عندما يضطر المرء أن يعيش بإحدى مدننا المغربية،يختار أن يكون مكان الاقامة كامل الاوصاف حتى يضمن العيش الكريم والمسؤول الحسن،والجار الطيب… لكن عندما تضطرك الحياة بأن تعيش في مكان قدر لك فيه أن يكون مسقط رأسك،وقد تعشق كل لبنة من لبنات أسواره،وكل نسمة من نسمات رياحه، ويعز عليك فراق أرضه وناسه وطيره،يفرض عليك حينها أن تختار أحد الطريقين اللذين يريحك اتباعهما،أولهما أن تستسلم لقضائك وأن تركن جانبا،وتدع المفسد يعيث فسادا في بلدتك التي أحببت،وتتعامى عن أن تعترض عن خروقات قد تؤدي بالثلاثي السابق الذي فرض عليك”العيش الكريم والمسؤول الحسن والجار الطيب”،الاول للاندثار،والثاني للاغتناء،والثالث للموت البطيء… عندها ستكون مثل شجرة مر عليها الزمان وتركها صفصفا عاريا لا تسمن ولا تغني من جوع… وقد تختار طريقا ثانيا…صعب المنال…عسير المسار…طريق النضال ضد الفساد…ضد الانتهازية… ضد الخيانة… أصحاب الاختيار الثاني قد يتعرضون للتشويش والتشويه والتهديد والوعيد…لكنهم يكونون أقوى إرادة وصلابة ومرونة…هدفهم أسمى وأنبل يعطيهم قوة تقيهم الاصابات … هذا فقط مقطع قصير من قصة طويلة لمدينتي الصغيرة الحجم، الكبيرة المعاناة… وهؤلاء هم جيراني ومسؤولي بلدتي اليتيمة… من بين جيراني المستأنس المستسلم للقدر،بعد أن طال مدينتي الكثير من التهميش واللامبالاة… وبعد أن إعتبرها بعض من تقلدوا مسؤوليتها بقرة حلوب تذر عليهم حليبا طازجا طريا خالي الدسم… ومن بينهم آخرون إنقسموا بدورهم لفرقتين يعلم الله فقط مبتدأهم ومنتهاهم…فرقة تناضل بكل قوة من أجل أن ينتهي زمن الفساد وتنتهي معه سرمدية اللاإهتمام،وفي خاطرها نقاء وصفاء للوصول بالمدينة لأعلى المراتب،وبأن تأخذ حقها الضائع منذ أزمان وأوقات. هذه الفرقة همها نبيل صاف لا تريد من حليب البقرة إلا أن يكون توزيعه عادلا… وفرقة تنتهز نضال الفرقة السابقة،وتختبئ وراء شعارها النقي،تهتف معها بأعلى قوتها،وربما يكون صوتها صداحا،لكن في قرارة نفسها تأمل فقط أن يكون نصيبها كأسا دهاقا من حليب بقرتنا التي أصبحت الآن عقيما… هكذا هم أناس مدينتي،قد تختلف طيناتهم بين الصادق الوفي…وبين الطيب الذي ينأى عن نفسه بعيدا عن قذائف النار واللهب…وبين المنتهز للفرص حتى يفوز ولو بدريهمات قد لا تسمن ولا تغنيه من جوع… لكن ايجابية ساكنة بلدتي،تجتمع بكل أطيافها عندما تحس بأن هناك خطر قد يهدد أرضها وسماءها،حينها قد تجتمع كل الأطياف السابقة من أجل حماية أرضها ومائها وسمائها. .. فهل إقتربت بداية النهاية…وهل اقتربت ساعة التلاقي من أجل حماية مستقبل المدينة الذي يسير نحو المجهول… وهل يتحقق العدل في إنفاذ لجن محاسباتية لتقصي حقائق صرف الأموال التي تلقاها مجلس مدينتي من أجل تنميتها؟ رسالة موجهة للكبار من أجل حماية الصغار، فهل تحن قلوبهم ويمنحوننا نبراسا ننير ونحتمي به من الظلام الدامس الذي بدأ ينتشر بين جنبات بلدتي؟