في 17 ديسمبر 2010 سيضرم الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد (وسط غرب تونس)، بعد رفض مسئولين محليون قبول شكواه باستهداف مصدر رزقه بوصفه بائعا متجولا، عملية الإحراق هذه ستشكل شرارة ثورة اصطلح عليها ب “ثورة الياسمين” والتي أسفرت عن سقوط نظام زين العابدين بنعلي الذي عمر في الحكم لأزيد من 23 سنة ، وبنجاح هذه الثورة انتقلت العدوى إلى مناطق أخرى كمصر و ليبيا واليمن وسوريا ولم يكن المغرب مستثنى منها، إذ عقب الثورة المصرية التي بدأت في 25 يناير عرفت مواقع التواصل الاجتماعي دعوات للخروج إلى الشارع وهو ما حصل فعلا بخروج عدد من الساكنة في مدن متفرقة تحت مسمى حراك عشرين فبراير. في هذا المقال الذي هو جزء من دراسة أكاديمية أنجزت من طرفنا تحت عنوان ” الحركات الإسلامية المغربية: النشأة والمسار والخصوصية والتفاعل مع الربيع الديمقراطي” سنحاول التوقف عند موقف كل من حركة التوحيد والإصلاح وجماعة العدل والإحسان من الربيع الديمقراطي وكيف تفاعلت كل منهما معه؟ حركة التوحيد والإصلاح وحراك عشرين فبراير لفهم موقفها من حراك 20 فبراير والأحداث التي أعقبته لابد من الوقوف عند موقف الحركة من الثورتين التونسية والمصرية، كيف قرأت الحركة الثورتين وكيف تعاملت مع الحراك الشعبي في المغرب؟ أولا: موقف الحركة من الثورتين التونسية والمصرية قدمت حركة التوحيد والإصلاح قرأتها للثورة التونسية من خلال بلاغ صادر عن مكتبها التنفيذي بتاريخ 16 يناير 2011، وارتكزت هذه القراءة على النقط التالي: _إعلان تضامنها المطلق مع الوقوف الكامل إلى جانب الشعب التونسي وحقه في العيش بحرية وكرامة. _اعتبار الثورة التونسية ثمرة للصبر والمصابرةوالاستماتة في التماسك بالنضال السلمي ضد الظلم والطغيان دون الانجرار إلى العنف. _اعتبرت نجاح الثورة التونسية هو إعلان عن نهاية النظام المستبدة وفشل ذريع وانهيار كامل للنموذج الاستئصالي وسياسي تجفيف الينابيع التي نهجها. _الثورة التونسية تعبير عن خيبة للتيارات الاستئصالية الداعية إلى استلهام هذا النموذج واستيراده وتبنيه. _الدرس التونسي يفيد أن الاحتضان الحقيقي للحاكم هو احتضان الشعب. وبالنسبة للثورة المصرية فلم تختلف القراءة التي قدمتها الحركة عن تلك التي قد لنظيرتها التونسية، حيث اعتبرت في بيانا لها بتاريخ 07 فبراير 2011 أن ثورة 25 يناير هي مصير محتوم لعقود طويلة من الظلم والاستبداد، ونتيجة طبيعية لسياسية الإهانة والإذلال التي عرض لها الشعب المصري، وأبدت الحركة تضامنها الكامل مع ما أسمته ” الثورة السلمية العظيمة”، كما جددت التأكيد على أن ما حصل هو فشل ذريع وانهيار وانهيار كامل لنهج الإقصاء وإرادة التحكم والاستفراد بالحكم. والملاحظ من خلال الموقفين أن الحركة تركز على نقطتين: أولهما تأكيد على حق الشعوب في العيش بحرية وكرامة، والثانية التركيز على فشل خيار التحكم وخيار الاستئصال التي كانت بعض معالم تترسخ في النظام السياسي المغربي. وبهذا تكون الحركة قد بعثت برسائل مشفرة إلى السلطة السياسية في الداخل مفادها أن الخيار التحكمي والاستئصالي يفضي إلى تهديد الاستقرار السياسي، والإضرار بمستقبل المؤسسة الملكية، وأن أفضل وسيلة لتجاوز هذا المآل، هو القطع مع هذا الخيار، والتوجه الحقيقي نحو احترام الخيار الديمقراطي.