الشعوذة موضوع قديم وجديد لا يختلف اثنان حول الأذى النفسي و الجسدي الذي تلحقه الشعوذة وغيرها من الأعمال القذرة و الشائنة بحياة بالأفراد والمجتمعات؛ و مما يزيد من بشاعة هذه الظاهرة هو تعايش المجتمع معها واعتبارها في بعض الأحيان جزءا من الموروث الثقافي و الشعبي لبلادنا، كل ذلك نتاج لتفشي الجهل و الأمية و الفقر في أوساط المجتمع المغربي؛ و أصبح بلدنا للأسف- مضربا للأمثال في هذا الاتجاه؛ لدى البلدان المجاورة، وهناك من يذهب بعيدا ويعتبرها تجارة قائمة الذات تُدر على ممتهنيها الملايين! هل قضاء الشارع هو الحل؟ مناسبة هذا الكلام ما راج مؤخرا من أشرطة فيديو لشاب بمدينة سلا أطلق عليه لقب صائد الساحرات؛ هذا البطل الخارق كما يدعي مؤيدوه، انتشرت صوره و فيديوهاته كالنار في الهشيم؛ و تمت الإشادة به من طرف الكبار و الصغار نظير ما قام به من فضح للفساد والشعوذة؛ مما يدفعنا إلى طرح التساؤل التالي: – هل يجوز للأفراد التعدي على الحرية الشخصية للآخرين و التشهير بهم من أجل تطبيق القانون بأيديهم؟ بغض النظر عن حسن نيتهم من عدمها؟ إطلالة سريعة على الفيديوهات التي أطلقها هذا الشاب الذي عمد إلى اقتناص نسوة وهن بصدد الدخول إلى منزل يدعي أنه لساحرة وقام بتصويرهن عنوة دون رضاهن؛ و أرفق ذلك التسجيل بوابل من الشتم و السباب الممزوج بكلمات تغرف من القاموس الديني كإزالة المنكر، والأجر عند الله وغيرها..، بل وصلت به الوقاحة في بعض القطات إلى التدخل باستعمال يديه لدفعهن من أجل تصوير وجوههن بوضوح و لسلبهن ما يحملن من متاع!! بطل من ورق إلى حد الآن قد تبدو الأمور عادية لعامة الناس ما دام أن هذا الشخص يريد إزالة المنكر بلسانه ثم يده؛ لكن ما أغفله الشاب وأغفله كذلك مؤيدوه؛ هو أنه تجاوز حريته ليتعدي على حرية الآخرين دون وجه حق؛ و تقمص أدوار خاصة بالسلطات العمومية من شرطة ودرك وسلطة محلية؛ وليست من اختصاصه؛ لأن فتح الباب أمام عموم الناس من أجل الدفاع عن أرائهم و قناعاتهم بتلك الطريقة؛ فيه خرق سافر للقانون؛ و سيؤدي بالبلاد لا محالة إلى التخبط في الفوضى و الركون إلى شريعة الغاب عوض شريعة القانون؛ حيث يعمد القوي إلى إيذاء الضعيف! وهذا أمر غير مستحب خاصة في المجتمعات الإنسانية المتحضرة؛ القانون فوق الجميع لقد كان حريا على الشاب المندفع أن يسلك القنوات المشروعة؛ كرفع الشكاوى والتظلمات إلى الجهات المختصة و الاستعانة بهيئات المجتمع المدني؛ كالجمعيات الحقوقية وغيرها إن لزم الأمر؛ لكنه للأسف اختار سلوك أسهل الطرق من خلال الاستعانة بهاتف خلوي لتدمير حياة نسوة؛ كان بالإمكان إرجاعهن إلى جادة الصواب؛ إن هن أخطئن الطريق فعلا! الحاجة إلى نقاش عمومي جاد اندفاع شاب يافع يدعي الطهرانية، رغم أن ملابسه و وشومه و سبابه لا يوحي بذلك، و تبريره لأفعاله -المُجَرمة قانونا- برغبته في إزالة المنكر؛ يفتح الباب على مصراعيه أمام موضوع قديم و جديد؛ ألا وهو قضاء الشارع، والذي طالما كان مادة دسمة للنقاش العمومي؛ و تم الخروج بتوصيات لم تجد بعد نفسها نحو مسطرة التشريع؛ و بالتالي سن قانون صارم و رادع لهذه الفئات؛ التي تستعين بقواميس دينية أو ثقافية من أجل فرض توجهاتها على المجتمع. * إطار وباحث في القانون