لازالت صور الشعب التركي وهو يواجه الدبابات بصدوره العارية حماية للديموقراطية راسخة في عقولنا، ولازالت القنوات تعبر عن انبهارها بهذا الشعب العظيم، ولازالت الحوارات والتصاريح والأخبار والتقارير تأخذ مجراها متسائلة عن دول الأحزاب في تأطير الجماهير حتى تتحول إلى تيارات شعبية حامية للوطن ومناوئة للإرهاب والإنقلاب، وترفض كل الرفض التلاعب بحقها في التصويت واختيارها لمن تراه أكفأ في تسيير العباد والبلاد. إنه دور الأحزاب عندما تعي هذه الأحزاب دورها، وتبتعد عن النرجسية المقيتة وحب الكراسي الأبدية، والتضحية بكل شيء حتى بالوطن وأمن الوطن مقابل ضمان مصالحها الخاصة. ويبقى لسان حال كل إنسان عربي يقول متسائلا: هل من حقنا أن نحلم أن تكون لدينا في وطننا العربي أحزاب سياسية حقيقية وبالمواصفات التي تستطيع صناعة رأي عام قوي من شأنه أن يذود عن الوطن ويحمي خياره الديموقراطي؟ هل من حقنا أن نحلم بأن تكون في وطننا كائنات وهيئات سياسية حية ولها وجود، وبالتالي لها تأثير، وتستطيع أن تقوم بدورها كاملا في تأطير الجماهير وتعبئة الفئات المجتمعية وتنتج لنا خطابا سياسيا حقيقيا وقويا. وفي المقابل، هل من حقنا أن نحلم أن أنظمتنا العربية ستقبل بوجود أحزاب حاكمة أو معارضة قوية وبهذه المواصفات، ولها الكفاءة والقدرة على التأثير في الشارع العام. هل من حقنا أن نحلم باليوم الذي تتخلى فيه الأنظمة العربية عن عاداتها القديمة التي منها أن تترك هذه الأحزاب تقوم بدورها كاملا في تنمية البلاد وإنتاج خطاب سياسي قوي من شأنه أن يجعل الشباب والجماهير تعتنق السياسة من جديد، هل سيأتي اليوم الذي تتخلى فيه الأنظمة العربية عما كانت تفعله من قبل أي العمل على إفراغ هذه الأحزاب من مضمونها وتحويلها عن رسالتها ودورها حتى تحولت إلى أحزاب جوفاء خاوية لا مبادئ لها ولا قيم ولا حياء حتى فأصبحت كجدع الشجرة المنخور الذي إذا نفخت فيه تسمع له صفيرا لكونه فارغا في العمق والقلب، أو كعجل السامري الذي لا يصدر إلا خوارا. وتتخلى عن تحكمها في خطابات الأحزاب التي تحولت إلى مجرد فقاعات تتبخر بمجرد خروجها من الأفواه السياسوية النثنة وبالتالي لا تصل إلى أبناء الشعب المعنيين بهذا الخطاب. هل من حقنا أن نحلم بتوبة الأنظمة العربية من غيها الذي كانت تعمه فيه وتستفيد من الربيع العربي وبالتالي تسحب أياديها من المشهد السياسي وتترك الأحزاب تتصارع كما تشاء وتتنافس كما تريد دون أن تعمل على تحريك الأيادي الخفية لتضغط أحيانا وتقزم أحيانا أخرى وتخترق وتدس وتتحرش وتهدد، وبالتالي تشتري القابلين للشراء وتخضع البعض بالمال والوعود بتولي مناصب كبرى؟ لازالت الشعوب العربية تتساءل لماذا لا يوجد حزب واحد أو حركة تغييرية واحدة تأسست وحافظت على وحدتها في تناغم وانسجام. فسياسة الشق وتفريخ الجيوب من أجل الانشقاقات والتفريق سياسة محض عربية وقد أفلحت فيها الأنظمة العربية بامتياز. ففي بعض الدول العربية لا يوجد فيها إلا حزب واحد، في الحقيقة، ولكن انشقت منه بطون وأفخاض حزبية متعددة. ولهذا، مخطئ من يظن أن في دولنا العربية أحزابا مناضلة معارضة. لأن المعارضة التي نعرفها ونتوحد على معانيها هي المعارضة التي لها دور أساس هو خدمة طموحات الشعوب في أن ترى الحق يعلو ولا يعلى عليه وترى أحيانا قضايا فساد من جراء الحساب والمعارضة تعرض على القضاء، وترى تدافعا عمليا وحوارا قويا ومساءلة عسيرة حول كل درهم ودينار أنفق في غير مكانه لأنه ملك للشعب ومن حقه أن يعلم كيف تصرف أمواله. إن الشعب ما صوت على هذه الأحزاب إلا لتكون مكانه كأنه جالس في مجالس التشريع يسمع ويرى ويتكلم. ولكن الأحزاب العربية، والمعارضة منها تحديدا، حتى إن بدت للشعب أنها تصرخ وتنتفض وترفض الكثير من السلوكيات وتعارض الكثير من التوجهات والسياسات. فإنها معارضة لا تعارض إلا المشاريع الكبرى التي تعود بالنفع العميم على البلاد والعباد لأنها معارضة لا يمكن أن نقول عنها أنها تعارض من أجل المعارضة، بل هي تعرف جيدا لماذا تعارض إذ تفعل ذلك فقط حتى لا تخرج مشاريع كبرى تنموية واقتصادية للوجود على أيدي غيرها، فيغلب المنطق الانتخابوي وعدد الأصوات على مصلحة الوطن وتطور وازدهار هذا الوطن. وبالتالي يقف الشعب حائرا مشدوها، ولا يملك إلا أن يقول بدهشة:ما هذا؟. إنه المفهوم الحقيقي للديموقراطية العربية عندنا..أي إن العديد من الأحزاب لا تستطيع أن تملك قرارها بيدها ولذلك تراها تتماهى مع من يتحكم فيها أو يضغط عليها لتكون في موقف ما انسجاما مع تاريخها وتاريخ تأسيسها حيث جيء بها كدمية في لعبة، أو ديكور في مشهد، أو اكسسوار لتزيين قاعة.. ولهذا السبب سمعنا عن وزراء يملكون فيلات وقصور في فرنسا ومعامل في أمريكا وفيلات فخمة في انجلترا وضيعات تعد بالعشرات في بلدانهم دون إحصاء الفيلات على أفخم شواطئ البحر. دون الحديث عن المعامل والمشاريع التي جاءت عن طريق الحصانة والتواطئ ليس غير.ومهما فعل القضاء النزيه والمستقل أن يجد طريقا نحو هؤلاء ليقول كلمته ويجعلهم عبرة لمن يخون وطنه وشعبه، فإنه لن يجد أدلة تدين هؤلاء بفعل فاعل. وهكذا من الطبيعي أن تبقى البلدان العربية جامدة في مكانها لا تتقدم، ويتراكم الغضب تلو الغضب لدى الشعوب، ويزداد الضغط يوميا في اطراد وتفاقم. فلا عجب إذن إذا فقدت الشعوب العربية الثقة في الانتخابات، وإن كانت أجزاء من هذه الشعوب، هي الأخرى، قد ساهمت في عملية البيع والشراء أثناء الحملات الانتخابية. فهي قد فعلت ذلك لأنها كانت تعلم أنها فرصة لا تعوض لتأخذ ولو القليل من هؤلاء السماسرة وهي تعلم أنهم لن يقدموا شيئا ولن يقوموا بشيء يعود بالنفع لهم ولأبنائهم. ولو كان الأمر على غير ذلك لرفضت الأحزاب كل بيع وشراء لكونها نزيهة صادقة في حبها لهذه الأوطان وفي حبها لهذه الشعوب. ولقامت بإعطاء دروس للشعوب حتى لا تبيع أصواتها لأنها أمانة وأن الذي يشتري منك صوتك اليوم فلا تستطيع محاسبته غدا لأنه قد اشترى منك مستقبلك ومستقبل أبنائك