[1] ثانيا: موقف الحركة من حراك 20 فبراير أعلنت حركة التوحيد والإصلاح عن موقفها من حراك عشرين فبراير من خلال تصريح أعلن عنه رئيسها محمد الحمداوي لجريدة التجديد بتاريخ 16 فبراير أفاد بعدم مشاركة الحركة في مظاهرات عشرين فبراير مع التأكيد على حق جميع المواطنين في التعبير السلمي عن آرائهم ومطالبهم.[2] في محاولة لبسط الأسباب التي دفعت بالحركة يقول رئيس الحركة الحالي المهندس عبد الرحيمالشيخي أن الأسباب هي كالتالي: 1_ غموض وعدم وضوح الجهات الداعية لذلك آنذاك، فلم تكن من الجهات المعروف سواء السياسية أو النقابية أو الاجتماعية، كان هناك عدد من الشباب أفرادا ومجموعات وبعض الهيئات التي اتخدت أسماء ولكننا لا نعرفهم حق المعرفة. 2_ غموض وعدم انسجام المطالب الإصلاحية حيث كان هناك اختلاف واضح وشاسع بين المطالب التي تتضمنها النداءات من مطالب بإصلاحات جزئية اجتماعية وإلى مطالب إصلاحية جذرية سياسية وغيرها. 3_ عدم وضوح المآلات التي يمكن أن يؤول إليها الوضع عند الخروج للشارع خصوصا في ظل التضارب والاختلاف الواضح بين الجهات الداعية وكذلك الجهات المشاركة حول سقف المطالب وأيضا حول سقف المآلات، مع استحضار مآلات الأوضاع حولنا.[3] بعد التصريح الذي أدلى به المهندس الحمداوي أصدرت الحركة بلاغ صادر عن مجلسها التنفيذي بتاريخ 21 فبراير 2011، أكدت فيه نفس المضامين التي سبق أن قرأتها من دروس الثورة التونسية والمصرية، حيث أكدت مرة أخرى على إفلاس نهج التحكم والإقصاء وعجزه عن اختراق المجتمع المغربي إضافة غلى تثمينها للطابع السلمي للمسيرات ودعمها للحق المبدئي في التظاهر، كما أدانت أحداث العنف والتخريب المعزولة التي حصلت في بعض المدن. تفاعل جماعة العدل والإحسان مع حراك 20 فبراير كما سبق وأن قدمنا تفاعل الحركة مع الحراك عن طريق رصد موقفها من الثورتين التونسية والمصرية ثم بعد ذلك رصدنا موقفها من الحراك، نفس الأمر سنحاول التطرق لقراءة الجماعة لثورتين ثم موقفها من الحراك الشعبي بالمغرب. أولا: قراءة جماعة العدل والإحسان للثورة التونسية والمصرية. اعتبرت جماعة العدل والإحسان أن الثورة التونسية هي نتاج اغترار المستبدين باستقرار بلدانهم وطول قهرهم للشعوب بسياساتهم غير الرشيدة، وأنه بسبب هذه السياسات غضب الشعب “غضبته وزفر زفرته وثار بعفوية في وجه الظلم يعرض صدره للرصاص الحي”، ورأت الجماعة أن الثورة وإن كان ظاهرها اجتماعيا معشياخبزيا، إلا أنها في الجوهر “انعكاس لواقع سياسي مأزوم مسدود”[4] وانتقلت الجماعة من قراءة الثورة ودلالاتها لتساءل الواقع المغربي إن كان في مأمن من معانقة المآل الذي انتهى إليه الحراك في تونس، تقول هيئة تحرير موقع الجماعة في مقال تحت عنوان”في بيت جيراننا حريق”[5]: “ألا يكتوي شعبنا من نيران الفقر والفساد والظلم والتهميش بما هو أعظم؟ هل ننتظر أن تندلع النار، لا قدر الله، لنبحث عن مخرج ومسكنات ووعود ومسكنات؟ هل يستطيع مشهدنا السياسي البهلواني، ونظامنا المبكي أن يستوعب مثل ما حدث عند الجيران؟ ألا نعيش اليوم إفلاسا وانغلاقا سياسيا يدفع بالبلد، شئنا أم أبينا، إلى قسم إنعاش لا طبيب فيه ولا جهاز ولا أدوية؟” وتحت عنوان “قبل فوات الأوان” حاولت الجماعة أن تقدم بعض الأجوبة عن هذه الأسئلة، واعتبرت أن موجات الغضب الشعبي في تونس، والتي انتقلت إلى مصر، لا يبدو أنها ستقتصر على هذين البلدين، إن لم تتخذ تحولات جوهرية وحقيقية وفورية تقطع مع الاستبداد، وتؤسس لدولة العدالة الاجتماعية والحريات العامة والاختيارات الحرة للشعوب.