“أنا و من بعدي الطوفان” هو القانون الذي يحكم سلوكات مجموعة من السياسيين في العالم كله، حتى لا نتحامل على عرق أو قارة، فأينما وليت وجهك ستجد أناسا ينشطون في عالم السياسة، تلخص هذه القولة حالهم ومقالهم، هدفهم الوحيد هو إما ضمان استمرارية إمبراطورية أسرة، أو كنز أموال تكفي لتغطية حاجياتهم و حاجيات خلفهم لسنين مقبلة، ومنهم من لا يجمع مالا و لا يعمل على توريث منصبه لأصلابه، لكن ضيق أفقه وتعصبه للانتماء يجعلانه يضر بعلاقات الحزب الخارجية وحتى الداخلية، والطامة الكبرى هي ان تجتمع صفات النوعين الاول و الثاني، في اشخاص من المفروض ان يكونوا خدما للمواطنين يلينون بين ايديهم لتحقيق مطالبهم و الدفاع عن حقوقهم، أشداء على المفسدين و ناهبي المال العام و متسلقي هرم السلطة دون مصداقية أو كفاءة. حين تكثر مثل هذه التصرفات، يصير من الطبيعي ان يختل ميزان الثقة بالفاعل السياسي، فتثقل كفة الشك و تخف كفة الثقة، وقد لا تستشعر الاحزاب حينها خطورة الأمر على مستقبلها ،لكنها أكيد ستستشعر ذلك عند حلول المحطات الانتخابية والتي قد تكون مصيرية لبعضها،و محطة انتقالية لغيرها الذي أجاد تدبير المرحلة وتفادى ما وقع فيه الآخرون من أخطاء. فكيف الخلاص من حب المنصب والشفاء من ضيق الأفق؟ لا يخفى على أحد ان ثقة الشعوب العربية بالسياسيين اهتزت كثيرا بعد الربيع العربي الذي ما فتئ أن صار خريفا في مدة وجيزة،بسبب إما خيانة أمانة،انقلاب على شرعية أو تنكر للقيم و المبادئ،وهذا حال العالم العربي كله مع تفاوت في منسوب اللاثقة،فحال مصر و السودان مثلا ليس هو حال قطر،و هكذا دواليك لقد صار من الصعب اليوم اقناع مواطن عادي بجدوى العمل السياسي بسبب سوداية المشهد و ما تعرفه الساحة من توترات و تشنجات حادة،دوما ما يدفع ثمنها المواطن البسيط،فلم تعد لا الشعارات الرنانة و لا الكلام الموزون قادرا على جلب اهتمام المواطن و استمالة ثقته،إنما وحده العمل على أرض الواقع و الفعل الذي تحكمه قيم و مبادئ هو السبيل الوحيد الكفيل باسترجاع الثقة وتصحيح عثرات الماضي،ولكي ينتقل الفاعل السياسي من مرحلة القول و الجدال الى مرحلة الفعل الذي يسر المواطنين،لابد ان تكون لديه روح وطنية عالية،تجعله يستحضر مصلحة الوطن ويحمل هم التغيير و النهضة ،فيغير بذلك صورة السياسي السوداء،و يرتقي بالعمل السياسي من ضيق الحزبية المقيتة و الأنانية المرضية إلى سعة الوطنية “السياسة تحكمها المصالح لا المبادئ”،هي مقولة كثيرا ما نسمعها في عالم السياسة،حين تكون هناك محاولة لتبرير قرار أو موقف،لكن في رأي أن السياسة مجال وجب أن تحكمه القيم و المبادئ مع مراعاة المصالح العليا للوطن و المواطن،لا المصالح الشخصية و الحزبية الضيقة،فلا عيب في استحضار المصالح اذ هو حق مشروع في مختلف المجالات،حتى في العلوم الشرعية نجد مبحثا او مجالا يخوض فيما يصطلح عليه بالاجتهاد المصلحي،لكن هذه المصالح لا يمكن ان تصير مشروعة إذا ما تعارضت مع منظومة القيم وعكست محدودية نظر لا سعة أفق وحتى إذا افترضنا جدلا بأنها قاعدة مقبولة أوصحيحة،فإن الأصل موازنة مصلحة الحزب بمصلحة الوطن ،ولا توجد اي مصلحة حزبية أو حتى أي حزب بكل من فيه أهم من الوطن و من مصالح الوطن،ولا يوجد وطن مصلحته في تفرقة صفوفه، فقدان طاقاته، والتلاعب بمستقبله و مستقبل اولاده،إذا فمتى تعارضت مصالح الاحزاب مع مصالح الوطن سقطت الاولى و قدمت الثانية،وهذه الموازنة لا يأخذ بها إلا من يحمل هم بلد ولادة،تنجب الطاقات العلمية و الفكرية، ويحتفى بأبنائها الحاملين و المرتلين لكتاب الله دوليا كل سنة،وحبه لهذا الوطن يجعله يفكر في مستقبله و مستقبل مواطنيه،لا النظر عند حدود رجليه.