خرج الشعب الجزائري الشقيق في مسيرات ضخمة رافضًا لتجديد الثقة في صَنَم الرئيس بوتفليقة عبد العزيز .. خرج الشباب و هم يهتفون تَحْيَا الجزائر ، خرجوا وَ لمْ يطالبوا بالموت للرئيس بوتفليقة . بل أرادوا – فقط- أن يحتفظوا له بذكرى طيبة و نهاية سياسية رحيمة ، لأنهم يعلمون أن عبد العزيز ليس هو الرئيس الفعلي و أن بوتفليقة أصبح أراجوزَ جسدٍ مشلولٍ بِقيود ذاك الأخ السعيد . خرج الكثيرون في الجمعة الأولى و تضاعفت الأعداد في الجمعة الثانية ، وَ لا نعلم هل ستأتي الجمعة الثالثة مباركةً على شعب الجزائر الشقيق ؟! كل ما نعلمه يتلخص في هذه الرسائل : 1-القايد صالح يقول للعالم : أن جيشَه على أهبة الإستعداد لإطلاق النار . 2-أحمد أويحيى يقول للجيش : نعم إن الرصاص لا يُمكن أن تَمْنَعَه ورود المظاهرات السلمية ، و ضرب لنا مثلاً بسورية. 3-حزب الإفلان يقول للشعب : لن نرتد عن عبادَة صَنَم بوتفليقة ، و لن نَصْبَأَ و لن نَتَّبِعَ هَذْيَ شباب الإنتقال الديمقراطي المطلوب. و حتى لو مات الرئيس لن نقول أنَّهُ ماتَ ، بل سنصدر بيانا نخبر من خلاله الشعب بأن بوتفليقة لم يَمُتْ و إنَّما شُبِّهَ لَكُم ، وَ هُوَ مَعَكُم أيْنما إِنْتَخَبْتُم ! 4-صَنَم الرئيس بوتفليقة يعود من جنيف جثة مُتَرَشِّحَة ، لكَي يقول للشعب أنه فَرْحَان بالخبر الذي تَرْجَمَهُ لهُ الأخ السعيد بصيغة كاريكاتورية كالتالي : ” إنَّ الشعب الجزائري يخرج بعد صلاة كل جمعة لكي يُعبر لكم يا أخي الرئيس عن خالص متمنياتِه لكم بالدوام و الخلود “. و بينما أنا مُسْتَرْسِلٌ في جرد الرسائل ، تأمَّلتُ كثيراً في خبر عودة طائرة الرئيس دون جسد الرئيس؟! بَرَكَاتك يا سيدنا الرئيس الذي لَمْ يَلِدْ و لم يَتَّخِذ صاحِبةً … تخيلوا معي كيف “رجع” صَنَمُ عبد العزيز بوتفليقة من جنيف السويسرية، مُتَرَشِّحًا ماشيًا على قدميه و بكامل قواه العقلية ؟! ، يقولون أنَّهُ عادَ و كشفَ للشعب عن تصريح بالممتلكات دون أن يَتَطَرَّق إلى أموال فضيحة الطريق السيار شرق-غرب ، و فضيحة سونطراك البترولية ، و فضيحة رجل الأعمال عبد المومن خليفة. و قبل ذلك ، فضيحة الثامن من غشت سنة 1983، حين أصدر مجلس المحاسبة الذي يُعتبر أعلى مجلس وطني للرقابة على مالية الدولة و الجماعات الإقليمية والمصالح العمومية ، تمَّ التنصيص عليه دستور 1976 . و كانت إنطلاقة تنزيله الميداني إبَّان ولاية الرئيس الشاذلي بن جديد عام 1980 . هذا المجلس الدستوري أصدر قرارًا يتهم عبد العزيز بوتفليقة باختلاس أموال عمومية تتجاوز قيمتها 60 مليون دينار جزائري (تضاعفت قيمتها اليوم إلى ملايير الدنانير ) . و لكل غاية مفيدة فإن تفاصيل هذه الاتهامات نجدها واردة ضمن قرار مجلس المحاسبة الذي نشر في جريدة المجاهد الرسمية في التاسع من غشت سنة 1983. هيَّا فَلْنَهْتِف جميعًا ؛ بَرَكَاتك يا سِيدْنَا الرئيس ! كَيْفَ لاَ ؟! هَا نَحن نُتابِع مرحلة ما بعدَ مُعْجِزة العودة المباركة ، ها نحن نتابع قرار إقالة عبد المالك سلال مدير الحملة الانتخابية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة ، و تعيين عبد الغني زعلان وزير الأشغال العمومية و النقل خلفا له، وفق ما أعلنَ عنه ، يومه السبت ، حزب الإفلان. و إذا جاز لنا تركيب المُرادِفات اللغوية لهذه الأسماء في جملةٍ واحدةٍ ، فإن العبارة تصبح على النحو و الصرف العربي الآتي : صَنَمُ بوتفليقة سَلاَّلٌ و زَعْلاَنٌ ، أي أن الرئيس المَشْلُول كَثيرُ السَّرقة و غضبانٌ من التسريبات الإعلامية المَعْلُومَة. و لعلَّ مضمون الرسالة الخامسة يفيد بأنَّ أقطاب النظام الجزائري تقول للشعب بكل وقاحة : شكرًا على مشارَكَتِكُم في حلقات الكاميرا الخفية ! فالسماح بخروج الشباب الجزائري إلى الشارع و تنظيم مظاهرات بين جُمُعَتَيْن مُتَتَالِيِّتَيْن ، لم يكن إلاَّ مقلباً أَوَّليًا لمعرفة كم هو عددهم بالضبط ؟! و ما هي الولايات الترابية التي تحتضنهم ؟!. كما أن مشاهد انسحاب القوات الأمنية و فتح الطرقات أمام حشود المتظاهرات و المتظاهرين، لم تكن إلاَّ مقلبا ثانيا من مقالب الكاميرا الخفية ، بشكل جعل القايد صالح قادرا على لجم نفوذ الأخ السعيد . و ذلك من خلال تهديده بالسماح لِجُموع المُحتجين باقتحام القصر الرئاسي في حال تشبت حاشية بوتفليقة بالتغوُّل على المؤسسة العسكرية. هذه الأخيرة التي استعادت مِقْوَدَ إدارة شؤون الدولة بعد أن جعلت المظاهرات تهتف بشعار أول له دلالة عميقة : ” الشعب لا يريد بوتفليقة و السعيد ” ، و شعار ثاني له دلالة أعمق ” الجيش و الشعب خاوة خاوة ” . و بالتالي عند تجميع الدلالات نكتشف أن القايد صالح تمكن من استعمال المسيرات الشعبية للإطاحة بأخ بوتفليقة السعيد ، بعد أن وَظَّفَها القايد لِصالح الجناح الذي يُمثِّلُهُ في صراع أقطاب النظام و هدَّد بخلط الأوراق عبر اللجوء إلى إعلان شغور منصب الرئاسة و فرض حالة الطوارئ نتيجة مرض الرئيس ، و كذلك في ظل انعدام البديل المُجْمَع عليه بين فصائل المطالبين بالتغيير الديمقراطي. على سبيل الختم ، يجوز التنبيه إلى أن الشباب الجزائري قد يجد نفسه – مع تطورات الأحداث – أمام خيارين لا ثالث لهما : مرحلة انتقالية يشرف عليها القايد صالح ( مهما تنوعت أسماء مُرشَّحِيها ) أو الدخول في حالة فوضى هدامة تحت هدير الرصاص و انهمار الدماء . خصوصا أن ارتباط العديد من أسماء المنظومة الحزبية بأجندات دول خارجية، يَجعلها غير قادرة على إحقاق التوافق اللازم بينها لتدشين مرحلة الإنتقال الديمقراطي، و هذا ما يمنحُ الفرصة الثمينة لِتَحكم القايد صالح في قرارات قصر المرادية بقبضة من حديد. و بعد أن إعتقد المتظاهرات و المتظاهرون أنهم أمام رحمة نسائم ديمقراطية الجمهورية الجزائرية الثانية، هَا نحن نكتشف أن الشعب الجزائري قد تضيع مطالِبُه في التغيير السلمي وسط دوامة صراع شد الحبل بين أقطاب الجمهورية الأولى ، و أنَّ نهاية اللُّعْبة ستعلن إعادة تشكيل الخريطة الإنتخابية و السياسية بانضباط تام لِقواعد رقعة ” شطرنج الغاز و النفط ” التي انتصرت فيها العساكر على البيادق. فاللَّهم يا لطيفًا في الخفاء .. ألطف بنا في القضاء. 1. وسوم 2. #بوتفليقة