[6] ورفضت الجماعة أطروحة “الاستثناء المغربي” التي اعتبرتها في ذات الافتتاحية “بأنها وهما يتم تسويقه في الوقت الضائع” وذكرت بكونها حذرت منذ سنوات في رسالة للأستاذ عبد السلام ياسين معتبرة أنه لا مكان بعد اليوم للتمويه والتخدير وأنه لم يعد أمام النظام السياسي إلا أحد الحلين: _ تغيير جوهري ديمقراطي عاجل يقطع مع الاستبداد ويستجيب لحاجات ومطالب الشعب. _ أو أن يأخذ الشعب زمام المبادرة، فيندفع سلميا وبكل التضحيات من أجل كنس الاستبداد.[7] ففي قراءتها للثورتين المصرية والتونسية حرصت الجماعة بشكل كبير على أن توجه رسائل مباشرة إلى النظام السياسي ما فادها أن المغرب ليس حقيقة استثناء وأن ما حصل في المنطقة ليس بعيدا أن ينتقل إلى المغرب وحددت الجماعة عشر مطالب اعتبرتها مطالب أنية ومشروعة من أجل حل جذري أبرزها: إلغاء الدستور الحالي والدعوة إلى جمعية تأسيسية يشارك فيها الجميع، وضع حد لنهب الثروة الوطنية، إيجاد حلول جذرية للمشاكل الاجتماعية، ربط المسؤولية بالمحاسبة، إطلاق الحريات العامة، الكف عن سياسة تحنيط الدين، الدعوة غلى حوار وطني جاد ومسؤول.[8] ثانيا: جماعة العدل والإحسان والموقف من حراك 20 فبراير خلافا لموقف حركة التوحيد والإصلاح التي ارتأت بشكل رسمي عدم المشاركة في تظاهرات 20 فبراير، اختارت جماعة العدل والإحسان أن تنخرط في فعاليات هذا الحراك، حيث دعا بيان صادر عن المكتب القطري لشباب العدل والإحسان إلى المشاركة ودعم كل المبادرات الداعية إلى بناء دولة الحرية والكرامة والعدل، بما فيها احتجاجات 20 فبراير 2011[9] مع التأكيد على الطابع السلمي لهذه المشاركة والتحلي باليقظة اللازمة ضد أي استفزازات محتملة. وفي قراءتها لمسيرة 20 فبراير، رصد الجماعة ملحوظتين أساسيتين: _ عدم تدخل السلطات السياسية بعنف في المسيرات، وتركها لها تعبر عن مطالبها بكل حرية. _خروج بعض المسيرات عن أهدافها السلمية، وتحولها إلى أعمال عنف وتخريب. واعتبرت في تحليلها الذي تضمنته افتتاحية الموقع تحت عنوان “الشعب يتحرك نحو التغيير… والنظام الحاكم يناور ويقمع”[10] أن استراتيجية النظام السياسي كانت تتجه إلى تشويه هذا الحراك من أجل الانقضاض عليه، وأنه كان يحرص أن تخرج هذه المسيرات عن طابعها السلمي ليبرر قمعها وإنهاءها بوحشية.[11] على العموم الملاحظ أن الإسلاميون المغاربة لم يكن لهم موقف موحد من الحراك ولم يجمعه شكل واحد في التعاطي معه، ففي الوقت الذي اختارت حركة التوحيد والإصلاح وشركائها عدم المشاركة في تظاهرات 20 فبراير اختارت جماعة العدل والإحسان المشاركة اليقظة فيه، وبينما تجاوبت الحركة مع الخطاب الملكي 9 مارس بإصدار بيان أكدت فيعه انخراطها في ورش الإصلاح الدستوري[12] اعتبرته الجماعة أنه محاولة لرمي الغبار على العيون، وفي الوقت الذي قدمت الحركة أطروحة الإصلاح في ظل الاستقرار اعتبرت الجماعة أن أطروحة الاستثناء المغربي مجرد وهم، وبينما دعت الحركة إلى المشاركة في الانتخابات التشريعية المبكرة اختارت الجماعة مقاطعة هذه الأخيرة. وهو ما يعكس حجم الفجوة بين التيارين في تقديرهما للمواقف السياسية وفي طريقة التفاعل والتعاطي معهما. حركة التوحيد والإصلاح وجماعة العدل والإحسان