قرر السيد ناصر الزفزافي الدخول في إضراب عن الطعام من نوع خاص . إنه إضراب منذ البداية عن الطعام و الشراب و السكر و الأملاح .. و هو كذلك إضراب غير محدود؛ أو بتعبير السيد الزفزافي ” مفتوح حتى الاستشهاد ! ” حسب ما نقله عنه أبوه السيد أحمد الزفزافي نقلا عن أمه في آخر زيارتها له الأسبوع الماضي . الإضراب الذي شرع فيه قائد حراك الريف لم يقتصرعن الطعام والاحتفاظ بورقة مقاومة الجوع و فقدان التوازن والدوران و الآلام و الضعف والهُزال بتناول الماء و السكر، كما جرت العادة في مثل هذه الحالات للاحتجاج على تعسف هنا أو تضييق هناك يطال المعتقل أو أفرادا من عائلته خلال الزيارات أو للمطالبة بتحسين ظروف “الإقامة” بالسجن لفترة ما كما يسجل تاريخ الاعتقال السياسي والنضالات و التضحيات التي قدمها المغاربة، من مختلف الأجيال، في أكثر من سجن و في أكثر من محطات انتهى بعضها نهايات مأساوية ( استشهاد المناضلة التقدمية سعيدة المنبهي أواخر السبعينيات من القرن الماضي، بعد 40 يوما من الإضراب عن الطعام نموذجا). إضراب الزفزافي، خلاف الإضرابات المعتادة، شمل كل ما من شأنه ضمان الارتباط بالحياة من مغذيات، حتى الماء والسكر، و هو أمر بقدر ما يحمل من معاني و رسائل بقدر ما يجب أن يحمل على الخوف و حتى الهلع، لا على حياة السيد ناصر الزفزافي و هي لا تعدم أهمية في حد ذاتها و لكن، و أساسا لما تحمل هذه الحياة لهذا المواطن بالذات من معاني ومن انعكاسات على الوطن و على استقراره و على و حدته و تماسكه الاجتماعي . المعتقل السياسي ناصر الزفزافي ( نعم المعتقل السياسي، لأنه، قبل اعتقاله، خصوصا خلال حراك الريف، ما انفك يدعو إلى الحفاظ على سلمية الحراك، و هذا ما يجب أن نحفظه له ) انخرط في لإضراب عن الطعام والماء والسكر، و هذا ما يجعل إضرابه من نوع خاص، لاسيما أن هذا القرار جاء بعد معاناة جسدية و نفسية لأزيد من سنة، و هي مدة غير قصيرة من جهة، و لأنه يقدم على الامتناع، فضلا عن الطعام على الماء في عز الصيف و التعرق الزائد والمتكرر، ما يهدد باجتفافه بسرعة و احتمال تلف كليتيه و تركز السموم في دمه نتيجة تعطلهما عن أداء وظيفتهما في تصفية نسغ الحياة القاني في شرايينه، وبالتالي إلى الحقيقة المريرة؛ الوفاة .. و هنا الخطر الماحق .. لا قدر الله ! الزفزافي رجل بحجم الوطن .. الزفزافي رجل بحجم الوطن .. بأي معنى ؟ الجواب عن هذا السؤال، في تقديرنا المتواضع، يكمن في “الخطر الماحق” المومإ إليه أعلاه و الداهم حفظ الله بلدنا منه و من أهواله .. فالزفزافي قرر هذا الإضراب بهذا الشكل، و هو ما يعني الشهادة في أية لحظة . فلنفترض أن كهرباء قلب الرجل اضطربت ثم ما لبثت أن ارتبكت أكثر فأكثر ثم لا قدر الله توقفت العضلة عن عملها و أداء وظيفتها . لا قدر الله ! . لا قدر الله ! لا قدر الله ! . لا قدر الله ! لا قدر الله ! … حتى ينقطع النفَس . ماذا تتوقعون أن يحدث بعدها ؟.. أقصدكم بهذا السؤال حميعا أيها المغاربة ، كل من موقعه.. و أخص بالذكر هنا المسؤولون الحكوميون، و البرلمانيون و الأمنيون والعسكريون و السياسيون والنقابيون و المثقفون والفاعلون المدنيون .. و قبل كل هؤلاء ملك البلاد الذي أوكل إليه الدستور حفظ أمن وأرواح و حريات المغاربة . لقد اهتز الريف الهزة التي نعلم جميعا و كاد يهز معه المغرب كله، كما تتبعنا جميعا، إثر الموت التراجيدي للسماك المرحوم محسن فكري . فأي تراجيدية ستكون وفاة ناصر الزفزافي لا قدر الله ! مرة أخرى حتى ينقطع النفَس .؟ ! أي انعكاسات ؟ و هل سيبقى الاهتزاز محصورا في الريف أم إن ارتداداته ستمضي في كل الاتجاهات .؟ و إلى ماذا ستنتهي إليه هذه الارتدادات ؟ . لا نريد في هذه الكلمات الدخول في التحليل السياسي، فالوضع دقيق ويحبل بالمصائب، وقى الله هذا البلد العزيز منها، و هو من الخطورة بحيث لا جدوى من لوك الكلام . و في هكذا سياق فإن عامل الزمن ليس محدِّد، لا بل إنه ليس محددا و حسب و إنما هو، أكثر من ذلك، حاسم ٌ .. ولنتذكر معنى ودرس قولة بنعلي، قبل أن يتيه في الأجواء العليا دون أن يهتدي إلى وجهة معينة إثر تتالي الرفض من أكثر من جهة توجه إليها بطلب اللجوء قبل أن تقبل به السعودية في الأخير . ” أنا افهْمتْكم ” . لقد ضاع و شرد الرئيس التونسي المخلوع و سط تزاحم الأحداث فلم يسعفه إلا قولة دوغول للجزائريين . “أنا افهمتكم” قال بنعلي، و لكن في الربع الساعة الأخير؛ أي بعد فوات الأوان ! لا أقصد هنا أي قياس، و إنما القصد في التذكير بالعبرة للتأكيد على أهمية عامل الزمن و التحرك الاستباقي لمعالجة المشاكل قبل تفاقمها . جوهر الحراك .. ” إِنّ” و استحقاق العقل .. هناك من لا يزال يقارب أحداث و وقائع انتفاضة الريف و إسقطاتها منذ أزيد من سنة مقاربة أقل ما يقال عنها أنها “ناقصة عقل” و فاشلة . و هي فاشلة، بالضبط لأنها ناقصة عقل، و تجازف، حد المقامرة، بمصير البلد . فالحراك جله حراك سياسي ولا تنفع معه أية مقاربة أخرى، قانونية وقضائية كانت أو أمنية أو غيرها . إن المشكل مشكل سياسي في عمقه يعود، في جوهره إلى مشكل الفساد و الاستبداد و كرامة الإنسان المغربي، لاسيما في الريف الذي تنضاف خلفيات حراك ساكنته ” انعكاسات شرطية ” (Réflexes !) لذاكرة جريحة بمخلفات سنوات الرصاص . إن عدم ربط المسؤوليات بالمساءلة عنها ترك الباب مشرعا للنهب المطمئن إلى ضمانات عدم المحاسبة، وهو ما انعكس على مشاريع التنمية المعطلة بسبب هذا الفساد و اختلاس المال العام المفروض تخصيص اعتماداته للتقوية البنية التحتية وتعزيز المرافق العمومية . و ينضاف كل ذلك لتغول البيروقراطية المتخلفة والمحسوبيات و إقصاء و إهانة الناس . هذا هو جوهر جل المشاكل .. الاستبداد الذي قال عنه عبد الرحمن الكواكبي إنه ” أصل كل فساد “؛ هذا الفساد الذي قال عنه عبد الرحمان الآخر ( بن خلدون ) إنه [ الفساد ] ” إيذان بخراب العمران . قلنا إن هذا هو جوهر جل، و ليس كل المشكل، و ذلك لأن في المشكل “إن” لا يمكن إغفالها كعامل و عنصر، دخيل على الحراك صحيح، و لكن ثابت وخطير يمكن أن يفعل ( و ياما فعل ) في الحراك من أفاعيل هدده و مازال يهدده بتحويله من حراك مبارك إلى حراك ينزلق فيما لن يعود بالمعنيين بالحراك في الريف، و على مستوى الوطن إلا بالوبال وبعكس ما خرج الحراك من أجله و انبرى الشعب لإسناده؛ نقصد، بالطبع، الاختراق الصهيوني له من خلال عملاء الموساد و ” نشطاء ” في التنظيم السري لما يسمى “محبي إسرائيل “. فهؤلاء مجندون لنشر الفتن في المغرب على أسس عرقية، في إطار مخطط خبيث ما نلبث نذكر وننبه بتفاصيله دون أن نجد أذنا صاغية، رغم خطورة و كارثية مضامينه و استحقاقاته … هؤلاء، رغم معرفة الحراك وبعض قادته بهم و بالأجندة التي يخدمون و الخدمات الخيانية التي يسدون للقيمين على مشروع تخريب المغرب و كل الأقطار المغاربية و تقسيمها، رغم كل ذلك، فإنهم ما انفكوا يتصدرون تظاهرات و فعاليات الحراك، و من المواقع الأمامية إلى جانب القادة الأساسيين المحترمين، ومنهم ناصر الزفزافي، فك الله أسره، ووالده الذي ندعو له بالصبر و تحمل البلاء و الامتحان . آخر الكلام : إن قرار السيد ناصر الزفزفي ليس أمرا هينا ليتم التعامل معه بهذه اللامبالاة والبرودة التي إن دلت على شيء فإنما تدل على الاستهتار بالمسؤولية و عدم تقدير العواقب .. و للمرة المائة نعيد القول أيها الناس .. أيها الجميع : إن المشكل كبير وخطيرو الأوان فات و لم يبق إلا هامش التدارك .. فللدولة أن تعلم علم اليقين بأن الحراك الشعبي أكثر تجذرا من أن يتم اقتلاعه، لا بالمقاربة الأمنية و لا غيرها وليس من مصلحة الوطن أن يتم أي استثمار في اقتلاعه .. وللحراك أن يعلم علم اليقين أن يعلم، بما لا يدع مجالا لأي شك، أن الدولة أقوى من أن يتم إسقاطها، وليس من مصلحة المغرب أن ترتبك، و أحرى أن تنهار الدولة . و آخر دعوانا أن اللهم احفظ بلادنا مما يحضر لها من خراب لا يختلف في شيء عما يجري في أقطار المشرق العربي و بدأ كوارثه منذ سنوات في أقطار المغرب العربي، و الشقيقة ليبيا أقرب مثال لما يتم طبخه لنا جميعا!. بسم الله الرحمن الرحيم، “والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق و تواصوا بالصبر”. صدق الله العظيم.