الجزء الرابع من سلسلة مقالات حول موضوع “العلاقات المغربية الموريتانية.. تاريخ حافل وآفاق واعدة”. شهدت موريتانيا في الآونة الأخيرة العديد من المحطات الانتخابية التي ستتوج بتنظيم الانتخابات الرئاسية سنة 2019، حيث يحدد الدستور الموريتاني العهد الرئاسية المسموح بها في اثنتين، سبق للرئيس محمد ولد عبد العزيز أن استنفذهما، في حين تتعدد التحليلات بخصوص إمكانية إجراء تعديل دستوري يسمح للرئيس الحالي بالترشح لعهدة رئاسية ثالثة، رغم نفي الرئيس الموريتاني مرارا لاعتزامه الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتذهب تحليلات أخرى إلى توقع الأسماء التي يمكن أن يرشحها النظام الموريتاني الرسمي عبر “حزب الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم وبقية أحزاب الموالاة لشغل منصب الرئيس، مؤكدة على دور الجيش في العملية السياسية في موريتانيا. مرحلة هامة قد تشكل منعطفا في الحياة السياسية بموريتانيا عبر إبراز قيادات سياسية جديدة، ما قد يُمَكن المغرب من فتح صفحة جديدة مع القيادات الرسمية الموريتانية الصاعدة، خاصة وأن من بين الأسماء المرشحة لخلافة محمد ولد عبد العزيز قيادات عسكرية سبق لها أن حظيت بإشادة جهات رسمية مغربية، بحسب مراسلات الخارجية السعودية الرسمية التي سربها موقع ويكيليكس. ظرفية سياسية ستفرض على المغرب النظر في آفاق تطوير العلاقات الثنائية بينه وموريتانيا، حيث يبرز مجال التعاون الاقتصادي باعتباره أحد أهم المجالات التي يمكن أن تساهم في تعزيز العلاقات فيما بين البلدين، خاصة في ظل تعيين كلا البلدين لسفيريهما المعتمدين لدى كل منهما، والزيارات الرسمية المتبادلة لكل من وزيري خارجية البلدين، والتي شهدت الادلاء بالعديد من التصريحات المطمئنة حول عودة الدفئ الى العلاقات بين البلدين، كما شهدت الزيارة التي دشنها وزير الخارجية الموريتاني إلى الرباط توقيع مجموعة من الاتفاقيات الثنائية بخصوص تشجيع الاستثمار المشترك وإنشاء معبر حدودي جديد ينتظر أن يفتح آفاقا واسعة للتعاون والتبادل التجاري الثنائيين. وعلى المستوى الافريقي فقد تكللت جهود المغرب الرسمية المبذولة في مختلف دول القارة والساعية للعودة للمنظمة القارية الإفريقية بنيل عضوية الاتحاد الإفريقي، حيث همت توقيع اتفاقيات وشراكات وضخ استثمارات، وتقديم مساعدات وهبات للعديد من الدول الإفريقية، رغم مواجهته لدول تحظى بقدر كبير من التأثير في المنظمة القارية في مقدمتها الجزائر ونيجيريا وجنوب إفريقيا…، ما سيفتح المجال أمامه للاضطلاع بأدوار سياسية ودبلوماسية دولية هامة على المستوى القاري. وبالنظر إلى المعارك الدبلوماسية التي يخوضها المغرب على المستوى القاري والمتعلقة بتدعيم موقفه بخصوص النزاع الصحراوي، ومواجهة حلفاء جبهة البوليساريو التي تحظى بدعم العديد من الدول الوازنة في المنظمة القارية، فقد تكللت ببذل جهود على المستوى الدولي الإقليمي لترقية العلاقات البينية مع دول الجوار أساسا، وبالخصوص مع موريتانيا التي تُعتبر منفذه البري الوحيد إلى دول القارة الإفريقية في ظل غلق الحدود المغربية الجزائرية منذ سنة 1994. فاقتصاديا تحقق موريتانيا في السنوات الأخيرة معدل نمو متوسط معتبر يفوق 5%، ما يوفر فرصا واعدة للاستثمار فيها، خاصة في قطاعي الصيد البحري والفوسفات اللذان يمتلك المغرب خبرة هامة في تدبيرهما، عدى عن مقدرات فلاحية هائلة غير مستغلة بشكل كبير، فالساحل الموريتاني الذي يبلغ زهاء 720 ميل يشهد تنوعا وفرة في الأسماك ذات القيمة التجارية الهامة، في حين يدخل البلدان في شركات استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي حول مصائد الأسماك في السواحل المغربية والموريتانية، ما يستدعي إمكانية تفاهم البلدين وتوحيد موقفيهما التفاوضيين مع الشريك الأوروبي. أما بخصوص احتياطي الفوسفات في موريتانيا فتشير تقديرات رسمية إلى وجود أكثر من 140 مليون طن، تعمل الحكومة على انجاز دراسات حول حجمه الحقيقي، وحول إمكانية استغلاله