والحراك الريفي بعد ما يقارب ستة سنوات على حراك 20 فبراير والإصلاحات الدستورية التي أفرزت دستورا جديدا للمملكة، وما أعقب ذلك من انتخابات تشريعية مبكرة كانت نتائجها لصالح حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية بحصوله على 107 مقعد، وتنزيلا لما ينص عليه الدستور تم تعين عبد الإله بن كيران رئيسا للحكومة، عاد هدوء نسبي إلى الشارع واعتقد بأن المغرب قد تجاوز الربيع الديمقراطي بسلام، إلا أنه في أكتوبر 2016 وبعد مقتل بائع السمك محسن فكري سحقا في شاحنة لجمع النفايات خرج آلاف الأشخاص من أجل تشيع جنازته، نظمت بعدها سلسلة من التظاهرات الشعبية في كل مكان من الحسيمة وعدد المدن الأخرى محتجين على الطريقة التي تمت بها تصفية محسن فكري، لم تتوقف الاحتجاجات خاصة في الحسيمة والمناطق المجاورة، هذه الاحتجاجات التي رفعت مطالب اجتماعية واقتصادية ودامت لأشهر عرفت تدخلات للقوات الأمنية وموجة من الاعتقالات في صفوف نشطاء الحراك أبرزهم القائد الميداني للحراك ناصر الزفزافي. في هذه السطور سوف نحاول رصد موقف كل من حركة التوحيد والإصلاح وجماعة العدل والإحسان مع هذا الحراك. أولا: تفاعل جماعة العدل والإحسان مع الحراك الريفي في قراءة للجماعة لحدث مقتل محسني فكري عبر الكاتب العام لشبيبة العدل والإحسان منير الجوري أن هذا الحدث له عدد من الدلالات أبرزها: 1_أنه يعكس وجود اختلالات قانونية إذ أن السمك المصادر تم اصطياده في فترة الراحة البيولوجية وهو ما يطرح سؤال من قام باصطياده. 2_ من الدلالات التي يعكسها تفاعل السلطات مع الحدث يوحي بوجود نوع من الاستعلاء على المواطن عندها. 3_ أن ما حصل هو نتيجة منطقية لتراكم مظاهر الفساد المستشري في البلاد وأن الاحتجاجات هي تنديد بالتحكم الممارس. 4_اعتبار أن حدث محسن فكري ليس معزولا إذ أنه يمكن رصد عدد من الحالات المماثلة بشكل يومي. 5_ أشكال السلمية والحضارية التي ميزت الاحتجاجات تعكس مستوى الوعي الذي وصل إليه الشعب. كما رفض المتحدث أن تكون وزارة الداخلية والتي تشكل طرفا في النزاع مسئولة عن التحقيق. شكل اغتيال محسن فكري مناسبة لتجديد الجماعة رفضها لسياسة النظام وتحميلها مسئولية ما تؤول إليه الأوضاع، وفي هذا السياق يقول نائب الأمين العام والناطق الرسمي للجماعة فتح الله أرسلان مفسرا الكم الهائل للمشاركين في مسرة الرباط المنظمة بتاريخ 11 يونيو:”أن هذا العدد الهائل للمشاركين في التظاهرة يدل على أن السكين قد وصل العظم، وأن شريحة واسعة من عامة الشعب كلها مسّتها هذه المعاناة، وهذا الظلم وهذه المقاربة غير المعقولة التي استعملتها الدولة مع حراك الريف؛ اعتقالات، واختطافات، ومحاكمات وغيرها.. الشعب غير راض عنها، فإذن الدولة يجب أن تسمع لنبض الشعب وتعترف بأن الشعب لا يوافقها على هاته الخيارات والقناعات والمبررات التي تطرحها.”[13] كما أصدرت فرع الجماعة بالحسيمة بيان لها نوهت فيه بالتلاحم الشعبي ودعت إلى عدم الانجرار وراء الاستفزازات، كما أكدت تضامنها المطلق مع نشطاء الحراك واستنكار تصريح الأغلبية الحكومية الذين طالبتهم بالتراجع عنه وتقديم اعتذار رسمي إلى ساكنة الريف ورفع العسكرة عنها وفتح حوار جاد ومسئول، كما دعت إلى محاسبة المسئولين عن الجرائم التي حصلت في الريف، وأكدت على تحمل النظام المسؤولية الكاملة فيما ستؤول إليه الأوضاع في حالة استمرار العسكرة، وتجاهله لمطالب الساكنة.