على بعد أيام قليلة من الإعلان عن حالة السنة البيضاء في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، خرج رئيس الحكومة للمرة الأخيرة " لكي يطلب من الأساتذة المتدربين العودة إلى مقاعد التكوين حتى لا تضيع وظائفهم ومناصبهمالمالية التي خصصت لهم "،قبل إسدال الستار على مسرحية عنوانها " القضاء على التعليم العمومي "، عقب اصدار مرسومين مشؤومين يتعلقان بأمور حيوية جدا، الأول يقضي بفصل التكوين عن التوظيف، والثاني تم فيه تقزيم المنحة الشهرية للأساتذة المتدربين الى النصف. قد يجادل الكثير في شأن علم أساتذة المستقبل من عدمه بالمرسومين قبل دخول المباراة واجتياز ما يشبه الصراط المستقيم، لكي يتم في الأخير انتقاء 10000 إطار تربوي من بين عشرات الآلاف من خريجي الجامعات الوطنية بالمملكة وفي تخصصات مختلفة، وهل هذا الأمر يوجب الرفض أو القبول بالأمر الواقع الذي فرضه وزير لا هم له سوى تطبيق أجندة لا يعلم الناخب المغربي مضامينها، دون حسيب ولا رقيب. الموضوع يمكن أن يناقش من عدة جوانب، يختلط فيها السياسي بالاقتصادي، بالثقافي أيضا، والأكيد أن هذه الجوانب تتظافر فيما بينها لتشكل لنا محورا مهما من محاور الإصلاح التي تبنتها الحكومة الحالية، منذ مجيئها بعد دستور 2011 الجديد، أفكار جديدة في التوظيف وعلاقة الموظف بالدولة، ترتيبات جديدة في الاقتصاد الوطني مبنية على سياسة التقشف وشد الحزام أكثر فيما تعلق بمالية المرافق العمومية، وغيرها من الإجراءات التي تمكن من ضبط النفقات في مقابل مصاريف لا تنفك الا أن تزيد عاما بعد آخر. الكل يعلم أن مشاكل القطاع الكثيرة، التي لا تعد ولا تحصى، بداية من الوزارة نفسها وما تغوص فيه من ويلات الفساد والتخلف المعمم على جميع المستويات بين مختلف المصالح والأقسام، انتقالا الى الأكاديميات والنيابات ومختلف المؤسسات الوصية على القطاع، مشاكل على مستوى تنزيل للبيداغوجيا والأطاريح الديداكيتية المختلفة والمتلونة بألوان الدول القادمة منها، بين الغربية الفرنكوفونية، أو الأنكلوسكسونية، ومخلفات السنين التعليمية داخل المؤسسات التربوية من حيث القيم المنتجة، والأفكار المجتمعية الرائجة داخل البيت الثاني للتنشئة في المجتمعات المعاصرة. النقطة التي أفاضت كأس التربية والتعليم هذه المرة، هي إصدار الحكومة مرسومين مشؤومين على القطاع برمته، ترمي من خلاله التحكم في التوظيف وخلق نظام جديد يهم التعاقد بدل تخليد الأطر التربية في الوظيفة العمومية، مما يُربح الدولة مبالغ مالية مهمة جدا، أثناء العمل وبعد التقاعد أيضا، وهذا الإجراء كان قد هم أيضا قطاع الصحة من خلال مسودة مشروع " الخدمة الوطنية في المناطق النائية " بعد تخرج أصحاب البذل البيضاء، لكنها انتهت بانتصار رمزي للطلبة الأطباء، وتراجع سياسي سلبي للحكومة. التراجع الذي وقع في ميدان طلبة الطب، لا تريد الحكومة أن تعيده مع الأساتذة المتدربين أيضا، فالمرسومين قد تم اخراجهما، والعدد الهائل الذي تم انتقاءه للتكوين أكبر من عدد المناصب المالية المخصصة للقطاع السنة المقبلة (7000 منصب من اجمالي 10000 أستاذ متدرب)، مما يطرح معه سؤال مهم في الحين: كيف يعقل أن تُكَون الحكومة أساتذة أكثر من الذي تحتاجه؟ رغم الخصاص المهول في المدارس العمومية الذي نتج عنه تواجد أكثر من 40 تلميذا في الفصل الواحد بالمدن واختلاط أكثر من 60 تلميذا بالقرى خصوصا بالسلك الابتدائي فيما يسمى بالفصول المشتركة في الآن ذاته، وأن العديد من رجال الميدان سيتركون مقاعدهم في قادم السنوات المقبلة بسبب بلوغهم سن التقاعد (20000 ألف أستاذ في أفق 2020). كيف لا تتراجع الحكومة عن قانون هي من أعدته دون مشاورات ولا لقاءات ولم " تحسب للغير " حساب او اعتبار ولم تشرك معها فيه من المتدخلين الآخرين في القطاع، كيف أصبحت الآن في خندق لوحدها تحاول الدفاع عن قرارات لم تتخذها بحسب العديد من المتابعين لملف أخذ الكثير من الوقت للحسم فيه، سواء لمصلحة الوطن أو الحفاظ على مكتسبات الدولة في التحكم أكثر بالميزانية العمومية ؟ الكثيرون يدركون أن بنكيران أصبح في وضع لا يحسد عليه، فالمرسومين " فضحا " توجها تحكميا في ملف التعليم بعيد عن يدي رئيس الحكومة، الذي يكتفي فقط ربمابالإمضاء دون علم ولا رأي في الموضوع، وقد اعترف بنفسه في آخر مسائلة شهرية بمجلس النواب الشهر الماضي، حين صرح بأنه " متضامن ومتفهم لنضال الأساتذة المتدربين وموقفهم الرافض للمرسومين "، مما يعطي أكثر من دلالة أن المتحكم بالملف يريد احراج بنكيران مع الشارع على أكثر من واجهة ( التعليم، الصحة، حقوق الانسان، ...)، ولو من باب الحفاظ على الموازنة المالية للدولة ودفع المواطن الى البحث عن فرص الشغل في القطاع الخاص.