في ظل غياب أرقام حقيقية وقريبة من الحقيقة، فإن عددا كبيرا من المغاربة موزعين بين الذكور والإناث والكبار والقاصرين، بل عائلات كاملة بكبارها وصغارها، استطاعوا في الأيام والأسابيع القليلة الماضية الوصول إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط بطرق غير قانونية ، وبشكل سري.. فما قصة هذه الهجرة السرية التي ازدادت حدتها مؤخرا؟ كشف تقرير صدر عن منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، أنه تم إنقاذ ما مجموعه 154609 مهاجرا في سنة 2017 في عرض البحر الأبيض المتوسط، جزأ كبير منهم ينحدر من شمال إفريقيا، كما كشف ذات التقرير أنه تم انتشال 3000 جثة لمهاجرين لم يسعفهم الحظ الوصول لشواطئ أوروبا، هذا الحظ الذي حالف 15400 مهاجرا من الوصول. فيما بينت وزارة الداخلية المغربية سنة 2017 أن إجراءات احترازية قامت بها، حالت دون وصول 50 ألف مهاجرا غير شرعي إلى أوروبا عبر إسبانيا. هذه المعطيات التي استقيناها من بعض الجرائد الإلكترونية والوكالات الوطنية والدولية، تأكد أن عدد المهاجرين السريين ضخم جدا ، وأن نسبة كبيرة من المغاربة أيضا بالإضافة إلى بلدان شمال إفريقيا ودول إفريقيا جنوب الصحراء يفكرون بشكل كبير في الهجرة إلى أوروبا ، الملاذ الوحيد لهم في العيش الكريم الذي جعلهم يغامرون بحياتهم، راكبين طرقا جد خطيرة للهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط الذي ابتلعت مياهه وأسماكه الآلاف منهم. في الآونة الأخيرة من شهري غشت وشتنبر 2018 ، كان رواد الفضاء الأزرق ” فيسبوك ” على موعد مع مشاهدة عشرات الأشرطة المصورة لمجموعة من محاولات الهجرة السرية لمغاربة بطرق مختلفة، بعضها متداول ومعروف وبعضها الأخر جد غريب ونادر، فأنا شخصيا اطلعت على مجموعة من الأشرطة منها أشرطة لمجموعات من الشباب بينهم قاصرين وإناث في قوارب خشبية وأخرى بلاستيكية، موثقين عملية الهجرة بهواتفهم في عرض البحر، ومنها أشرطة أخرى لإسبانيين وإسبانيات وثقوا وصول قوارب مهاجرين مغاربة وغيرهم إلى شواطئ إسبانيا، كما وثق صيادون في عرض البحر قوارب بلاستيكية لمهاجرين سريين وهم يغرقون، محاولين بكل جهودهم إنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكن أغرب شريط ” فيديو ” شاهدته في الآونة الأخيرة هو لمغربي قرر الهجرة لوحده في قارب صغير بلاستيكي معتمدا على يديه في الجدف، وثقته عدسة صيادين إسبانيين ، قامو بإنقاذه وإيصاله للشاطئ سالما. ما سبق يؤكد فرضية واحدة من فرضيتين متعلقتين بازدياد كبير في عدد المغاربة الذين قرروا الهجرة إلى البلدان الأوروبية: الأولى: أن يكون العدد فعلا في ازدياد كبير وبنسب جد كبيرة بالمقارنة مع السنوات الماضية. الثانية: أن تكون الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي بالفعل هي من غيرت مجرى الفرضيات فأصبح توثيق الهجرات إلكترونيا أمام مرأى ملايين من الرواد المغاربة في العالم الأزرق ” فيسبوك ” أكثر من ذي قبل وبالتالي فالأمر يتعلق بالتوثيق لا غير وليس ازدياد في عدد المهاجرين السريين. أرقام ضخمة هي التي نعرفها ولا نعرفها، أرقام توضح بشكل أو بأخر مدى فشل الحكومة الحالية في احتواء البطالة التي قد استفحلت بشكل مهول في صفوف الشباب المغاربة، وبشكل يجعلنا نطرح ألف سؤال وسؤال، وكذا فشلها في احتواء الفقر الذي ازدادت حدته ، بغض النظر عن الأرقام والإحصاءات التي نسمعها من هنا وهناك تمجد لإنجازات هذه الحكومة، مع العلم أن جلالة الملك محمد السادس وفي خطابه للشعب المغربي بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لثورة الملك والشعب يقول وبشكل واضح ” غير أن ما يحز في نفسي أن نسبة البطالة في أوساط الشباب تبقى مرتفعة. فمن غير المعقول أن تمس البطالة شابا من بين أربعة، رغم مستوى النمو الاقتصادي الذي يحققه المغرب على العموم. ” هذا ما يجعل الحكومة المغربية في وضع لا تحسد عليه، وأمامها طريق طويل للحد من البطالة واحتوائها واحتواء الفقر، الذي هو السبب الرئيسي في استفحال ظاهرة الهجرة السرية، جاعلا من المغربي يفضل الموت في البحر على أن يبقى هنا. فهل في الحكومة المغربية الحالية عاقل واحد يستطيع أن يقدم استقالته من منصبه إذا ما أحس بنفسه مقصرا في عمله؟ وهل يمكن لرئيس الحكومة الحالي إذا ما أحس بنفسه أنه قد فشل لحد الساعة في تنمية شاملة في جميع القطاعات الحيوية بالبلاد وأن يقدم استقالته ليعطي الفرصة لحزب جديد وسياسي جديد يمكنه فعل شيء؟