استهل الدكتور جاسم سلطان مقالته المعنونة (بالنقد الخالد) : يعتبر النقد من أهم الأدوات التي تتقدم بها الأمم، وترتقي بها الحضارات، فهو أداة تقويم وتوجيه وتصحيح مسار، وكلما ارتفع وعينا بأهميته، واتسعت صدورنا له، كلما كان ذلك مؤذناً بحلول نهضتنا واستعادة حضارتنا، والنقد هنا نعني به التحليل الموضوعي للسلبيات والإيجابيات والبحث في الجذور والأسس المنتجة للمشاكل وربما اكتشاف الحلول والمسارات البديلة. صدرت لهذا الموضوع بقول الدكتور جاسم سلطان حتى لا يقول بعض المتعصبين من أبناء العدالة والتنمية أنني كتبت من أجل النقد فقط، فكما جاء في الأثر: الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها . فالمبدأ الذي ينبغي أن نؤمن به أن نقول للمحسن أحسنت، وللمخطئ أخطأت، هذا إن أردنا أن نبني هذا الوطن، لكن عندما نسكت ولا نقدم أية اقتراحات، وينعدم الحس النقدي في المجتمع فهذا مؤشر على فشل المشروع. إذن فكلام الناس وانتقادهم لحزب العدالة والتنمية اليوم له مجموعة من الأسباب أهمها: 1 حزب العدالة والتنمية أيام المعارضة كان من أشد الأحزاب التي تدافع عن المواطن ويكشف للمغاربة الفساد وأهله، فمن يرجع لمحاضرات قادة الحزب سيكشف ذلك، ناهيك عن مرافعاتهم داخل البرلمان، فكلنا يذكر الهجوم الكبير على مهرجان موازين للحزب أثناء المعارضة حيث اعتبروه مجرد تبذير للأموال، وأنه يمس بالقيم الأخلاقية للمغاربة ، لكن سرعان ما تحول موقف الحزب من الرفض إلى التطبيع والقبول. والغريب في الأمر أن بعض وزراء الحزب برروا لهذا المهرجان بأن تنظيمه بمثابة مشاريع خاصة ولا يصرف فيه أي سنتيم من الميزانية العامة للدولة. فوقوع حزب العدالة والتنمية في مثل هذه التناقض يجعله محل الكلام والنقد من طرف الناس، فكيف يعقل أن تأمر الناس بالصلاة وتكون أول من يتخلى عنها؟ 2 الجرأة الزائدة في فتح مجموعة من الملفات التى لم تفتحها الأحزاب العريقة في الدولة، فحزب العدالة والتنمية حزب جديد لا يملك تجربة غنية في التسيير، فلما ترأس الحكومة في أول تجربة له أراد أن يصلح كل أعطاب السياسة والاقتصاد بالمغرب، فتح ملف المقاصة، والتقاعد، وأعلن عن المستفيدين من (الكريمات)، هذه الأمور وغيرها أججت مشاعر السخط والغضب لدى المواطن على الحزب، نحن نعلم أن مقاصد الحزب من نقاش هذه الملفات هو خدمة البلاد والعباد، لكن المواطن استنتج من طرح الحزب لبعض القضايا الحساسة والتراجع عنها دون الحسم فيها، أنه أصبح مظلة تحمي الفساد والمفسدين بالبلاد، فالمواطن يؤمن بالأشياء الملموسة واقعيا، كالزيادة في الأجور، وجودة الخدمات في المستشفيات، ويريد تعليما يواكب تقدم العصر، يريد الاحترام والتقدير عند ذهابه للإدارات لقضاء مصالحه، يريد توفر الشروط الضرورية للعيش الكريم … فقد يقول القائل وما ذنب حزب العدالة والتنمية؟ فنقول له أليس حزب العدالة من رفع شعار الاصلاح، والنهوض بأوضاع البلاد؟ 3 جرب المغاربة كل الأحزاب العتيدة واعتبروا البيجيدي حزب الأمل الذي سيخرجهم من عنق الزجاجة، أعطوه فرصة أولى في التجربة الحكومية وكان ما كان، ومع ذلك تشبت المغاربة بهذا الأمل، (لاننكر أن بنكيران وضع بصمة في السياسة جعلت الناس يهتمون ويتابعون ما يقع في الحكومة والبرلمان وأدخل للسياسة مصطلحات جديدة كالعفاريت والتماسيح, كما أنه تطرق لملفات لم يستطع من قبله التطرق إليها…) فعندما منح المواطن ثقته للبيجيدي يعني أن الحزب مطالب بالتضحية والعمل من أجل مصالحه، وأن