طمأنت نزهة الكبراوي الركراكي وأخبرتْه أن الجمعية التي تمثلها مستعدة للتكفل بأتعاب المحامي الذي يختاره. «عندما وصل إلى علم السفير أن هناك مغاربة مستعدون للوقوف إلى جانبي، أرسل في طلبي.. قال لي: «اختر بنفسك المحامي الذي تريده، إذا لم ترتح للمحامي الذي اختارته السفارة، ونحن سنؤدي أتعابه». وفعلا بحثنا عن محامي آخر. وعندما سألت «المساء» الركراكي الكبراوي، والد نوال، عن الأسباب التي جعلته يغير المحامي، قال «القضية ليس بالسهولة التي قد تبدوا لكم. فقد سمعت بأذنيّ السفير يقول للمحامي الذي اخترته بمساعدة علي الزايدي: هل ستقوى على متابعة هذا الملف؟ فأجابه المحامي: إذا صعب علي الأمر فسأعطي الملف للأستاذ الهاشمي». يحشر الركراكي رأسه في محفظته، بحثا عن وثائق أخرى، وهو يعلق: «يبدو أن الأستاذ الهاشمي هذا محام كبير عندهم في مصر». يغرق الركراكي في صمت أطول، يحملق في الوجوه والأشياء من حوله، كما لو كان يتفقدها للمرة الأخيرة، وبهدوء المتعبين يستطرد: «كان الكل يتحدثون عن أن المصري الذي قيل إنه توفي في الحادث رفقة ابنتي هو ابن شخصية كانت نافذة في الدولة المصرية قبل الثورة»...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.