[14] تميز موقف الجماعة هذه المرة بشيء من الحذر بالمقارنة مع مشاركتها في حراك عشرين فبراير، إذ فضلت الجماعة أن لا تتواجد في الواجهة وأن لا تتزعم الحراك وأرجعت ذلك إلى كونه حصيلة تجربة أو كما صرح بذلك عبد الواحد متوكل رئيس الدائرة السياسية للجماعة:”الموقف الذي عبرت عنه الجماعة هو حصيلة تجربة، وهو أنه كلما خرجنا في حركة احتجاجية إلا واتخذها النظام ذريعة لضرب تلك الاحتجاجات، والقول إن خلفها إطارا معينا له حسابات خاصة ويصرف موقفا سياسيا، وها أنت ترين في الريف نفس الشيء يقول إن هناك انفصاليين وأطرافا خارجية، هذا هو أسلوب النظام الذي يحاول أن يهرب النقاش الحقيقي وأن يصرف النظر عن المشاكل الحقيقية من أجل اتهام النيات، في حين أن الساكنة لها مطالب مشروعة.[15] ورغم ذلك إلا أن الجماعة دعت للمشاركة في المسيرة الوطنية التي نظمت بالرباط في 11 يونيو عبر نداء صادر عن الأمانة العامة للدائرة السياسية دعت فيه:”"الشعب المغربي إلى المشاركة في المسيرة الوطنية الشعبية، وذلك للمطالبة بتحقيق الحرية والعدل والكرامة لأبناء هذا الوطن، وللاحتجاج على الحكرة والتعسف والقمع الذي تواجه به الدولة حراك المطالبين بحقوقهم العادلة والمشروعة".[16] وهو ما تم بالفعل إذ عرفت المسيرة مشاركة واسعة للجماعة. ثانيا: حركة التوحيد والإصلاح والحراك الريفي تميز موقف حركة التوحيد والإصلاح هذه المرة بأنه لم رفض المشاركة في الاحتجاجات ولم يدعوا إلى المشاركة فيهاإذ يمكن القول بأنها اختارت الحياد الايجابي. انطلق تفاعل الحركة مع الحراك منذ الوهلة الأولى حيث أصدرت بيانا قدمت من خلاله التعزية لأسرة الفقيد وعبرت فيه عن تنديدها بهذا الفعل وضرورة فتح تحقيق في النازلة، كما نبهت إلى خطورة مثل هذه القضايا على استقرار البلاد، ووجهت دعوة إلى التروي في إطلاق الأحكام والحذر من المزايدات، إضافة إلى دعوة السلطات على رد الاعتبار للمواطن والدفع بعجلة الإصلاح.[17] وبخصوص تفاعلها مع الاحتجاجات فالحركة قد سلكت مسلك مغاير لمسلك جماعة العدل والإحسان إذ لم تخرج بموقف مبكر، فلم تعبر عن موقفها من الاحتجاجات بشكل رسمي إلا بعد انتشار بلاغ لفرع فاس يدعوا فيه أعضاء الحركة والمتعاطفين إلى عدم المشاركة في احتجاجات كان من المزعم تنظيمها بفاس تضامنا مع الحراك، الشيء الذي دفع عبد الرحيم الشيخي إلى التصريح بأنه ليس هناك قرار رسمي اتخذته الحركة بهذا الخصوص، وأن مبادئ الحركة معروفة في تأييد ومساندة أي حراك اجتماعي فيه مطالب مشروعة،سواء بمنطقة الريف أو غيره، وأن الحركة تفسح المجال لجميع أعضائها للتعبير والتظاهر بكافة الإشكال الاحتجاجية التي تتوافق مع القانون بهذا الخصوص.[18] لم تخرج الحركة بموقف رسمي من الحراك إلى بعد أشهر من انطلاقه وذلك بإصدارها نداء أسمته “نداء من أجل كرامة المواطن واستقرار الوطن” حمل رسالتين أساسيتين، فبعد تأكيدها على دعم الحق في التظاهر السلمي وجهت رسالتها الأولى غلى السلطات المعنية بوجوب الانصراف عن المنطق الأمني إلى قيم الحوار والتفاهم والتشارك والتأكيد على ملحاحية الاستجابة للمطالب الاقتصادية والاجتماعية وضرورة الإفراج عن المعتقلين، بينما وجهت الرسالة الثاني إلى قيادات الحراك وفعالياته ودعوتها إلى إعلان مبادرة مقدامة للتهدئة والتحلي باليقظة الدائمة