يدعم الطبقة المتوسطة والفقيرة، ويلزم الشركات بخفض الأسعار سواء في المحروقات أو المواد الأساسية… 4 يقول بعض أفراد الحزب أنهم لم يتورطوا في قضايا الفساد المالي، وأن الحزب نزيه لا يسرق ولا ينهب المال العام. والحق أن البيجيدي مادام يحمل المرجعية الإسلامية فمن الواجب عليه أن يكون من أشد الناس حرصا على تنفيذ تعاليم الدين ومنها الحفاظ على الأمانة، وينبغي أن لا نقارن الحزب بغيره إن كان فعلا حزبا يتميز عن باقي الأحزاب، ويثبت على مبادئه التي كان يدافع عنها. 5 لم تشفع الرتبة التي حصل عليها العدالة والتنمية في الانتخابات السابقة لكي يؤسس حكومة منسجمة، فما يعرف بالبلوكاج الحكومي كشف للمغاربة أن الحزب عبد مأمور لا يملك القرار، وكلنا يتذكر خطابات بن كيران في الحملة الانتحابية أنه في حالة الفوز لا يمكن لحزب الاتحاد الاشتراكي أن يكون داخل الأغلبية في الحكومة، لكن سرعان ما تبخر كل كلامه، وانقلب السحر على الساحر ودخل حزب لشكر مرفوع الرأس وأقيل بن كيران من رئاسة الحكومة. واستأنف العثماني العمل من بعده لكن الملاحظ أن هذا الأخير أقل جرأة من سابقه، واتسمت فترته بمجموعة من المشاكل وأهمها أزمة الحسيمة، ومشكل جرادة، وثورة عطشى زاكورة، والنتائج التي ترتبت عن كل هذا اعتقالات بالجملة، وأحكام قضائية قاسية، فكان حريا بالحزب الدفاع عن قضايا المواطنين، وإيجاد حلول لكل هذه المشاكل ترضي الناس والدولة. 6 المواطن المغربي ينظر لحزب العدالة والتنمية على أساس أنه الحزب المنظم، وأن أفراده لا تستهويهم المناصب والامتيازات، لكن المؤتمر الأخير كشف الحقيقة المرة أن هناك بالفعل حب للمناصب، وإلا ماذا نفهم من الولاية الثالثة، والتكييف القانوني من أجل شرعنتها؟ وماذا نقول في النقاش الداخلي للحزب أن هناك تيار بنكيران، وتيار الاستوزار؟ إلى غير ذلك من المشاكل الداخلية التي خرجت إلى المغاربة، حيث جعلت من البيجيدي موضوع استهلكته كل المواقع الإلكترونية وفضاءات التواصل الاجتماعي… فعندما نقيم عمل هذا الحزب ليس ذلك من أجل التشويه والتنكيل، ولكن من أجل إعادة بناء الصف والاستفادة من العثرات. وإن كانت مصلحة البلاد والعباد هي مايهم الحزب فلابد له من الاستماع إلى شكاوى المواطنين وأن يتفاعل معها بشكل إيجابي، وعلى الحزب أن يأخذ بعين الاعتبار أن الشارع هو من منحه فرصة تسيير البلاد فهذا يحتم عليه أن يخدمه بكل نزاهة، وإن حال بينه وبين خدمة الشعب حائل أن يشرح لهم العقبات وينسحب مرفوع الرأس. فالحزب في حاجة ماسة اليوم أكثر من ذي قبل إلى غربلة شديدة، وأن يعيد النظر في خبايا العمل السياسي، فهذا الأخير لا يفهم من مجلدات السياسة الشرعية أو الكتب والمقالات، وإنما هي تكتسب من الممارسة في الواقع. ولاشك أن قيادات الحزب على علم بنظرية المقاصد وطرق تسير أمور البلاد . فهذه بعض كتب سعدالدين العثماني: معركة الديمقراطية في فقه الحوار الدين والسياسة تمييز لا فصل فقه المآلآت مفهومه وقواعده في الفقه الدعوي مساهمة في التأصيل في فقه الدين والسياسة، تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة. فمن يقرأ هذه الكتب وغيرها لا يصدق أن سعدالدين السياسي ليس هو العثماني الفقيه والمفكر. إن حزب العدالة والتنمية ليس حزب الملائكة، فهو حزب يجتهد ويخطئ وما على قيادته إلا أن تتقن فن الإنصات والتعامل بجدية مع قضايا الناس. فالشعب المغربي منحه الرتبة الأولى ولم يعطيها للأحزاب الأخرى فلماذا يتحكم العدد 37 في 125؟