وقد فوضت له لينوب عنك في صفقات تعود بالنفع العميم عليه هو وأبنائه أما أنت فقد أخذت حصتك بالتراضي لأن مبلغ 100 درهم كان كافيا بالنسبة لك وزيادة. إن أحزاب المعارضة في الوطن العربي صارت تشكل الدرع الواقي للتحكم، لأنها تسهم في تزيين صورة الديموقراطية المزيفة وتجمل المشهد السياسي بديكورات أهم ما فيها وجود معارضة لا تعارض وحاكمة لا تحكم، وبالتالي وجود إكراهات وعدم الرجلة. لماذا في الوطن العربي لا نحلم أن يحصل حزب على الأغلبية من الأصوات وبالتالي يكون مرشحا ليشكل حكومته. إن وقوع هذا يعد ضربا من المستحيلات. ولهذا السبب بالضبط يتم الدخول على خط الانتخابات ليس بالتزوير لأن الأنظمة العربية تطورت فأبدعت طرقا ديموقراطية في التزوير والبلقنة والفسيفسائية حتى توزع الأصوات والحقائب وتتعدد التصورات والمرجعيات وتختلف الأفكار وهذا هو المطلوب أي حتى يتفرق دم الشعب الضحية بين القبائل، عفوا، بين الأحزاب، ويضيع ثأره وحقه وتتبخر صيحاته. وهذا ما يشكل التوازنات التي تقوم عليها العديد من الأنظمة العربية. أما في بلادي الحبيبة فالأمر يتعلق أكثر بوجود أحزاب لا تؤمن بالديموقراطية أصلا وأمناؤها العامون جاؤوا على ظهر التحكم والوصاية، وحققوا النصر المبين بتوزيع قنينات الزيت و "ال 200 درهم" والبونات والوعود بالفيلات والشيكات. وبالتالي فعن أية ديموقراطية يمكن أن تطالب بها هذه الأحزاب غير الديموقراطية، ولعل هذه الأحزاب قد أعطت مبررات قوية للإدارة المغربية أن تفعل ما تشاء وتتحكم كيفما تشاء لعلمها أن البيئة السياسية المغربية غير سليمة وأن الأحزاب جل الأحزاب لم تسهم بدورها في تخليق الحياة السياسية ولا رفعت من مستوى خطابها ولا احترمت قواعدها ولا دخلت حلبة الاستحقاقات بشرف ونزاهة ومسؤولية واعتمدت على خطابها وبرامجها لا على أموالها وقففها وعطاياها ووعودها. ولكن هذا لا يمنع الإدارة المغربية المتمثلة في وزارة الداخلية أن يجعلها مطالبة بغض الطرف عن هذه العقلية الحزبية المريضة المتفشية في المشهد السياسي وتعمل على توفير الفرص العادلة لجميع الأحزاب لتتنافس تنافسا شريفا تقديرا للمواطن واحتراما للوطن حتى تكون سمعته سمعة جيدة أمام مرأى ومسمع العالم. وأن تضرب بيد من حديد على يد كل من سولت له نفسه التلاعب بنزاهة وشفافية هذه الاستحقاقات، أو تلاعب بإرادة الشعب الحرة واستغل فقره وحاجته لاستمالته لطرف ضد طرف. إن الدولة المغربية تعد الدولة العربية الوحيدة التي سلكت لنفسها مسارا ديموقراطيا جعلها أنموذجا عالميا يحتدى به، وما على الأحزاب المغربية إلا دعم هذا الخيار ومسايرته باحترام الناخب المغربي وعدم التحكم فيه والضغط عليه أو ابتزازه وشراء صوته، وما على الإدارة المغربية إلا الاستمرارية على نفس النهج لأنه النهج الوحيد الذي رفع رأسها عاليا أمام الدول ولا نريد لهذا الرأس أن ينتكس في يوم السابع من أكتوبر المقبل.حزاب المغربي إلا أن ن الإدارة المغربية أن الإدارة المغربيةالإ