بعد تولي سعد الدين العثماني رئاسة الحكومة ، وبعد اعتيادنا صيامه عن الكلام ،حتى صار صمته في وقت من الأوقات نقاشا من نقاشات شبكات التواصل الاجتماعي ،أصبح يفاجئنا من حين لأخر بتدوينات وتصريحات غريبة ، تمنيت شخصيا لو بقي صامتا على أن اسمع تصريحاته اللامنطقية ، ولعل الإطلالة البهية الأخيرة لرئيسنا حين ألقى كلمته أمام اللجنة الوطنية لحزب العدالة والتنمية، ليكشف لنا في مشهد خيالي ، أن رئيس وزراء فرنسا السابق دومينيك دوفيلبان زاره في بيته، وأخبره بأنه يرى أن وضع المغرب أحسن من الوضع في فرنسا ، وهذا ما لن يصدقه أي مواطن مغربي حتى وإن كان قد دخن كل حشيش كتامة في سيجارة واحدة ملفوفة . لو كلف رئيس الحكومة نفسه وزار أقرب مستشفى عمومي دون بروتوكولات رسمية ، لعاين كيف يصطف المواطنون في طوابير طويلة بحث عن العلاج ، أو عن موعد مع الطبيب الذي ربما لن يصل قبل وصول عزرائيل ، أو طمعا في سرير مهترىء هذا و إن وجد ، يقي مرارة ووجع الأمراض المتكدسة. لم يسبق لنا أن سمعنا يوما بأن مواطنا فرنسي مات وهو يفترش الأرض منتظرا دوره في العلاج في مستشفى عمومي فرنسي، في فرنسا يعالج المريض أيا كان عرقه أو أصله أو جنسيته حتى وإن كان لا يملك أوراق الإقامة. لم نسمع يوما بأن مواطنا فرنسيا مات غرقا وهو يحاول الهجرة سرا إلى المغرب من أجل أن يحفظ ما بقي له من كرامة ، عكس ما يعرض منذ ثمانينيات القرن الماضي على القنوات الدولية والمغربية ، و ما صار اليوم يعرض في مواقع التواصل الاجتماعي في مشهد مأساوي من جثت مغربية تطفو فوق المحيط كان كل أملها هو أن تضمن منصب شغل قار يحفظ كرامتها ويصونها . في المغرب يرتكب مسئولون كبار ممارسات فاسدة دون عقاب يُذكر، ببساطة لان المغاربة ليسوا سواسية أمام القانون، ولا يطبق هذا القانون إلا على الضعفاء، عكس الدول التي تحترم نفسها والتي تعتبر المواطنين سواسية أمامه مهما كان مركزهم السياسي أو الاجتماعي. ربما كان رئيس الحكومة على صواب حين صدق ما قاله له دومينيك دوفيلبان، لأنه وببساطة المغرب أحسن وأفضل بكثير من فرنسا بالنسبة للأعيان والسياسيين وأبناء الذوات ، فكل الطرق معبدة أمامهم للخداع والنصب والاحتيال السياسي ، والابتزاز والاختلاس والريع ، التي هي أسرع الطرق لمراكمة الثروة دون حسيب أو رقيب أو مساءلة في الوقت الذي كان على رئيس الحكومة أن يمتلك الشجاعة الكافية ليقف في وجه العاصفة لمواجهة الأزمة التي تمر منها البلاد، فضل واختار الحل الأسهل، بأن يفعل كما يفعل طائر النعام كلما أحس باقتراب بالخطر أن يغرس رأسه في الرمال.