والحذر من الانزياح عن المسار السلمي للحراك. تفسر حركة التوحيد والإصلاح تأخرها النسبي في التعاطي مع الحراك والخروج بموقف رسمي أنه ناتج عن تقدير منها بأن ما يجب أن تقدمه ينبغي أن يكون جزءا من الحل وليس فقط تسجيل موقف من هذه الواقعة أو تلك، كما أن الحركة في المرحلة ما بعد الربيع الديمقراطي أعادت تموقعها واختارت في طريقة معالجتها لعدد من القضايا التركيز على وظائفها الأساسية والتخفيف من المشاركة والتعاطي الاحتجاجي، وأن تنصب جهودها على القضايا الكبرى المرتبطة بالهوية و القيم أساسا.[19] إن عملية الرصد والتتبع لمواقف الإسلاميين مع الربيع الديمقراطي سواء في المغرب أو خارجه تؤدي إلى ملاحظة أن هناك تباين فيما بينها، ففي المغرب مثلا نجد أن جماعة العدل والإحسان تسارع إلى التفاعل والانخراط في الأشكال الاحتجاجية، بينما نجد حركة التوحيد والإصلاح تختار التريث وتكتفي بإصدار بيانات وإطلاق مبادرات، هذا التباين الذي يجد مصدره في المنطلقات المرجعية التي يستند عليها كل تنظيم. ولكن وعلى العموم هناك ثوابت تميز تعاطي الإسلاميين مع الحراك الشعبي أبرزها تبني التغيير السياسي في إطار الحفاظ على الاستقرار والعمل في إطار تشاركي غذ لم يسجل على أي تنظيم محاولته الاستفراد بالحراك.
[1] بلال التليدي، الإسلاميون والربيع العربي، مركز نماء للبحوث والدراسات، الطبعة الأولى 2012، ص 50. [2] حوار عبد الرحيم الشيخي مع رشيد مقتدر، الإسلاميون الإصلاحيون والسلطة بالمغرب: مقابلات حول الحكم والسياسة، مركز مغارب، الطبعة الأولى 2016، ص 212. [3] حوار عبد الرحيم الشيخي مع رشيد مقتدر، الإسلاميون الإصلاحيون والسلطة بالمغرب: مقابلات حول الحكم والسياسة، ص 213. [4]بلال التليدي، الاسلاميون والربيع العربي، سبق ذكره، ص 58. [5] في بيت جيراننا حريق، افتتاحية موقع الجماعة، ولنا كلمة، نشر بتاريخ 12 يناير 2011، موقع الجماعة، سبق ذكره. [6] “قبل فوات الأوان”، افتتاحية موقع الجماعة نشرت بتاريخ 4 فبراير 2011، موقع الجماعة. [7] بلال التليدي، الإسلاميون والربيع العربي، مرجع سابق، ص 59_60. [8]” قبل فوات الأوان” سبق ذكره [9] بيان المكتب القطري لشباب العدل والإحسان بتاريخ 4 فبراير 2011 [10] ولنا كلمة، “الشعب يتحرك نحو التغيير… والنظام الحاكم يناور ويقمع”، نشرت في موقع الجماعة بتاريخ فاتح مارس 2011. [11] بلال التليدي، الإسلاميون والربيع العربي، مصدر سابق، ص 62_63. [12] بلاغ المكتب التنفيذي للحركة بتاريخ 19 مارس 2011. [13] حوار فتح الله أرسلان مع جريدة هسبريس الإلكترونية، http://www.hespress.com نشر بتاريخ 17يونيو 2017 [14] بيان جماعة العدل والإحسان فرع الحسيمة بتاريخ 17 ماي 2017 موقع الجماعة www.aljamaa.net [15] حوار عبد الواحد المتوكل مع يومية أخبار اليوم بتاريخ 6 يونيو 2017. [16] نداء صادر عن الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة بتاريخ 6 يونيو 2017. [17]بيان حركة التوحيد والإصلاح في الحادث المأساوي لمحسن فكري رحمه الله، بتاريخ الأحد 28 محرم 1438 ه الموافق ل 30 أكتوبر 2016
[18] تصريح عبد الرحيم الشيخي رئيس حركة التوحيد والإصلاح في تصريح لموقع فبرايركوم، https://www.febrayer.com/463445.html [19]حوار عبد الرحيم الشيخ مع جريدة الأيام الأسبوعية، عدد 764 _22_28 يونيو 2017 1. وسوم