بعد أن انطلق مسلسل تحرير المجال السمعي في2006 استبشر المغاربة خيرا بمزيد من الانفتاح الإعلامي الذي سيضمن لهم التحرر من إجبارية التقيد بإذاعات محدودة إذ أصبح المجال يتيح فرصة اختيار أوسع خصوصا في ظل التطور التكنولوجي الذي يسمح بسرعة التقاط أثير الإذاعات عبر الهاتف أو الحاسوب أو في السيارة أو غيرها. ومن أجل تلبية رغبات المستمعين نوعت هذه الإذاعات في موادها وبرامجها متطلعة _في تنافسية كبيرة _إلى الوصول إلى أكبر عدد من المستمعين . مما يحتم طرح بعض الأسئلة تستفز عقول متابعي هذه الإذاعات من مثل قولنا:هل فعلا حققت هذه الإذاعات طموح مستمعيها في انسجام مع واقع مجتمعهم ؟أم أنها حادت عن الجادة وسقطت في الإسفاف والابتذال وساهمت بطريقة أو بأخرى في التأثيرالسلبي على النسيج المجتمعي؟ أول ما يمكن ملاحظته على هذه الإذاعات هو ازدحام الأثير بكثير من المتشابه منها , فإذا ما حاول المستمع اختيار ما يروق له منها فإنه يعجز في كثير من الأحيان التمييز بينها لشدة تشابهها في طريقة عرض موادها وسأقتصر على التدليل ببعض النماذج كبرنامج الصباح الباكر الذي لا يعدو أن يكون حوارا بين صحافيين أو أكثر يتجاذبان أطراف الحديث أو الكلام العادي الذي يمكن أن يدور بين أصدقاء جالسين في الرصيف أو على مقهى تتخلله فواصل إشهارية أو أغاني أغلبها شعبية بعضها مبتذل يشبه تلك التي كنا نسمعها في (لافوار) وما يكاد رمح الصباح يرتفع حتى تنقلك هذه الإذاعات- وكذلك في تشابه مثير- إلى برامج الطبخ ووصفات التجميل والعلاج الشعبي وحوارات مع مختص وأغلب جمهور هذه البرامج هن ربات البيوت اللواتي أضناهن مشكلهن اليومي مع الأزواج والأبناء فيجدن فرصة للفضفضة والبوح دون اعتبا ر لأسرارهن الخاصة وقد يأخذن بعضهن الحلول المقترحة من طرف المختص كوصفة علاجية لمشكلتها فتحاول تطبيقها بحذافيرها وهذا ما حدث لبعض المستمعات التي أصرت على الخروج إلى العمل حتى تتخفف من الاصطدام مع زوجها ومن أجل كذلك تحقيق استقلاليتها المادية والمعنوية وهي لا تملك أي مؤهل علمي أو مهني يضمن لها عملا كريما مع معارضة الزوج لهذا الخروج في ظل وجود أبناء صغار يحتاجون إلى رعايتها وتربيتها فانتهى بها المطاف إلى الطلاق والتفكك الأسري . أما البرامج الليلية فقد سقطت بعض هذه الإذاعات في بث برامج أقل ما يمكن أن توصف به أنها تخاطب الغرائز من أجل إيقاظها وإطلاق عنانها في كل الاتجاهات متجاوزة بذلك كل الخطوط من جرأة في استعمال الألفاظ الخادشة للحياء وتجسيد سمعي للعلاقات الحميمة ,هذا مع اعتراف بوجود الدعارة في المجتمع والشذوذ الجنسي لكن عرضها في الإذاعة وإعادة عرضها على وسائل التواصل الاجتماعي هو خطر يهدد النسيج المجتمعي وينذر بمزيد من انحراف الكثيرين الذين يستهويهم الاستماع إلى هذه البرامج وإن كانوا لا يعانون من المشكل موضوع النقاش. إنه آن الأوان لدق ناقوس خطر هذه البرامج والتنبيه على ما يمكن أن تجر إليه المجتمع من مهالك. وفي الأخير يبقى التنويه ببعض برامج الإذاعات الخاصة ذات الموضوعات الجادة والمنشطين المتميزين واجب وإن كانت قليلة ضاعت في كثير من الإسفاف الذي دفع إليه الجشع الربحي والتنافس المحموم على جذب المستمعين وأشياء أخرى مع إغفال شديد عن مسؤوليتها في ترقية أو تردي أذواق وأخلاق المجتمع. * أستاذة اللغة العربية بالقنيطرة