وتسويقه. و تمتلك موريتانيا ثروة حيوانية وفيرة تضم ملايين الرؤوس من الإبل والأبقار، عدى عن أراض صالحة للزراعة تقدر بأكثر من 500 ألف هكتار، مع نسبة هامة قابلة للري، فضلا عن مقدرات مائية هائلة، ما يفتح المجال لتسويق الأسمدة الزراعية التي يتوفر المغرب على العديد من مصانع إنتاجها، ويعمل على تسويقها في الخارج. مقدرات طبيعية هامة وبيئة استثمارية مناسبة بالنسبة للمغرب بالنظر إلى القرب الجغرافي، والموقع الجيوستراتيجي الهام، بالإضافة إلى إمكانية مساهمة الاستثمار العمومي والخاص في تعزيز العلاقات الثنائية وترسيخها وكذا توفير الأسواق لترويج السلع والمنتجات المحلية. ويخوض المغرب على المستوى الدولي الإقليمي جهودا دبلوماسية كبيرة للترشح لعضوية المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا CEDEAO، حيث يُدَشٍّن العديد من الزيارات الرسمية للدول الأعضاء في المنظمة الإقليمية، كما يوقع مجموعة من الاتفاقيات والشراكات الاقتصادية، كان أهمها تلك التي جمعته بنيجيريا البلد الذي يتمتع بأدوار إقليمية وقارية بارزة، وهمت الاتفاقية بين المغرب ونيجيريا تفاهما حول إنجاز مشروع ضخم لمد أنبوب للغاز بينهما، سيمتد على طول يناهز 5660 كلم، وسيربط البلدين بالعديد من دول غرب القارة الإفريقية، ليصل إلى مجموعة من الدول الأوروبية، فاسحا المجال أمام تحييد الموقف النيجيري بخصوص النزاع الصحراوي، بحسب العديد من المراقبين، ومساهما في تعزيز دور المغرب في محيطه الإقليمي، وتمكينه من ترقية العلاقات بدول المنطقة وبموريتانيا على وجه الخصوص التي ينتظر أن تحتضن جزء هاما من المشروع. ملف الشراكة مع الاتحاد الأوروبي هو الآخر، والأدوار الحيوية الأمنية الهامة التي يلعبها كل من المغرب وموريتانيا، خاصة في ما يتعلق بمجالات التصدي للهجرة الغير النظامية ومكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات ومختلف المخاطر الأمنية…، بالإضافة إلى اتفاقيات الصيد البحري التي تجمع البلدين المطلين على المحيط الأطلسي مع الأوروبيين…، ملفات تستدعي تنسيق المواقف وتوحيدها بين بلدان المنطقة بهدف تحسين مواقعها التفاوضية إزاء شركائها الأوربيين، خاصة وأن المغرب وموريتانيا يحظيان بالعديد من الاتفاقيات والتعاملات الخاصة التي يوليها لهما الاتحاد الأوروبي. مؤشرات اقتصادية هامة تنضاف الى العلاقات الاجتماعية المتشعبة والمتشابكة في مابين مكونات المجتمعين المغربي والموريتاني، خاصة تلك المتعلقة بالأسر والقبائل الحسانية المنتشرة في كلا البلدين بالإضافة إلى بقية دول الجوار، وكذا الزوايا والطرق الصوفية التي تحظى بانتشار واسع في موريتانيا، حيث ساهمت الجهود الرسمية المغربية الخاصة بدعم التصوف في إفريقيا في ترسيخ العلاقات الاجتماعية مع الأوساط الدينية الموريتانية عبر مشايخ الطرق الصوفية ذات الانتشار الواسع في غرب إفريقيا ومريديها، فضلا عن وجود جاليتين قويتين لكلا البلدين في البلد الآخر، تشكلان قنوات اتصال شعبية ومجتمعية هامة، من شأنها أن تساهم هي الأخرى في تعزيز العلاقات الثنائية في ما بينهما. عوامل متعددة من شأن استغلالها بما يخدم تطوير العلاقات في ما بين البلدين أن ينعكس إيجابا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فيهما، خاصة في ظل الأوضاع الاجتماعية المسجلة، والأرقام والتصنيفات الخاصة بهما المتراجعة في المؤشرات الدولية للتنمية، الى جانب مظاهر السخط والتذمر المعبر عنها لدى فئات واسعة في الأوساط الشعبية والمدنية فيهما إزاء الأوضاع الاجتماعية المحلية، والتي تتم ترجمتها في شكل العديد من مظاهر وتعابير التظاهر والاحتجاج، في وقت تُعَلَّق الآمال على مقدرة القيادات السياسية الحالية في كلا البلدين لتجاوز تلك الأوضاع، ما يفرض العمل على تخطي كل العقبات والعراقيل التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق الاندماج و التكامل الاقتصادي لدى بلدان المنطقة، وفي مقدمتها كل أشكال التعبئة والتصعيد والتوتر بينها.